الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وإن لكم في التاريخ لعبرة

الشهيد كسيلة

2018 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


إذا أردت أن تلغي شعبا ما تبدأ بشل ذاكرته التاريخية. ثم تلغي ثقافته وتاريخه، وتجعله يتبنى ثقافة أخرى غير ثقافته، وتخترع له تاريخا آخر غير تاريخه وتجعله يتبناه ويردده... عندئذ ينسى هذا الشعب من هو؟ وماذا كان؟ وبالتالي ينساه العالم... "هوبل"
كلما قرأت هذه العبارات أتساءل هل يعيش السيد هوبل بيننا في مجتمعنا هنا بالجزائر وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عموما ، عباراته هذه مطابقة تماما لما حدث ويحدث في الجزائر منذ أكثر من خمسين سنة ، فقد ألغي شعبنا لأنه أصبح يتنكّر لذاته ويدّعي هوية غير هويته وشُلّت ذاكرته التاريخية وأصبح لا يعرف شيئا عن ماضيه البعيد ويعرف كل شيء عن عنترة وبلقيس ويفخر بهما ويتأفّف من تيهيا التي قال فيها ابن خلدون : " تيهيا، فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان كانت تركب حصانا و تسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح ... " ويكتب على واجهات دكاكينه أسماء بلقيس وزنوبيا ، ويقرأ أشعار الجاهلية ولا يعرف شيئا عن أفولاي المادوري ويمجّد قاتل مالك بن نويرة ليغتصب زوجته ودمه لم يبرد ويجهل تماما قائد الجيش الموري لوسيوس كوييتوس (Lusius Quietus) ويعرف سيبويه ولا يعرف اكبر نحاة عصره فرونطون السيرتي(Fronton de Cirta) واكثر من هذا يتنكر للغته التاريخية ويأنف أن يتعلمها ابنه .
نعم لقد تم اختراع تاريخ آخر وفرضت لغة بديلة على شعبنا فتبنى ما فرض عليه جيلا بعد جيل ونسي تماما من يكون بل إن بعض الحمقى ربط هويته الحقيقية وتاريخه الحقيقي بالاستعمار لذلك تراه يبحث عن انتماء مصطنع كالطفل الصغير الذي يبحث عمّن يأخذ بيده .
حقا لقد تحرر من مستعمره الحديث (فرنسا) ولكنه عاد إلى مستعمره القديم واستخرجه من ركام القرون العثمانية المظلمة ونفخ الروح في مقابر الغزاة الأمويين ونصب تمثالا للسفاح عقبة وأقام له ضريحا ومركزا ثقافيا ليحتفي به سنويا في ملتقى يستضيف فيه الزائفين المزيفين شهود الزور من مؤرخي التكايا والزوايا المظلمة ...
إن المؤامرة التي تمدّدت تحت رعاية الانقلابات العسكرية كانت محبوكة بإحكام تمّ التنظير لها في عواصم البعث المأفون ليستقبل البلد جيوشا جرارة على غرار الشراذم الأموية ولكنها هذه المرة تستهدف المدرسة لأنها الأداة التي يمكن أن تحقق مقولة هوبل أنها أفواج من معلمي مختلف الأطوار 50 ألف معلم من مختلف الرتب توزَّع على مدارس البلاد يضاف إليها 20 قناة تلفزيونية و50 إذاعة و50 صحيفة و10ات الالاف من المساجد كلها تتكلم وتبث باللغة العربية الفصحى حتى أن المتكلم في الاذاعة والتلفزيون يعتذر لانه تلفّظ بكلمة عامّية - على خلاف ما يحدث في كل الدول التي تتحدث دائما في اذاعاتها وتلفزيوناتها بالعامية - وأشيع يومها بأن الشعب الجزائري "العربي" تمّت فرنسته ولا بد من "مساعدته" لاسترجاع "لغته العربية" ,,,, وما هذه إلا بروباغاندا بعثية لأن المخطّط له هو سحق ومحق اللغة التاريخية للجزائر وهي اللغة الأمازيغية " البربرية " التي حاربها الاستعمار الفرنسي وأبقاها في حالتها الشفوية ، وكان الفزع قد استبدّ بالقوميين أيام ثورة تحرير الجزائر وكانوا يحذّرون في لقاءاتهم السرية من احتمال استفاقة "البربر" وعملهم لاسترجاع كيانهم خاصة وأن كوادر حرب التحرير وجندها هم من المحافظين على اللسان "البربري" وكانوا يخططون للشكل الذي ينبغي أن يكون عليه النظام - وكان الهواري بوخروبة هو مرشح البعث على أن يكون بن بلّة هو الرئيس حتى تهدأ الأوضاع - فتبرع الأزهر بمدرّسين لاقامة معهدين للتعليم الأزهري في أكبر منطقتين محتفظتين باللغة التاريخية للبلد في باتنة وبني دوالة لتعريبها في ضربة استباقية ، ثم تكفّل البعثي مولود قاسم خلال توليه وزارة الشؤون الدينية بتعميم التعليم الأزهري في البلاد حيث سيكون خرّيجو هذا التعليم لاحقا هم دعاة التعريب (محو اللغة الأمازيغية وتحويل الأمازيغ إلى عرب) ومناضلو الإسلام السياسي والمناهضين للحداثة والعصرنة ومنهم ستتكون الحركة الظلامية التي شنّت "ثورة مضادة" على النظام الجمهوري وكادت أن تسقطه وجنّدت أتباعها ومريديها لخوض حرب أهلية مأساوية في 90ينيات القرن الـ 20 .
لقد ذهبت نضالات وتضحيات شعوب المنطقة سدى وتحالف الانقلابيون مع القيادات التقليدية الظلامية لجمهور العامّة ومعهم الإقطاعيون التقليديون وأطاحوا بمشروع التحديث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واتضح أن القومية العربية والإسلام السياسي وجهان لعملة واحدة وما مشروع الوحدة العربية المزعوم إلا بعث للإمبراطورية الأموية لإبادة الأقليات اللغوية التي نجت من السيف الأموي فهل يمكن أن نعتبر من دروس التاريخ ونوقف الزيف والتزييف ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - محو الهويات بالتنويم البعثي
اوغلال كريم ( 2018 / 11 / 3 - 17:24 )
لن يستفيقوا يا دكتر ...لقد تناولوا حبوب منومة (ماركة بعثية - وهابية) والانظمة الاعرابية الانقلابية وحلفائها من الهراطقة الفقهاء ينشرون الغباوة وهم بالمرصاد لكل من يحاول ايقاظ الشعوب الموبوءة بالعروبة السياسية والاسلام السياسي
أين السريان واين الكلدان واين الاقباط واين الانباط لقد طمستهم الالة البعثية الاعرابية منذ الامويين الى العفلقيين

شكرا دكتر

اخر الافلام

.. حزب الله ينفذ هجوما جويا -بمسيّرات انقضاضية- على شمال إسرائي


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يغلقون جسرا في سان فرانسيسكو




.. الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي: -لن أتولى أكثر من


.. رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما




.. ارتفاع ضحايا السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا