الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 1

دلور ميقري

2018 / 11 / 1
الادب والفن


الوقتُ كان على حدّ الأصيل، والصالة الأرضية صارت محتملة الحرارة. إلا أنّ مروره الخاطف في الدور العلويّ، لكي يُحضر هاتفه المحمول، جعله يتوهم اجتيازَ كتلة من اللهب. ولو تركنا التشبيه جانباً، يُمكن القول بأنّ جحيماً حقيقياً كان يُعرض هنالك في الصالة الأرضية وضمن مشهدٍ مقسوم بالتساوي على أربعة أجزاء: مدن أربع، تخفق في أجوائها الأجنحة الفولاذية، المذكّرة بطائر رخ الخرافة؛ دويّ كصرخة أم ثكلى، يتردد صداه ثمة من مكان لا مرئيّ؛ خطوط بيضاء، تشق طريقها فوق عمائر مهتزة كما لو بفعل زلزال، ولن تلبث أن تتوهّج حزماً نارية؛ أصوات بشرية، مرتاعة مرعوبة، تعلّق من وراء المشهد المُجَزأ: " المدينة تقصف بصاروخ آخر، أرض ـ أرض.. هذه قنابل عنقودية، تتساقط على الأحياء الآمنة.. الطائرات الحربية، تفرغ البراميلَ المتفجرة فوق منازل المدنيين.. ".
تلكم مشاهد من الحرب السورية، كانت تبث في نشرة الأخبار على جهاز التلفاز القديم، المعتلي سطح خزانة اسودّ خشبها بلمسات الزمن. وكان عديله، " الكَاوري " المتحوّل إلى الإسلام، منطوٍ على قامته الفارعة النحيفة، يُتابع نشرة الأخبار الفرنسية من قناة " دوزيم ". على الأريكة المقابلة، جلسَ ابن حميه بجرمه الثقيل، وكانت نظراته تعبّر عن الرضا أكثر من اللامبالاة وهيَ تعبرُ صوَرَ الموت والخراب. لقد أكّد ذلك، حينَ عقّبَ في حضور صهره السوريّ: " دمروا بلدهم بأيديهم، بحَسَب المخطط الصليبيّ الصهيونيّ. تماماً مثلما جرى في ليبيا "
" تماماً؟ في هذه الحالة، كان على ديكتاتورنا أن يسقط مباشرةً بعد صديقه القذافي! "، ردّ عليه الصهرُ بنبرة ساخرة ومغمومة. ابتسمَ " إدريس " في شيء من الحرَج، ثم شاء احتواء حنق قريبه بالقول في لهجة مرحة: " أتذكُرْ نقاشنا وجدالنا، قبل نحو عامين، في خصوص الحرب الليبية؟ كنا آنذاك نتابع الأخبار، صارخين في بعضنا البعض، إلى أن تتدخل عجوزتك لتهدئنا ". وأتبعَ كلامه، كالعادة، بقهقهة متقطعة أقرب لعواء ذئب جائع. بيْدَ أنّ " إدريس " كان عندئذٍ شبعاناً متخماً، وذلك بفضل الغداء الفاخر والسخيّ، المعدّ على يديّ " العجوز " نفسها. في واقع الحال، إنها بأعوامها المتجاوزة قليلاً الستين، كانت تماثل في السنّ كلاً من ابنَ زوجها وصهرها الفرنسيّ. هذا الأخير، تابعَ الحوارَ مبتسماً وعلى الرغم من أنه بالكاد فهمَ شيئاً منه.

***
" بيير "، وهوَ اسمُ الصهر الفرنسيّ، استطاع أن يلم ببعض الدارجة المغربية في فترة إقامته بالبلد، المقاربة دزينة من السنين. عند تعرّفه على شريكة حياته، ما كان يعرف من لغتها سوى جملة " لا بأس..؟ "، المعقّبة تحية الصباح، المنطوقة بلغته. في ذلك الوقت، كان يمتلك رياضاً مُعتبراً في محيط ساحة جامع الفنا، وكانت " أنغام " واحدة من الشغالات لديه. فلما اقترن بها، ومرت سنة على الأثر، فإنه أضطر إلى بيع النزل: أحداث الحادي عشر من أيلول، وما رافقها من انهيار اقتصاديّ هائل في أمريكا، أوهمت المستثمر الفرنسيّ بضياع فرص السياحة. ولكنه في أوان زيارة " دلير " الأولى لمراكش، كان قد أشترى رياضاً آخر ولو أنه على قدر من التواضع قياساً بالأول.
هنالك في الرياض، تعرّفَ أيضاً الرجل السوريّ على مَن ستصبح شريكة حياته. لمحض المصادفة، كانت " سلوى " هذه تعين شقيقتها الكبيرة في حملة تنظيف شاملة للدور الأرضيّ حين أطل ذلك النزيل من شرفة الدور الأول. الوقت كان صيفاً، ولكن شمس الصباح بدت يومئذٍ رحيمة حنونة. فلما حلّ العصر، رأى " دلير " نفسه يسير جنباً لجنب مع الفتاة في الطريق من باب دكالة إلى مركز المدينة القديمة. وكان قد زعمَ أمام " أنغام " عدم تمكنه من تمييز الطريق الصحيح، ما دفع هذه إلى الالتفات لشقيقتها باسمةً: " أنتِ ستأخذين التاكسي إلى البيت من عند البرنس، صحيح؟ ". هكذا تابع المشي معها إلى موقف التاكسي، ومن ثم ودّعها بعدما دفع للسائق الأجرة مقدماً. في ظهيرة اليوم التالي، آنَ كان شقيقها الكبير، العسر، غارقاً في قيلولته، أخذت السمراءُ ذات القسمات المعتدلة في لمس عقدٍ فضيّ يزين رقبتها. تتابعت المشاوير، وكذا الهدايا البسيطة، المبهجة جِنان الفتاة، إلى عشية سفر النزيل السوريّ إلى مكان إقامته في السويد. لما عاد " دلير "، لاحظ أصدقاؤه خاتماً ذهبياً في بنصر يده اليمنى!

>مستهل الجزء الثالث/ الفصل الثالث، من رواية " الصراطُ متساقطاً "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي