الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دبلوماسية الغاز: انابيبب الغاز الروسي ستشمل قريبا كل اوروبا

جورج حداد

2018 / 10 / 31
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*


قبل انهيار الاتحاد السوفياتي كانت روسيا تصدر الغاز الى اوروبا عبر الاراضي الاوكرانية. وكانت الجمهوريتان عضوين في دولة واحدة ضمن الاتحاد السوفياتي. ولكن بعد نجاح مؤامرة تفكيك وتهديم الاتحاد صارت روسيا تدفع رسوم ترانزيت لاوكرانيا مقابل مرور الغاز الروسي في اراضيها.
وبعد نجاح ما سمي "الثورة البرتقالية" في اوكرانيا سنة 2005 جاءت الى السلطة الاحزاب الفاشية و"الدمقراطية" الموالية للغرب والمعادية لروسيا. وبعد ان نهبت هذه الاحزاب العميلة القطاع الاشتراكي والتعاوني في اوكرانيا، بدأت ايضا تسرق الغاز الروسي المار الى اوروبا، وتدعي ان روسيا تتلاعب بالارقام ولا ترسل كميات الغاز المتفق عليها مع البلدان الاوروبية. وكان ذلك سببا جوهريا لنشوب ازمة الغاز بين روسيا واوكرانيا سنتي 2008 و 2009، التي اوشكت ان تتحول الى صدام عسكري بين الشعبين الشقيقين. فلوضع حد نهائي لهذه الاشكالية قررت القيادة الروسية بزعامة فلاديمير بوتين ان "تستغني" عن "الوجود الجغرافي" لاوكرانيا كجسر بين روسيا واوروبا، وان تنشئ خطوط انابيب للغاز تلتف حول اوكرانيا دون ان تمر فيها. فكان مشروع انبوب "السيل الشمالي" الذي عبر الاراضي الروسية عبر بحر البلطيق الى شمال المانيا، ومنها الى الدول الاوروبية الاخرى. وقد بدأ "السيل الشمالي" بالعمل منذ اكثر من سنتين. ويجري الان العمل لمد خط انابيب ثان سمي "السيل الشمالي ـ 2"، بالاتفاق بين روسيا والمانيا، وبالرغم من المعارضة الشديدة من قبل اميركا.
وفي سنة 2008 جاء الرئيس بوتين في زيارة رسمية الى بلغاريا. وكان رئيس الجمهورية البلغارية حينذاك غيورغي بارفانوف الذي كان قبلا رئيسا للحزب الاشتراكي البلغاري (الشيوعي سابقا). ووقع الرئيسان بوتين وبارفانوف اتفاقا اوليا لتنفبذ عدد من المشاريع الاقتصادية الضخمة التي كان من شأنها ان تنهض من جديد بالاقتصاد البلغاري المتعثر في عهد "الدمقراطية" الغربية المزيفة. وأحد هذه المشاريع كان مشروع مد خط انبوب غاز قاري يمتد من الاراضي الروسية عبر البحر الاسود الى بلغاريا، ومنها يتم توزيع الغاز الى بلدان شرق وجنوب شرق اوروبا وصولا الى جنوب ايطاليا، وتحصل بلغاريا حينذاك على غاز روسي رخيص استثنائيا وعلى رسوم ترانزيت لعبور الغاز في اراضيها الى الدول الاخرى. وسمي هذا المشروع حينذاك "السيل الجنوبي". وكانت روسيا هي التي ستتولى التمويل والتنفيذ، وتحصل بلغاريا على حصة في شركة مشتركة لتشغيل المشروع، على ان تسدد هذه الحصة لاحقا من نسبة ارباحها من الشركة المشتركة. ولكن بلغاريا كانت حينذاك قد تقدمت بطلب الانضمام الى الاتحاد الاوروبي ولم تكن تريد التصديق النهائي على مشروع "السيل الجنوبي" قبل اخذ موافقة بروكسل (الاتحاد الاوروبي). وحينما انجز الجانب الروسي وضع التصاميم العملانية لتنفيذ المشروع وطلب الحصول على الموافقة الخطية من قبل بلغاريا على التصاميم للشروع في العمل، ماطلت بلغاريا في التصديق على التصاميم، قبل الحصول على موافقة بروكسل. ولكن بروكسل لم تعط موافقتها، وذلك تحت الضغوط من قبل اميركا التي تعارض اي شكل من اشكال توزيع الغاز الروسي في اوروبا. وانتظرت روسيا الموافقة البلغارية مدة ست سنوات كاملة. ولكن بلغاريا لم تعط موافقتها ارضاء لبروكسل ومن فوقها واشنطن.
واخيرا، بعد ان عيل صبر روسيا، قام الرئيس بوتين سنة 2014 بزيارة انقرة، واجتمع مع رئيس الوزراء التركي (حينذاك) رجب طيب اردوغان، واقترح عليه نقل مشروع "السيل الجنوبي" من بلغاريا الى تركيا، فتلقف اردوغان الاقتراح ووافق على المشروع على الفور، ولكنه اقترح ان يتم تغيير اسم المشروع ليصبح "السيل التركي" بدلا من "السيل الجنوبي"، فوافق بوتين على ذلك، وطلب بدوره من الجانب التركي ان تكون محطة الترمينال (التي يتم منها التوزيع الى البلدان الاخرى) في اليونان. وفي ذلك لا تخسر تركيا شيئا لانها ستحصل على رسوم الترانزيت عن كل كمية الغاز المار في اراضيها. وارادت القيادة الروسية من ذلك ان تتم عملية "ربط مصالح" بين تركيا واليونان، نظرا للخلافات التاريخية، الحضارية والقومية والسياسية بين تركيا واليونان، خصوصا فيما يخص قبرص والعديد من الجزر غير المأهولة في بحر ايجه ومدينة ازمير التركية (سميرنا اليونانية تاريخيا) واسطنبول (القسطنطينية اليونانية تاريخيا) وروسيا لا تريد ان تستشري هذه الخلافات، اقله في المرحلة الراهنة.
وفي الايام القليلة الماضية نشرت وسائل الاعلام الروسية ان شركة "غازبروم" الروسية العملاقة التي تقوم بتنفيذ مشروع "السيل التركي" اعلنت ان القسم البحري من المشروع اصبح ناجزا بنسبة 95%. وجاء في بيان الشركة "حتى اليوم تم تمديد خط مزدوج من الانابيب لمسافة طولها 1775 كلم". واضاف "لقد أنجزت الاعمال ضمن الساحل الروسي في منطقة مدينة أنابا، ويجري العمل في تجهيزات الضخ التي سيتم انجازها في نهاية العام الجاري 2018. وفي الجانب التركي يتواصل العمل لانشاء محطة ترمينال الاستقبال قرب قرية كيوكه". وفي القطاع البحري يبلغ العمق الاقصى لخط الانابيب المزدوج 2200 متر. وصرح نائب مدير شركة "غازبروم" الكسندر ميدفيدييف للصحفيين بالقول انه في الاشهر القليلة القادمة سيتم انجاز العمل في القسم الاعمق من القطاع البحري. وسيتم انجاز العمل في القسم الساحلي على الجانب التركي في السنة القادمة.
ويمتد خط الانابيب المزدوج من منطقة مدينة انابا في اقليم كراسنودارسك في روسيا الى اعماق البحر الاسود وصولا الى القسم الاوروبي من الاراضي التركية.
ويبلغ طول خط الانابيب 1100 كلم (منها 937 كلم للقسم البحري). وهو سيتألف من خط مزدوج، الاول مخصص للغاز الذي سيؤمن حاجات المستهلكين الاتراك، والثاني لتأمين طلبيات البلدان الاخرى في جنوب وجنوب شرق اوروبا، ويمر ترانزيت في تركيا.
ومن المرجح ان يبدأ العمل بهذا الخط المزدوج في الاول من كانون الثاني 2020، كما صرح وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك. وتبلغ الطاقة الاستيعابية لكلا الانبوبين 31،5 مليار متر مكعب من الغاز المسال سنويا.
هذا وقد اجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف محادثات مع نظيره الايطالي اينتسو موافيرو ـ ميلانيزي. وتناولت المحادثات موضوع خط الانابيب "السيل الشمالي ـ 2" الذي سيصل الى المانيا، وكذلك خط "السيل التركي". واكد لافروف ان هذه المشاريع تضمن الامن الطاقوي لاوروبا. وفي هذا الصدد صرح الرئيس بوتين خلال لقائه الاخير مع رئيس الوزراء الايطالي جوزيبيه بونتي انه يمكن ضم ايطاليا الى خط "السيل التركي".
ويذكر ان رئيس شركة "غازبروم" الكسي ميلر صرح ان الغاز المسال الاميركي لا يمكنه ابدا مزاحمة الغاز الروسي لا بالاسعار ولا بضمانات التسليم في الاوقات المحددة.
ويقول بعض الخبراء انه وبالرغم من المعارضة الشديدة لاميركا، فإن الجغرافيا اخيرا ستنتصر ولن تمضي بضع سنوات الا وتكون شبكة انابيب الغاز الروسي تلف اوروبا كلها. وسيكون لذلك تأثيره الحاسم على الاقتصاد العالمي وعلى السياسة الدولية برمتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر