الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- لم ( أرى ) في حياتي حقيبة أموال تحرز أهدافا -

بشير صقر

2018 / 11 / 1
عالم الرياضة


تمهيد :

يمثل الهولندي يوهان كرويف ( 2016 - 1947 ) أحد أبرز لاعبي كرة القدم في عصره ( ستينات وسبعينات القرن العشرين) فقد حصل على جائزة أحسن لاعب في العالم ثلاث مرات متتالية كما حصل ناديه ( أياكس أمستردام ) علي بطولة أوربا أيضا ثلاث مرات. وأوصل منتخب بلاده في عامي 1974 ، 1978 إلى المباراة النهائية مرتين في مونديال كأس العالم بألمانيا والأرجنتين وأمام منتخبي البلدين وكان على وشك إحراز المركز الأول ويرجع الفضل الأول في ذلك لأبيه الروحي ومدربه رينوس ميتشيلز ( 1928- 2005).

إلا أن ذلك لم يكن أبرز إنجازاتهما فقد ابتدع ميتشلز نهجا جديدا في لعبة كرة القدم هو الكرة الشاملة (Total Football) كان بمثابة ثورة على الطرق التقليدية في ممارسة كرة القدم وبدأ بها في نادى أياكس أمستردام بهولندا واجتاح بها أوربا وكان كرويف أحد أبرز وأنجب من ساهم في تطبيقها في الملعب.

هذا وقد انتقل كرويف لاعبا ثم مدربا لنادى برشلونة بأسبانيا ليشرع في تأسيس مدرسة الكرة الشاملة هناك وهو ما سبقه إليه أستاذه ميتشلز الذى سعي من خلال تدريبه لعديد من الفرق الأوربية لنشر نهجه الجديد في لعبة لكرة القدم ، لكن على ما يبدو أن ريادة ميتشلز في نشرها واجهت صعوبات التجربة الأولي وهو ما لم يُعانه كرويف في مشواره الذى بدأه لاعبا مرموقا غيّر في معالم نادي برشلونة الكروية أولا وحرث الأرض ومهدها ثم تلاه بالتدريب الذى وضع بذور الكرة الشاملة وأسس لها انطلاقا من نادي برشلونة.

" لم أرى في حياتي حقيبة أموال .. تحرز أهدافا :

قالها يوهان كرويف- أحد عباقرة كرة القدم العالمية فكرا وممارسة- ردا على كبار الرأسماليين الذى يسيطرون على سوق كرة القدم العالمية والذين حولوها إلى احتكارات تسيطر عليها كبريات الأندية وتوجهها شركاتهم العاملة في مجال الأدوات والملابس الرياضية والإعلام الرياضي؛ ومن خلال تغلغلهم في المؤسسات التي تدير اللعبة على المستوى الدولي والقاري والمحلي كـ (الفيفا) والـ (يويفا) وأحكموا قبضتهم عليها وسيروها في طريق جني الأرباح الطائلة.

وكرة القدم كأي رياضة أخرى هي لعبة تحكمها مجموعة من قواعد القانون والأخلاق وتشكل ممارستها فنا جميلا يشبع من يشاهدونها ومن يلعبونها - في آن واحد - في إطار من التنافس الذى يضرب المثل في الأمانة والشرف والعدل وعدم التمييز. لكنها – أي كرة القدم- كلعبة جماعية تتميز عن رياضات أخرى فردية - كالتنس والسباحة والعدْوْ- بألوان متعددة من الفن يزيدها رونقا وجمالا الجماعية التي تمارَسُ بها .وهى في جانب منها مجتمع مصغر لكل فرد فيه وظيفة ودور ويتنافس – على أرض الملعب- بشرف مع مجتمع آخر بحيث يسفر ذلك التنافس والصراع عن حالة من الحماس والحمية والتشويق والتفاعل تزيح عن المشاهدين متاعب يوم عمل شاق وتنتزع منهم صرخات التشجيع وآهات الإعجاب. ومن هنا اكتسبت شعبية واسعة في كثير من المجتمعات.

هذا وكان تحوّل كرة القدم – على أيدى كبار الرأسماليين- إلى صناعة - خلال الستين سنة الأخيرة - قد بدأ يطغى على كونها فنا رياضيا خالصا يمتع من يمارسونه ويشاهدونه.
وساعد على ذلك كون ذلك الفن يستقطب مئات الملايين من المشجعين والمشاهدين في الملاعب وأمام شاشات التليفزيون والكمبيوتر.. وهو ما جذب أنظار هؤلاء الرأسماليين لاستثمار أموالهم فيها.
• فمن زاوية كلما زادت هموم المواطنين الفقراء الذين يشكلون الجزء الأعظم من جماهير الكرة في الملاعب والمقاهي ولا يجدون سبيلا لتحسين أوضاعهم المعيشية ومن ثم يجدون في مباريات الكرة مهربا من تلك الهموم لبعض الوقت؛ وفي أحيان أخرى انتماء للنوادي والفرق المتنافسة يعوضهم عن الغربة وإهدار الكرامة التي يعيشونها في مجتمعاتهم .

• ومن زاوية ثانية كلما احتاج حكام تلك المجتمعات والقوي المسيطرة فيها لإلهاء الجماهير الفقيرة عن همومها بغرض إبعادها عن الاحتجاج على أوضاعها المتردية أو عن الانخراط في الأنشطة السياسية .


• ومن زاوية ثالثة لاستمرار حصول المسيطرين على تلك الصناعة على طوفان الأرباح الواردة من تذاكر المباريات وأجور البث التليفزيوني ومكاسب المراهنات وشركات تصنيع وتجارة الأدوات الرياضية وعوائد الإعلانات والإعلام الرياضي وغيرها.

• وفى حالات أخري لإذكاء النعرات القومية والعصبوية والشعبوية لتمزيق المجتمع وتحويله إلى أشلاء متصارعة ومتنازعة تحقيقا لمصالح بعض المتنفذين والحكام في المجتمع؛ لأن المجتمع الموحد تصعب قيادته وتوجيهه ضد مصالحه مقارنا بمجتمع ممزق متناحر.


مقولة كرويف وأزمة الكرة العالمية :

ولأن عبارة كرويف التي عنونا بها هذا المقال - " لم ( أرى ) في حياتي حقيبة أموال تحرز أهدافا " - كانت تضرب صناعة الكرة الحديثة في الصميم.

أو بمعنى أدق كانت تنحاز لـ " كرة القدم باعتبارها فنا بشريا " لابد أن تنبع قواعده ومعاييره منه وليس من خارجه، وتعترض على المعايير الحديثة لـ " صناعة الكرة " التي تعتمد على أدوات القياس الرقمية وتهمل فنون الكرة أو بمعنى آخر تضعها في المقام الثاني، لذا علق على ذلك قائلا : " أشعر بفظاعة الأمر عندما يتم رفض المواهب بناء على إحصائيات الكومبيوتر. لقد كان واردا أن يتم رفضي بناء على المعيار الذي يطبقه نادى أياكس الآن".

من ناحية أخرى ولأن كرويف تتلمذ على يد مواطنه وأستاذه رينوس ميتشيلز وتشرب كثيرا من طرق تفكيره فقد كان يستنبط أفكاره الكروية من المباريات ولا يستقيها من المدارس التقليدية للكرة التي كانت سائدة في أوربا بعد منتصف القرن الماضي ويلعبها العالم كله.. ولا من مراكز البحوث الرياضية الملحقة بمؤسسات ومعاهد الرياضة التعليمية والتدريبية ويشرف عليها مقربون ومستفيدون من رجال ( صناعة كرة القدم) الرأسماليين.

كان ميتشلز وكرويف -الأستاذ والتلميذ النجيب- يريان فريق الكرة كما يريان المجتمع الهولندي ( أفرادا محددين بإمكانيات محددة يجب توظيفهم بطريقة محددة تطلق كل طاقاتهم وتفجر جميع مواهبهم ليصلوا إلى أهدافهم التي هي هدف المجتمع كله) وبتعبيرات مشابهة (لاعبين محددين بإمكانيات محددة يجب توظيفهم بطريقة محددة تطلق كل طاقاتهم وتفجر جميع مواهبهم ليصلوا إلى أهدافهم التي هي هدف الفريق كله) أما الخضوع للأساليب التقليدية في التفكير والعمل فلا جدوى منها.

ومن هنا قام ميتشيلز- وتبعه كرويف - بابتداع الكرة الهولندية الحديثة أو الكرة الشاملة (Total Football) أو ( الطاحونة الهولندية) التي لا تتقيد بالمراكز ولا تخضع للوظائف المنوطة بكل لاعب ولا بالطريقة الانزراعية الثابتة.. الرائجة في بقية ملاعب العالم. وذلك ما نشرها في هولندا و منها لبقية دول العالم .. وهكذا أحدث رينوس ميتشيلز وكرويف ثورة في كرة القدم أو بمعني أدق ثورة في فنون كرة القدم تحتج على الكرة التقليدية الانزراعية وتعترض على الكرة الحديثة التي خلقتها الأجهزة الرقمية والمسماة بصناعة كرة القدم .

يقول كرويف : " لعب كرة القدم أمر في غاية السهولة، لكن لعب الكرة البسيطة أصعب ما في الأمر" وهو ما يعنى أن صعوبتها في بساطتها ؛ وبساطتها تتمثل في جماعيتها وديناميكيتها وتحرك الفريق كتلة واحدة دفاعا أو هجوما وإطلاق طاقات اللاعبين وتفجير مواهبهم وهو ما يبرز الفنون الكروية بأجلي معانيها.

وحقيبة الأموال التي لا تستطيع إحراز الأهداف تتمثل في شراء النوادي الأغنى للاعبين الأبرز من النوادي الأفقر وتجميعهم فيها. وهو ما يقلص تكافؤ الفرص بين النوادي عامة وبين الدول ويحرم المجتمعات الأفقر من لاعبيها الموهوبين ويضع عقبات كبيرة أمام تطور اللعبة وتطور فنونها التي هي الهدف الأسمى للرياضة ويقصر المتعة والمشاهدة المباشرة على أعداد أقل من الجمهور.

وما علينا إلا أن نتذكر ما تقترفه عدد من كبريات الدول الرأسمالية من تجريف المجتمعات الفقيرة من علمائها وفنانيها ومواهبها المتنوعة في مختلف مجالات الإبداع البشرى ليتحول العالم إلى أقلية محتكرة وأغلبية محتاجة أو إلى فاترينة للعرض ومشاهدين لها.. لا أكثر، ومن خلف ذلك كله تنساب الأرباح إلى جيوب الرأسماليين المهيمنين في الدول التي تجرف العالم من مبدعيه وتحرم الشعوب من خيرة أبنائها في مختلف جوانب الإبداع (الفني والأدبي والرياضي والعلمي).

أيهما أجدى شراء اللاعبين أم تربيتهم ..؟

سعت بعض الأندية الغنية في كثير من الأوقات – في أوربا وإفريقيا- لجلب كثير من اللاعبين المميزين- وشكلت منهم فريق الأحلام - ولأنها لا ترى فيهم أكثر من مصدر للربح خاب رجاؤها ولم تتمكن من تحقيق البطولات المرجوة.

بل وهناك أندية مرموقة اتبعت الطريقين؛ فقامت بتأسيس مدارس لتربية وتعليم وتدريب وتطوير الموهوبين من الناشئين لفترة من الزمن، وفى فترة أخرى أهملت ذلك واعتمدت علي شراء اللاعبين المرموقين الجاهزين فماذا كانت النتيجة..؟

لقد أفرزت مدارس بعض الأندية لاعبين متميزين شاركوا في تحقيق البطولات والانتصارات لأنديتهم ولم يخلقوا المشاكل التي تواكب العديد من أقرانهم الذين يجري شراؤهم، ولم يتكلفوا طيلة مدة إعدادهم ربع ما يتكلفه اللاعبون الذي يتم شراؤهم ، بل ويتحلون بانتماء أشد وإخلاص أوفر منهم.
وتمثل تجارب مدارس الكرة بكثير من الأندية نموذجا واضحا على نجاحها مقارنة بعملية شراء اللاعبين الجاهزين.

لكن وللحقيقة فإن تلك التجارب الناجحة لن تصمد أمام طوفان "صناعة كرة القدم " بكل فروعها ومجالاتها لسبب بسيط هو أن تجارة اللاعبين قد خلقت سوقا واسعة ومصالح متداخلة تشكل فيها الوساطة عمودها الفقري في كل بلاد العالم، وتتصل مباشرة بكثير من إدارات الأندية الرياضية الكبرى التي لا يحظى بعضويتها سوي أشباههم من كبار الماليين والأثرياء والمستثمرين. وتشكل هذه السوق وإدارات كثير من الأندية خصوصا المتنفذة شبكة مصالح وثيقة الصلة بالفروع الأخري لصناعة كرة القدم ( شركات الملابس والأدوات الرياضية ، مكاتب المراهنات، مؤسسات الطب الرياضي، الاتحادات الرياضية الدولية والقارية والمحلية). وعادة ما تتحكم تلك الشبكة من المصالح في توجيه المسابقات وتحديد الدول المنظمة لها علاوة علي اختيارات أبرز اللاعبين بل وتمتد حتي إلي تحكيم المباريات ويدعمها في ذلك أخطبوط الإعلام الرياضي الذى يهيمن على توجيه الرأي العام الكروي في معظم قارات العالم.. ولا يمكن لكل تلك المصالح المتشعبة في المجال الكروي والتي يحكمها ويتحكم فيها بالأساس معيار الربح .. لا يمكن لها أن تكون مبتوتة الصلة بالفساد والذى تفجرت باكورته في مايو 2016 وأطاحت برءوس أبرز المؤسسات الكروية في العالم( فيفا ، و يويفا)،. مع ملاحظة أن تلك المؤسستين هما قمة جبل الجليد الظاهرة لنا بينما جزؤه الأكبر يختفى تحت السطح ويتمثل في ممثلي شبكة المصالح المتغلغلة في المجال الكروي العالمي.

ولا يمكن إزاء رغبتنا وسعينا في أن تستعيد كرة القدم فنونها المعروفة أن نستحضر يوهان كرويف ورينوس ميتشلز ليتبوآ مقاليد كرة القدم العالمية لأن آلية صناعة كرة القدم الراهنة طاغية وكاسحة بل إن الأدعى بجانب استلهام أفكارهما التقنية في الملاعب والمؤسسات التعليمية والرياضية.. هو الشروع في مواجهة تلك الصناعة الحديثة التي ستحيل كرة القدم إلى شئ أقرب للبلاي ستيشن .. الذى هو أكثر إدرارا للربح من تألق اللاعبين في الملاعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في 70 ثانية رياضة.. فريق ليفربول الإنكليزي يودع ربع نهائي ال


.. حالة غش في ماراثون بكين تلتقطها الكاميرات




.. تحدي الأبطال | حماس لا ينتهي مع بكي ووليد في Fall Guys و Hel


.. دوري أبطال أوروبا.. أربعة متأهلين من بينهم ريال مدريد وباريس




.. نجم ريال مدريد يحتفل بعد الإطاحة بالسيتى مرددا: الله أكبر