الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موت الاحزاب . الدولة البوليسية تفرغ الاحزاب من مضمونها . ( 16 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



المغرب في اول دستور، اقر نظام تعدد الأحزاب ، ورفض نظام الحزب الوحيد ، كما رفض الأحزاب الدينية ، والأحزاب الإثنية ، والشوفينية .
ان رفض النظام لنظام الحزب الوحيد ، واخذه بنظام التعدد ، لم يكن الهدف منه دواعي الديمقراطية ، وتعدد الآراء ، بل انّ الهدف ، كان هو تشتيت نظام الطبقات التي تعبر عنه الأحزاب ، وكان إيجاد وسيلة لتفريق الرأي العام ، ومن ثم اللعب على الاختلافات بعد تزكيتها ، والدفع بها الى حد الانفجار .
اما رفض النظام للأحزاب الدينية ، فكان خوفا من مشاركته تمثيل المسلمين ، واحتكار الدين من قبل الأحزاب ، حتى لا يسقط في الازمة التي عصفت بشاه ايران . لذا سنجد ان الصراع على اشده ، بين النظام الذي يأخذ ( بأمارة امير المؤمنين ) ، ويعتبر ان ما يجمعه مع الامة وليس الشعب ، هو عقد البيعة الذي يعطيه سلطات استثنائية خارقة ، وتعجيزية ، وغير مرئية ، لأنها مستمدة من القرآن ، ومن الإسلام ، فتجعل أي مشكك في هذه التمثيلية ، مارقا، وخارجا عن الاجماع ، وقد يصل الامر الى احد التكفير ، مع ما يستتبع ذلك من نتائج قد ترقى الى جرائم كما حصل مع عمر بنجلون ...... وبين الأحزاب الدينية التي تنافس النظام التمثيلية الدينية ، ولا تعترف له بالتمثيل الديني ، ولا بعقد البيعة التي تصرح بعض الحركات ، ان تكون العلاقة عبارة عن مبايعة تتحدد مقتضاها سلطات الأمير ، او الوالي ، او الملك ، او السلطان ، وانْ تكون مُوثقة بعقد مع ممثلي الامة ( العلماء ، الائمة ، اهل الحق والعقد ، الفقيه ، المرشد .. ) ، وحتى إذا زاغ ولي الامر في سلوكه ، وخرج عن نص العقد، جاز للوصيّين على الدين ازالته وتنحيته .
اما رفض النظام للأحزاب الاثنية والشوفينية ، فمرده تجنب اية محاولة لتقسيم الأرض ، وتقسيم الخيرات ، والثروة ، وتقسيم الرعايا الذين هم دائما في خدمة الأمير . فالنظام يريد وحدة الأرض ، حتى يستمر في الاستغلال للخيرات وللثروات ، وحتى يبقى جاهه عظيما وقويا . وهنا نفهم المواجهة الصارمة مع ما حصل بالريف ، كما نفهم تصلب موقفه من نزاع الصحراء الغربية حيث الفوسفاط ، والمعادن ، والسمك .
ان تاريخ الأحزاب في المغرب لا يعود الى الخمسينات ، بل يعود الى بداية الثلاثينات من القرن الماضي . وهنا فإننا سوف لا نتناول هذه الحقبة ، لأننا عالجناها في رسالتنا المقدمة في سنة 1987 تحت عنوان " الحركة الماركسية اللينينية المغربية 1965 – 1983 " ، وهي تتكون من 450 صفحة من الحجم الكبير. لان خلال هذه الفترة من التاريخ ، لم تكن الأحزاب تطرح في جدول اعمالها ، مطلب الحكم .
لكن بعد الخمسينات وبالضبط بعد الانشقاق الذي عرفه حزب الاستقلال في سنة 1959 ، وتأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من قبل البرجوازية الصغيرة ، تغيرت المطالب السياسية جذريا ، فأضحى الحزب الجديد يركز على مطلب الحكم لا على مطلب الحكومة . فالنموذج الذي كان الحزب يفكر في بناءه ، هو جمهورية برلمانية ليس على الطريقة الاوربية ، بل جمهورية عربية . وهنا سنجد التأثير المباشر لحركة القوميين العرب ، وللحزب الاشتراكي الناصري ، وحزب البعث العربي ، خاصة في شقه السوري ، كما كان هناك تأثير قوي لنموذج الدولة الجزائرية التي كانت تقودها جبهة التحرير الوطني .
سيبدأ الصراع السياسي للحزب مع النظام عند طرح المسألة الديمقراطية ، وعند طرح الدساتير على التصويت . فالحزب كان يقاطع كل الاستحقاقات بسبب انها تتم ضمن دستور ممنوح ، وليس دستور الشعب الذي تقره الجمعية التأسيسية .
سيصل التصادم اوجهه القصوى بأحداث 3 يوليوز 1963 ، وبالأحداث الذي نظَرت فيها محاكمة مراكش في سنة 1970 ، كما سيصل باندلاع احداث 23 مارس 1965 ، وباختطاف وقتل المهدي بن بركة في 29 أكتوبر 1965 . هذا دون ان ننسى مشاركة الحزب الجنرال محمد افقير ، انقلاب الطائرة في غشت 1972 . فالفقيه محمد البصري قبل الانقلاب ، زار اكثر من مرة الكلونيل أمقران الذي كان يعالج بباريس من ورم سرطاني بالرئة .
أدى فشل الانقلاب العسكري ، واختطاف الجنود ، والضباط ، وضباط الصف الذين شاركوا في انقلاب مدينة صخيرات في سنة 1971 ، وانقلاب الطائرة في سنة 1972 من السجن المركزي بالقنيطرة ، وترحيلهم في سنة 1973 صوب سجن تزمامارت الرهيب ، الى اندلاع انتفاضة مسلحة كان يقودها الفقيه محمد البصري رغم انه تنكّر لها وتنكّر للضحاياها ، وهي الاحداث المعروفة ب " احداث خنيفرة مولاي بوعزة .. گلميمة " .
الصراع حول وعن الحكم ، لم يقتصر فقط بين النظام وبين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، لكن ستخرج الى الوجود حركات سياسية قوية ، ركزت كل أنشطتها على الحكم ، وليس على الحكومة . فكما ان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان يطمح لبناء جمهورية عربية برلمانية ، فان منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية " منظمة الى الامام " ، " منظمة 23 مارس " ، " حركة لنخدم الشعب " ، ناضلت من اجل بناء جمهورية ديمقراطية شعبية ، رغم الاختلاف بين هذه المنظمات من حيث الارتباط بنظرية ، كالماوية ، او الستالينية .
إذن النظام الذي استشعر بالخطر يحدق به من كل جانب ، وشارك فيه حتى الجيش وبالتنسيق مع الاتحاد الوطني ، بدأ يفكر في كيفية تطويع الأحزاب والمنظمات المعارضة ، وبدأ يعمل في اتجاه افراغها من محتواها الثوري ، ومن تحويلها من أحزاب تعارض الحكم ، الى أحزاب تطالب فقط باقتسامه ( الملكية البرلمانية ) على الطريقة المغربية ، الى أحزاب تطالب فقط بالمشاركة في الحكومة ، ليحصل لها شرف تنفيذ وتطبيق برنامج القصر ، وهو ما اضحى واضحا منذ المؤتمر الاستثنائي للاتحاد في يناير 1975 .
وللشروع في إنجاح المخطط ، كان لزاما على النظام ان يبحث ، عن قضية او موضوع ، يعطيه بعدا استراتيجيا ، يجعل كل الأحزاب ترتبط به ، وتدور في كنفه . فكان ما ابتكره من عامل لتغيير خريطة القوة ، واستحقاقات المطالب ، هو طرح قضية الصحراء في سنة 1974 /1975 .
هكذا نجح النظام في تغيير مطالب الأحزاب ، ونجح في جعلها جزء منه لا ضده ، فاصبح النظام عند الجمهوريين البرلمانيين بمثابة عدو ثانوي ، ولم يعد عدوا أساسيا ، وفي مرحلة قصيرة من الصراع ، سيتحول النظام الى نظام وطني ، ومحرر للأقاليم التي كانت تحت الإدارة الاسبانية .
سينجح النظام كذلك بسبب قضية الصحراء ، في بث التفرقة والانشقاق في وسط منظمة 23 مارس ، بحيث أضحت الأغلبية التي كانت تصدر جريدة ب " 23 مارس " في باريس ، جزءا من مواقف النظام إزاء الصحراء ، وبعدما ابتعدت عن منظمة الى الامام التي اطلقت على مناضليها اسم العدمية ، ستنحاز بدون شروط ، للتحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وحزب التقدم والاشتراكية . اما المعارضة التي ظلت متمسكة بموقفها ، فهناك المعتقلون السياسيون بسجون النظام ، وهناك " رابطة العمل الثوري ّ التي ستحل نفسها في وقت سابق ، ولتنظم كأفراد ، وليس كتنظيم الى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي .
لقد نجح النظام كذلك ، وبسبب المواقف المختلفة من الصحراء بين جماعة عبدالرحيم بوعبيد الذي كان يراهن على اصلاح النظام من الداخل ، وجماعة الاختيار الثوري برئاسة الفقيه محمد البصري ، وبعد البيان العام الصادر عن المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 ، الى خروج جماعة الفقيه واعلانها الانفصال عن الحزب ، وتأسيس حركة الاختيار الثوري التي راهنت على نزاع الصحراء لقلب نظام الحكم في المغرب . وهنا فالتنسيق كان على اشده مع القيادة في قصر المرادية الجزائرية .
ان طرح النظام لقضية الصحراء ، سيعجل ببث الاختلافات الجذرية بين رفاق الامس " القاعديون " و " رفاق الشهداء – رفاق المهدي وعمر " ، كما سيتسبب في عرقلة اشغال المؤتمر الوطني السادس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وسيتسبب في افشال المؤتمر الوطني السابع عشر في سنة 1982 . وهو نفس الفشل سيكون مصير اللقاء التنسيقي بين منظمة الى الامام ، وحركة الاختيار الثوري بجامعة نونتير في باريس في سنة 1978 .
إذن كيف استطاعت الدولة البوليسية ان تفرغ الأحزاب من مضامينها ليس الثورية ، بل حتى الإصلاحية ، وتحولها الى كائنات صدفية فارغة أصبحت ملتصقة بالدولة ، وليس هذه من يلتصق بها ، كما كان الحال في الستينات وسبعينات القرن الماضي ؟
الدولة البوليسية البارعة في المقالب المختلفة ، وحبك المؤامرات المتعددة ، كانت تضع في أولوياتها في المعالجة ، الاهتمام ، والانكباب على الأحزاب الكبرى التي كان لها صيت داخلي ، ولها صيت خارجي من خلال الشعارات المرفوعة ، والأيدولوجيات المُعتنقة . لذلك فهي لم تكن تهتم بالأحزاب الصغيرة الاّ نادرا ، حين تبدأ بالظهور داخلها ، تيارات قد تخلق بعض الازعاج المُركّب ، لعمل الدولة في التصدي للأحزاب الكبرى ، او تيارات قد تعطل هدف الدولة البوليسية الرئيسي الأول ، وتضعف من مستوى معالجته للظاهرة قيد الاهتمام .
وفي سبيل الوصول الى تهجين الأحزاب المعارضة ، والانتهاء بتركيعها ، بعد ان دفعت بها للقطع جذريا مع ماضيها الذي يميزها ، فهي عملت على تلغيمها ، واختراقها ، بدسّ الموالين على مستوى القيادة والاطر المتقدمة ، والدفع بهم لاحتلال مراكز مهمة في المكاتب السياسية ، والكتابات الوطنية ، واللجان الإدارية ، كما كانت تشرف على اعداد موالين بالقطاع الطلابي ( الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ) ، والدفع بهم الى الالتحاق بتلك الأحزاب ، اثناء العمل الطلابي ، وعند التخرج من الكلية ، فهم كانوا عيون البوليس في الجامعة حيث تتواجد فصائل طلابية متعددة ، وعيون البوليس في الحزب ، ومن خلالهم عيون في الأحزاب الأخرى ، بحكم التنسيق ، والعمل المشترك بين الأحزاب ، بغية استعمالهم في التحكم في مفاصل الأحزاب ، والتحكم في حركتها ، بخلق لوبيات من الوشاة العملاء ( تيارات ) ، الذين تكون مهمتهم بالطبع ، وبعد التوجيهات هي العرقلة ، وعند الاقتضاء الشروع في الانشقاق لإضعاف الأحزاب .
كان الاهتمام الأول للدولة البوليسية منصبا على حزب الاتحاد الوطني / الاشتراكي للقوات الشعبية . فبعد الانتفاضة المسلحة في 3 يوليوز 1963 ، والاحداث التي تسببت في محاكمة مراكش في سنة 1970 / 1971 ، والمشاركة في انقلاب الطائرة في سنة 1972 ، مرورا بأحداث 3 مارس 1973 المسلحة . وقبلها المواقف السياسية الجذرية التي اتخذها الحزب منذ طرح اول دستور ممنوح ، ومن البرلمان ، أضحت الحاجة ماسة لضبط التوازنات ، والتحكم في السلوكات ، وتوجيه العمل الحزبي بما يصب في مشاريع النظام ، ويصب في مخططاته .
هكذا وبعد دفع الموالين العملاء داخل الحزب للتحرك ، ستأتي قرارات 30 يوليوز 1972 ، لتؤسس لنمط حزبي جديد عمّا ساد قبل هذا التاريخ ، وساد منذ الانفصال عن حزب الاستقلال في سنة 1959 ، وتأسيس الحزب الجديد " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " . فقرارات 30 يوليوز ستقسم الحزب الى جناحين لا تنظيمين : جناح الرباط الذي سيصبح طيّعاً لتنفيذ قرارات الملك ، وهو ما اطلقوا عليه بالجناح السياسي التقدمي ، وجناح الدارالبيضاء الذي ارتبط بنقابة الاتحاد المغربي للشغل .
بعد الانتفاضة المسلحة في 3 مارس 1973 ، وبعد فشل انقلاب الطائرة ، سيتدخل الحسن الثاني شخصيا ليفرض على عبد الرحيم بوعبيد اسم " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " ، بدل " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، وذلك للقطع مع تاريخ هذا الحزب في مواجهة النظام ، ومحو فكرة مطلب الجمهورية من اجندات الحزب ، وحتى يصبح الحزب الجديد " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " جزءا من النظام لا خارجه ، مدافعا عن النظام لا ضده ، وحتى يوظفه احسن توظيف ، في التخندق الى جانب أطروحة القصر من نزاع الصحراء الغربية .
في هذا الباب وحتى يتم القطع النهائي مع ماضي الاتحاد الراديكالي الثوري ، سيدفع الحسن الثاني بقيادة الاتحاد الموالية برئاسة عبدالرحيم بوعبيد الى عقد المؤتمر الوطني الاستثنائي في يناير 1975 ، الذي حول الحزب من حزب ثوري هدفه الجمهورية ، الى حزب إصلاحي برلماني ، اضحى متشبثا ب ( المنهجية الديمقراطية ) التي تراوحت من الملكية البرلمانية على الطريقة المغربية ، أي تنازل الملك عن البعض من سلطاته ، لفائدة نظام نيو- ملكية تنفيذية ، بمسحة نيو- ديمقراطية مغربية . لكن الأساس كان هو الالتفاف عن المطالب الديمقراطية الحقيقية ، التي ستصل مع التقدم في معركة الصحراء ، الى مجرد المطالبة بالمشاركة في الحكومة وليس في الحكم ، تحت قيادة ملكية بررت اطلاقيتها ( مطلقة ) ، باسم الظروف الاستثنائية التي يمر منه المغرب بسبب حرب الصحراء .
هكذا ستنجح الدولة البوليسية في افراغ الحزب من كل مضامينه بما فيها الإصلاحية ، وتحولت المنهجية الديمقراطية من نيو – ملكية تنفيذية باسم نيو - ديمقراطية مغربية ، وستنجح في تغيير المعنى الحقيقي من المنهجية الديمقراطية ، ليصبح مختزلا في المشاركة في انتخابات صاحب الجلالة ، والمشاركة في حكومة الملك ، للحصول على شرف تطبيق برنامج الملك ، الذي يعطيه الدستور كل السلط ومفاصلها ، ويجعل منه وحده الممثل الاسمى للامة ، وليس برنامج الحزب الذي يختفي لصالح برنامج القصر، بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات .
وإذا تمعنّا في الصورة المأساوية للحزب الذي تحول الى اسم لشگر ، وفقد تاريخه الذي اصبح مختزلا فقط في العنوان كعلامة تجارية للاسترزاق ( البرلمان والحكومة ) ، لجزمنا من ان الدولة البوليسية نجحت في اخضاع وتركيع الجميع ، ولجزمنا ان ما يسمى بالأحزاب الصدفيات الفارغة تعيش على حساب النظام لا العكس .
لقد عيّن الحسن الثاني في المؤتمر الخامس للحزب ،عملاءه وعيونه فيه ، عبدالواحد الراضي ، وفتح الله ولعلو ، وفرضهم على عبدالرحيم بوعبيد الذي ادخلهم الى المكتب السياسي ، في حين عيّن ادريس البصري العديد من الكتاب العامين للكتابات الوطنية بالمدن الكبرى ، فاصبح بالحزب عيون تعمل مباشرة مع الملك ، وعيون أخرى تعمل مع وزارة الداخلية .
وما حصل للاتحاد الاشتراكي ، نفسه حصل لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، ولحزب التقدم والاشتراكية ، ولحزب الطليعة ، و الاشتراكي الموحد ، وحصل للكنفدرالية الديمقراطية للشغل – حزب المؤتمر . الجميع اصبح أحزابا ملكية بامتياز .
إنّ ما كان يجهله الفاعلون السياسيون ، والفاعلون المشتغلون بالسياسة ، انه كان هناك صراع خفي بين أحزاب القصر ، وبين أحزاب وزارة الداخلية ، وهو صراع كان يُدار بشكل سرّي ، وسلس ، وبدون ادراك القصر لحقيقة الصراع ، بسبب التعتيم الذي كانت تمارسه الوزارة على القصر .
فعندما كان يتضح لديوان الوزير ان حزبا ما ، بدأ يحاول الابتعاد ، او يحاول ان يتخلص من سلطة الداخلية بالهروب الى الاحتماء بسلطة القصر ، كانت الآلة البوليسية تحرك بسرعة البرق، لتحدث انشقاقاً في الحزب الذي يحاول التخلص من سلطة الداخلية ، فكانت تدفع بجواسيسها الى الانتفاضة التي تنتهي بأسيس حزب جديد ، يكون في يدها للتحكم في الساحة ، وفي مصدر المعلومة .
هنا نذكر بخروج الحزب الوطني الديمقراطي عن حزب التجمع الوطني للأحرار الذي زعيمه هو صهر الملك ، وخروج جبهة القوى الديمقراطية عن حزب التقدم والاشتراكية ، وخروج الحزب الاشتراكي عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، وخروج مجموعة الثمانية برئاسة العنصر عن الحركة الشعبية .....لخ .
لقد نجحت الدولة البوليسية في تركيع الأحزاب ، ونجحت في تحويلها الى مجرد صدفيات تتحرك بالعنوان ، وليس بالمضمون ، كما جعلتها تعيش على حساب القصر الذي أصبحت تتسابق لخدمته ، حتى يحصل لها شرف تنفيذ برنامجه . لكن الذي لم تنتبه له الدولة البوليسية ، انها تسببت في قتل الأحزاب التي كانت تلعب دور المتنفس الوحيد للازمات ، وبعد ان جعلت الساحة فارغة وعاقرة ، تكون قد تسببت للنظام الذي مكنّها من المغرب ومن المغاربة ، في اكبر خطر يواجهه ، الذي هو الفراغ .
وحيث ان الطبيعة لا تقبل الفراغ ، فإن هذا ، ومع خصوبة الساحة ، والوضع الاجتماعي المتفاقم ، والآخذ نحو الأكثر من التدهور ، واستفحال الازمة الاقتصادية ، وثقل حرب الصحراء المهددة بالانفصال ، والارتفاع المهول للأسعار ..... قد يسبب في الطوفان القادم ، وقد يسبب في الدخول الى المجهول .
ان اعظم خدمة سددتها الدولة البوليسية للشعب ، هي انها عزلت نفسها ، وعزلت معها النظام ، شعبيا وامميا ، ووسعت من القاعدة العريضة للمعارضة الشعبية ، التي لا تقودها الأحزاب الملكية ، بل تقودها الجماهير الشعبية عبر طول ربوع المغرب .
ان ما حصل بجرادة ، والريف ، وصفرو ، وزاگورة ...... وان انتفاضة 20 فبراير ، لم تكن من صنع الأحزاب التي تتآمر وتآمرت عليها ، بل كان من صنع الجماهير والشباب الواعي الرزين المعطل، رغم توافره على شواهد جامعية .
فالمعارضة اليوم لم تبق نخبوية كما كان الحال سابقا ، بل أصبحت معارضة جماهيرية وشعبية ، يقودها شباب نبعوا من قلب الشعب ، وليس من قلب الحكم .
هكذا تكون الدولة البوليسية ، ببطشها ، واستبدادها ، وقمعها ، وارهابها ، وبسبب امّيتها ، قد ساهمت من حيث لا تدري ، في استحضار أسباب الطوفان او المجهول ، وتكون قد ساهمت من حيث لا تدري ، في توسيع قاعدة المعارضة للاختيارات اللاّشعبية واللاّوطنية .
فشكرا للدولة البوليسية البليدة .
( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط