الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات من ايام النضال الحلقة السادسة عشر البراءة وبرد العمارة وسوط الجلاد ووالدة شجاعة

سعدي جبار مكلف

2018 / 11 / 1
الادب والفن


البراءة وبرد العمارة و سوط الجلاد و والدة شجاعة
الحلقة السادسة عشر
العصافير تموت عندما تكثر فوهات البنادق ، سلام على امهات انجبت بطونهن ابطالاً
جميع مواسمي خريفاً تساقطت اوراقي من زمن بعيد ، كانت تحمل جواز سفر دائم نحو الحزن و الألم ، مو اسمها تتغير عندي بتغيير الوان القوس قزح الذي يبدو امامي اسود حالك ، لا يغفر لسطوته اي عمل، لم اكن اعلم ان الحب ينمو وسط الاحزان و انك ايتها الحبيبة ما زلت تحرسين شقائق النعمان ، و تسقين زهور الياسمين بقطرات الماء من كفيك الكريمتين ، ماذا اقول لك لقد اصبحت بيني و بين دفئ مدينتي عشرات من الالحان الرخيصة التافهة يترنم بها اشباه المناضلين المتسكعين في دروب بلدان الهجره ،هنا في سيدني وهناك في السويد
و في كل العالم ابطال الانترنت و الفيسبوك كل الكلمات اصبحت زائفة ضائعة كضياع اعمارنا في دروب الفشل المستمرفي
دروب الظلالة والزيف ، كل شيء تغير بصخب حتى الكلام اصبح لا طعم له و ضاعت الالوان بين ساعة سورين التي افتقدها سوق حنا الشيخ ومدينة الستي التي تغني اغنية التايتنك انها يا ام كريم الحبيبة الوفية مأساتي التي انتشرت على مساحة المعقول و للا معقول ريما انني قديم اتذكر مقاطع من قصة الام لمكسيم غوركي او فلم ام الهند الذي اضاف دموعاً لدموعنا.
لقد احببت عشقي القاتل الذي يشبه عشق الامواج الي الصخور فنحن في زمن يكون للسماء الف لون و قد يكون مع البحر حسب المزاج و الطلب لقد نفذ عمري قبل أوانه و كأن ايامي القادمه اتت قبل الاوان ، و انا اقرأ الكتاب من الفهرست الى المقدمة ،عشت في زمن الفراشات التي تحوم حول النار و لا تفكر في مصيرها القادم، كنت نورساً جنوبياً حالماً منذ الطفولة اقف على شواطئ شط العرب اودع وربما استقبل البحاره واغني معهم بلغة لا افهمها حتى انا و لا اعرف ما سبب فرحهم و سعادتهم ولربما لحزنهم ايضا كانت جراحاتي في ذروتها و الآمي سببها الطاعون بحجة تراتيل في قاموس الحياة ، كنت سيف لجروحي وقلماً لمأساتي ولوعتي و مأساه الاخرين معي لقد نقشت هذه الجروح الابدية ،كنت من اتباع آدم اورث التوبة واحب الشجرة فهل تستطيع مواسم الغربة والصمت ان تنسيني ميراثي او ربما ميراث ابي الذي ارتدى ملابس طقوس نور الوجود و الحياة وتعمد بالماء الجاري ، ما بين الامس و اليوم وغدا لحظات لا تستحق الانتباه و التسجيل و الكتابة لا يوجد بينهما اي فرق او بعد كالمسافة بين الغدر و الخيانة و الوفاء تمر و كأنها ريحاً قاتلة للبشرية و الامل و شريان الحياة هكذا كنت اقرا بوجهها الامل و البشر و العطاء كانت شاطئ الامان بالنسبة لي ، والدة ليست من امهات هذا الزمن او ذاك ليست في زمان عصرها و زمانها ، ارتدت الشجاعة وشاحأ ابدياً تعمدت فيه عندما لامست الماء الجاري وهي تحمل اغصان الاس مع حلقات ورود الياسمين وارتدت مع وشاحها الابيض النوراني وشاح الحنان و المحبة السرمدي ، ترفع راية الصبر و الامل و العز و الفخر الدائم المرسوم بمحياها ابداً وكأنها شجرة مقدسة و شموع لا تنطفئ ابدا ،غريبة في كل شيء ابتسامتها ، أمل مشرقا لجميع العالم وسلاحاً ابدياً لخلود دائم لكل ثوار العالم اينما وجد او رصاصاً حياً لبنادقهم الشريفة، التي تعزف الحان المستقبل و السعادة تتكلم عن جيفارا وتحكي قصة احمد خالد زكي وتنشد اشعار النواب تحكي قصص ثوار بوليفيا ،لغة وفهم عجيب استطاعت ان تثبت ذاتها و وكيانها من خلال تحليلها وتمسكها بالمبادئ و القيم التقدمية الانسانية و تبتعد عن التخاذل و الخضوع مهما كانت الظروف تظهر وتتجلى شجاعتها في تصرفاتها وسلوكها و طريق تعاملها مع الاخرين مهما كان الزمان و المكان فقط استحقت لقب ام الشهيد الحقيقي وبأمتياز عاشت ابية مرفوعة الراية و ماتت وهي جبلاً عالياً لا تهزها الرياح انها بركان الوفاء للمبادئ و القيم ، كنت ازورها في مسكنهه بالمنصور كل اسبوع واقضي معها معظم الزمن استمع لها واسألها و تحاورني بشتى المواضيع تعرض على بعض الرسومات البسيطة التي ترسمها و بجانبها راديو لسماع الاخبار الى ان رحلت الى دنيا الانوار سلاماً عليك يا ام كريم الغالية المحبة الوفية صاحبة الحنان ،فقد تركتي بصمة من الوفاء على قلوبنا ففيك الاباء و الحلم و الشجاعة والصبر و والجرأه و الحكمة و القدرة على كل شيء رحمك الله و وتبقين خالدة في قلوبنا فقد غرستي في اعماقنا بذرة الخير السرمدية .
وصلت من سجن الرمادي الى سجن العمارة و انا متعب جدا لا استطيع الحركة وقد ساعدني عدد من النزلاء و الاصدقاء وهم عبد شنين و الشاعر ابو سرحان صديق العمر و ابن محلتي و صديق الطفولة ناظم زنكنه حيث كان معي في مدرسة المربد الابتدائية كانت والدتي تتوقع نهايتي الحتمية لذلك بقيت في العمارة عند اقاربنا واهلنا و عند اول مواجهة لي في هذا السجن جائت معها الوالدة الحبيب البطلة والدة الشهيد الخالد كريم خلف داخل كانت الوالدة ام كريم جوهرة الزمن في كل شيء لم اشاهد في حياتي امرأة مثيلة لها ، وطنية اممية حتى النخاع رغم كبرها و وحزنها الصامت علي ولدها الشهيد متكلمة تعرف ماذا تقول و متى تتكلم موسوعة و قاموس في العطاء و التضحية و الصدق و الايمان ذكية بشكل يجلب الانتباه تتكلم عن الامس و كأنه غداً، مصدر مهم جدا في معرفة اسماء الاجداد وقد دون اسمها في كتاب انساب العشيرة الخميسية المصدر الرئيسي موسوعة متكاملة في اسماء و تسلسل الاجداد العظماء، تكلمك كما تريد انت و تجيبك بقناعة تامة مرضية مقنعة ، استمرت في المواصلة و المواجهة معى منذ الوصول الى سجن العمارة حتى مغادرتي السجن كانت كريمة النفس جميع الاهل و الاقارب الذين يأتون للزياره يذهبون الى بيتها حيث كان ولدها الحبيب ابو اكرم (عبد الله الداخل) مدرس في العمارة كان ابو اكرم الوفي يرسل لي مع الوالدة مجموعات من الكتب الادبية و مجاميع تعلم اللغة الانجليزية كانت دائما برفقة الاخت الحبيبة سلامه التي لا انساها مطلقاً ، فقد كانت جزءا منى ، لقد تمكنت الحبيبة الوفية ام عبد الله من ايصال جهاز راديو صغير لي بواسطة جيرانهم المضمد الصحي الخاص بالسجن مجيد واستمر تزويدي بالبطاريات التي ازودها للتنظيم عن طريق الاخ ابو سرحان لأني كنت مبتعد عن تنظيم السجن كانت رحمها الله الوالدة الحنونة لجميع السجناء تتحاور متكلمة مناقشة في كافه الامور و خاصة السياسية متفهمة متعلمة مثقفة بكل معنى الكلمة كان شهيد محمد جواد البطاط( ابو زيتون) يسألها ويناقشها ويستمتع بما تقوله يجلس معها على فراشي عند اغلب الزيارات لم تتخلف ام عبد الله عن زيارتي في المواجهات ابدا اذكر مقولة الرفيق ابو زيتون لها (انك يا ام كريم ام جميع شهداء وليس واحد فقط) اجابته بأبتسامة لا انساها ابدا لا يوجد شهداء انهم احياء معكم في حمل راية النضال من اجل حياة العالم السعيد الرغيد والمستقبل الافضل ، في يوم بارد ممطر يجتاح العمارة لأول مرة يمر بها
وبالضبط 62 /4/1968 كان آخر يوم في السجن حيث سوف اغادر غداً و لكن الاخ ابو رعد (زكي طرفي ) اخبرني انني سأغادر السجن بعد ساعة واحدة لان غدا عطلة رسمية و كما اعتقد عطلة المولد النبوي كيف اتصرف و كيف اخبر اهلي و ان والدتي ستصل الى العمارة غدا صباحا و هنا خطرت لي فكرة
انقذتني ،اخبرت مجيد حيث ذهب واخبر الخالة ام كريم بانني سوف غادر السجن و وتصرفت الحبيبة الغالية بأيصال الخبر الي اهلي هذه هي الوالدة و الخالة و العمة و الرفيقة و الام الحقيقية الوفية الكريمة و دار الزمن و اخذتنا السنين العاتيات بأمواجها و عواصفها وغادرت مدينتي وحبيبتي البصرة مدينة الرحمة و الوفاء و الاخوة و أنتقلت الى بغداد وكانت الوالدة ام كريم تسكن المنصوره واخذت ازورها كل اسبوع وأجلس قربها و استمع الى احاديثها و ما تحفظه من حكايات وأشعار و تردد اسماء الاجداد حتى ان كثير من الاخوان اعلمتهم عن اسماء الانساب والاجداد وبشكل صحيح لترك الانسان و الاسماء و السجن كانت تقرأ و ترسم و تشرح وتكتب نعم انها والدة الخير تحضنك بالحنان و تصغر المسافة بينك وبينها منذ لحظة اللقاء بينكما ، تأخذك هيبتها الى عالم غريب بعيد ينعدم فيه كل العالم الطيني المنشأ و أكاد اجزم انها الوحيدة التي مزقت زمانها و مكانها و عاشت مع نفسها و شعبها وآمنت بلحن الحرية خبز للجياع تقرأ في تجاعيد وجهها المتعب المنهمك صفحات كثيرة من تاريخ مسيرة نضال الكادحين ، انك تحدق في وجه عاشقاً يبكي فراق حبيبته، بصمت الكبرياء تسيل دموعها بدون سيل او نهران دموعها لأنها ودعت اعواد المشانق اجمل الثمار النفيسة الغالية فقد سرقت المشانق كبيرها الغالي الحبيب ، انها بركان ثائر مملوء بالاحاسيس الفياضة المتدفقة المشاعر تبكي بصمت و تضحك بصمت و تثور بصمت لقد ودعتها و هي راقدة مبتسمة في القبر بدموعاً ذرفتها علي جوهرة في زمان الغدر ، سلام عليك يا والدة ، سلام عليك يا ام كريم ، سلام على الامهات التي انجبن الابطال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار