الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة مستقبل الرجل ألا في العراق ، حيث العراقيات القتيلات يتحدث عنهن الأجانب ويتشفى بقتلهن عراقيون

حسين كركوش

2018 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


الشاعر والروائي والمناضل الفرنسي لويس اراغون ( 1897- 1982 ) هو الأشهر في بلده فرنسا والعالم.
المغني والموسيقار الفرنسي جان فيريه Jean Ferrat ( 1930- 2010) هو أحد الذين لا يكتمل الحديث عن الأغنية الفرنسية ، خصوصا السياسية الملتزمة ، دون أن يرد أسمه في الصدارة.
ميلان كونديرا هو الروائي الفرنسي/ التشيكي الشهير.

أراغون ، العاشق الأبدي حد الجنون والمتعاطف بدون حدود مع المرأة وقضاياها والمدافع العنيد عن قضايا الشعوب بما في ذلك تعاطفه مع الثورة الجزائرية ، له بيت في ديوانه الشعري الشهير ، أو بالأحرى ملحمته الشعرية (مجنون السا) التي يتحدث فيها عن العرب وسقوط غرناطة ، يقول فيه : المرأة مستقبل الرجل .

جان فيريه ، الذي غنى الكثير من قصائد اراغون والمعجب به حد الوجد ، له أغنية من تأليفه ضّمنها قول اراغون مع تحوير بسيط ، قال فيها : دعوني أردد مع أراغون/ مستقبل الرجل هو المرأة . ولأن فيريه يعشقه ويستمع لأغانية الملايين في فرنسا والعالم ، فأنه أضاف بذلك شهرة أضافية أخرى لبيت أراغون الشهير.

ميلان كونديرا في روايته (الخلود) أضاف ، هو أيضا ، شهرة لذاك البيت الشعري لأراغون ، عندما ذكره في حوار على لسان شخصيات الرواية :
-المرأة مستقبل الرجل. لم أعد أتذكر قائل هذه الجملة. هل هو لينين ؟ كنيدي ؟
-لا ، قائلها شاعر أسمه أراغون.
-رد بصوت يخلو من اللطف : وما معنى أن يقال المرأة مستقبل الرجل ؟ هل يعني أن الرجال سيتحولون إلى نساء ؟ أنا لا أفهم هذه الجملة الغبية !
-ليست جملة غبية ، هذه جملة شعرية.
و هنا يشير كونديرا إلى شعرية الأنثى ورقتها وقابليتها الخلاقة ودفئها المضاد لبرودة العالم المعاصر وقسوته وعنفه.


هذا البيت الشعري الشهير لأراغون أُعيد استذكاره في فرنسا ، مباشرة بعدما انتشرت أخبار (موت !) و قتل نساء عراقيات بأيدي جماعات مسلحة لم تكشف السلطات العراقية عن أسمائها حتى الساعة.
ففي مقال باللغة الفرنسية نشره كاتب عربي على موقع HUFFPOST ، تحدث فيه عن قتل العراقيات.
قال الكاتب ، وأنا أترجم قوله ، إن النساء في العراق وفي العالم العربي : يقتلن بهذه الوحشية لأن المرأة في العراق و العالم العربي لم تكن يوما من الأيام ولن تكون أبدا مستقبل الرجل ، كما يقول متباهيا لويس أراغون ، وكما ردد بعده في واحدة من أغنياته جان فيريه.
و توقف الكاتب عند تارة فارس ، ربما لأنها أصغرهن عمرا ، فقال إن هذه الشابة العراقية : لم ترتكب أي جريمة. ما كانت عاهرة ولا ملحدة. جريمتها الوحيدة هي أنها كانت تحاول ، على طريقتها ، كسر رتابة الحياة وتطعيمها بالأمل وبالحب في عالم مرعب هو بلدها العراق ، حيث الموت وثقافة الموت هي الطاغية في كل مفاصل الحياة اليومية.

وكنت ذكرت في مقال سابق أن كثيرين في أوربا وأميركا ، من الجنسين كتبوا ، مستنكرين ، عن قتل النساء العراقيات. ومعظم ما نشر ، أما بصيغة أخبار أو طغت عليه المشاعر الوجدانية الإنسانية المتعاطفة ، أكثر من التحليل السياسي.
ولهذا سأتوقف عند مادة واحدة هي (مدونة) نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية في موقعها على الانترنيت ، والأسباب التي دعتني أفعل ذلك هي ، مكانة صاحب المدونة ، و الصحيفة ، و كثرة ردود أفعال القراء الفرنسيين والفرنسيات وتعليقاتهم.
كاتب المدونة أسمه جان- بيير فيليو Jean-Pierre Filiu وهو أستاذ علوم سياسية ، و مستعرب ، متخصص في اللغة العربية وقضايا الإسلام المعاصر في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية ، ومستشار للشؤون الخارجية في عدة وزارات فرنسية ، و سبق له أن شغل مناصب دبلوماسية في بلدان عربية ، ومؤلف لعدة كتب حول العالمين العربي والإسلامي.
أما صحيفة لوموند التي نشرت المدونة ، فهي الصحيفة الأولى في فرنسا ، و واحدة من كبريات الصحف الراقية في العالم ، يقرأها صناع القرار والطبقة السياسية والنخب والمشتغلون في مراكز البحوث ويعتمد عليها معدو النشرات الاخبارية ، وكل ذلك لاستقلاليتها ولمهنيتها ومصداقيتها.
و علق على ما ورد في المدونة مئات القراء لمعظمهم خلفيات ثقافية و عندهم معلومات عن ما يدور في العراق والعالمين العربي والإسلامي. وكانت التعليقات واسعة ومختلفة ومتشعبة ، فتحدث أصحابها عن التيارات السياسية الإسلامية المتطرفة و وجوب التفريق بينها وبين الإسلام كديانة وعبادة. وناقش بعض آخر الصعوبات التي تواجهها الديمقراطية و قضايا الحريات الخاصة والعامة و حرية التعبير في العالم الإسلامي. وعاد بعض آخر إلى ما قبل عصور التنوير في أوربا ، ومسألة التشدد الديني وصكوك الغفران ، وكيف استطاعت أوربا عبور تلك المرحلة و السير في طريق آخر ، بفضل دور الكتاب والفلاسفة المتنورين ، وغير ذلك من مواضيع.

و في أدناه ترجمة لأجزاء مما ورد في مدونة الأستاذ فيليو ، و عنوانها : اغتيال ملكة جمال بغداد في وضح النهار ليس جريمة معزولة ، إنما يشي بالكثير عن كابوس المليشيات الجاثم على صدر البلاد .

توقف كاتب المدونة عند استهانة منفذي الاغتيال بالقوات الأمنية الحكومية عندما أقدموا على فعلتهم في وضح النهار وفي منطقة سكنية تكتظ بالحركة وسط العاصمة العراقية.
وقال إن البعض يلقي تهمة الاغتيال على عاتق مليشيات شيعية تنشط في بغداد بحصانة تامة. و قال إنه في عراق غير قادر على تشكيل حكومة ثابتة ، وتعصف به الاحتجاجات الشعبية ، و وسط مخاوف من عودة شبح داعش من جديد ، فأن حادثة قتل تارة فارس مرت كأي حدث عابر.


وتوقف الكاتب عند مسألة أشار إليها جميع الذين تحدثوا في وسائل الإعلام الغربية عن حادث الاغتيال ، وهي الشعبية التي تحظى بها عارضة الأزياء الشابة تارة فارس في أوساط الشباب العراقيين ، في أشارة للمتغيرات الديموغرافية في العراق ، و ظهور أجيال عراقية جديدة نشأت و تنشأ في عصر الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي ، بما تقدمه من فرص جديدة للتعبير والمشاركة والتواصل ، وطرح الأراء بحرية.
فوفقا لأخر مسح سكاني فأن عدد نفوس العراق تجاوز 38 مليون نسمة. وبلغ عدد العراقيين الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة ، 15 مليونا و 428 ألف نسمة بواقع 45 بالمائة من مجموع السكان العام بالبلاد ، منهم 8 ملايين من الذكور. وإذا أضفنا عدد الشباب الذين تقل أعمارهم عن العشرين ، فهذا يعني أن أكثر نفوس العراق هم من الذين ولدوا أو نشأوا بعد 2003 ، أي تربوا في ظل وتحت رعاية حكم أحزاب الإسلام السياسي.
لكن واقع الحياة اليومية في العراق يشير إلى أن أعداد كثيرة من هذه الأجيال العراقية الشابة ليسوا في تطابق مع أحزاب الإسلام السياسي ، وخطابها الديني وفلسفتها ومنظومتها الأخلاقية المتزمتة وفهمها السياسي المؤدلج للأمور وقوائم الممنوعات التي تريد من الآخرين تطبيقها والالتزام الحرفي بها.
هذا الاختلاف ، أن لم نقل التناقض ، بين جيل الشباب العراقي وبين الأحزاب السياسية الدينية قد لا يوجد له تجسيد مرئي واضح في الحياة اليومية ، أقله حتى الآن ، بسبب المحاذير الكثيرة و أجواء الخوف ، ولكن بالإمكان رصده ومعاينته على شبكات التواصل الاجتماعي ، حيث تتوفر أجواء من حرية التعبير.

فبينما لا تملك الجماعات التي قتلت الفتاة العراقية ، لأنها عارضة أزياء ، شجاعة الإعلان عن نفسها ، فأن أعداد كبيرة من الشباب تعلن عن اعجابها بالفتاة.
فقد لاحظ كاتب المدونة ، الأستاذ فيليو ، كما لاحظ جميع الذين كتبوا عن حادثة القتل ، أن تارة فارس ، على سبيل المثال ، يتابعها على اليوتوب 87 ألف شاب وشابة ، و الذين على الاستغرام يصل عددهم إلى 2,6 مليون ، بادر كثيرون منهم ، عبر شبكات التواصل ، للتعبير عن حزنهم.
وهولاء الشباب ، كما الفتاة القتيلة ، ليسوا من سقط المتاع كما تصورهم الجماعات السياسية الدينية المتطرفة ، و لا ينقصهم الوعي السياسي لما يحدث في مجتمعهم من انتهاكات ومظالم.
يقول كاتب المدونة إن الفتاة تارة فارس كانت تنتقد بعنف الفساد المالي والإداري والطريقة الوحشية التي تنشر بها الرعب المليشيات تحت ذريعة المحافظة على ما يسمى (النظام الأخلاقي) .
والكاتب يشير هنا إلى أن اغتيال هذه الشابة ليس بسبب أخلاقي ، أي بسبب تواصلها مع متابعيها بطريقة قد تستفز الجهات المحافظة في المجتمع العراقي ، كأن تظهر وشم على أجزاء من جسدها ، أو نوعية ملابسها ، بقدر ما هو اغتيال سياسي.

ثم أشار إلى موت السيدتين رفيف الياسري ورشا الحسن اللتين قال إنهما قتلا في شهر آب الماضي رغم أنهما يعملان في مجال التجميل الطبي ، و أحداهما معروفة بعلاجها المجاني للعائلات ذات الدخل المحدود.

شبح صدام

وفي عنوان فرعي في مدونته ، هو (شبح صدام حسين) قال الأستاذ فيليو : ما يزال صدام حسين الذي فرض على العراق حكما ديكتاتوريا بين 1979 و 2003 ، ينظر إليه حتى الآن كقومي عربي بنظام علماني صارم. ولكن من يقول ذلك ينسى أن صدام حسين في العقد الأخير من حكمه شن حملة قاسية تهدف لتطبيق (النظام الأخلاقي) بمحتواه الأكثر تخلفا ، وكل ذلك بذريعة إقامة دولة إسلامية ، و عمد صدام من أجل ذلك لتغيير العلم العراقي بعد أن كتب عليه كلمات الله أكبر.

ولاحظ الكاتب أن تلك (الحملة الإيمانية) التي طبقها صدام هي التي خرج من رحمها أبو بكر البغدادي الذي ظهر في أول الأمر كإمام مسجد متطرف أيام الحملة الإيمانية في زمن صدام يدعى إبراهيم البدري و قام وقتذاك بأولى اعتداءات عنيفة له ثم ، و بعد سنوات طويلة ، أعلن نفسه (خليفة) الدولة الإسلامية ( داعش).
ورأى الكاتب أن التنظيم العسكري لداعش ما يزال يتألف من ضباط بعثثيين سابقين بعد أن تحولوا إلى جهادين jihadistes دون أن يتخلوا عن أفكارهم القمعية التوليتارية.
واستشهد الكاتب بنشرة تصدر يوميا أسمها Daesh Daily قال إنها توثق الهجمات التي تشنها الجماعات الجهادية ، ولكن توثق أيضا الجرائم الأخرى التي تنفذها المليشيات في العراق.
( نذكر هنا أن DaeshDaily التي يستشهد بها الكاتب هي ، كما مدون بالأنكليزية في موقعها على الانترنيت ، : تحديث يومي لأنشطة داعش ، و يتم جمع المعلومات من مصادر باللغة العربية ، يضاف لها ما يتم الحصول عليه من اتصالات محلية في العراق مع تعليقات توضيحية من قبل مختصين بالشأن العراقي. ويشرف على تحريرها أشرف الخالدي و د. توماس رينهان.)

ونقل كاتب المدونة نص ما ورد في هذه النشرة تعليقا على مقتل تارة فارس : لكي نضع الأمور في نصابها علينا أن نقول إن صدام حسين استخدم ، خلال حملته ألإيمانية ، فدائييه لقتل الناس علانية دون أي محاكمة ، بعد اتهامهم بالخيانة أو بارتكاب أمور منافية للأخلاق. وكان الهدف من ذلك هو إدخال الرعب لقلوب المواطنين لإخضاعهم والسيطرة عليهم. و الآن ، تستخدم المليشيات المسلحة ذات التكتيك الذي سار عليه صدام. والأفراد الذين تهاجمهم المليشيات هم ، في الغالب ، مواطنون ومواطنات لا حول لهم ولا قوة وليس لهم قوى تدافع عنهم ، والغرض من كل هذا هو حرف الانتباه عن القضايا السياسية الحقيقية في العراق. وهناك أمر يتوجب ذكره هو ، أن الكثير من فدائيي صدام ورؤسائهم انضموا للمليشيات المسلحة ، سواء كانت سنية أو شيعية. نعم صدام مات ، لكن أساليبه ما تزال حية."

وتعليقا على ما ورد في النشرة ، قال كاتب المدونة ، الأستاذ فيليو إن هذه الملاحظة التقريرية التي وردت في النشرة قد تكون مرعبة و مثيرة جدا ، ولكنها تكشف ، على الأقل ، عن واقع عراقي مشبع بالدم. إن العنف المفرط الذي يمارسه المجاهدون jihadistes السنة يتفوق ، في الأعم الأكثر ، على العنف المفرط الذي تمارسه المليشيات الشيعية ، لكن الجهتين تمتد جذورهما لسنوات الحكم التوليتاري القمعي الذي كان صدام قد فرضه على العراق.

و فيما يتعلق بالاحتلال الأميركي ، رأى كاتب المدونة أن الاحتلال لم يضع حدا لذاك الرعب ، ليس هذا فقط ، وإنما ساهم الاحتلال في نشر رعب المليشيات عن طريق مأسستها داخل نظام حكم تديره أحزاب طائفية.
وفي نهاية سطور مدونته ، أعلن بروفسور فيليو عن تشاؤمه إزاء تحسن الأوضاع في العراق ، وقال : دعونا نراهن أن قتلة تارة فارس لن يتم الاستدلال عليهم ومعرفتهم ، ولن يتم تقديمهم للمحاكمة. إن اغتيال تارة فارس ليس سوى جريمة جديدة تضاف لجرائم أخرى لا تجد لها عقابا في واقع العراق التراجيدي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة