الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطأ الرئيس اليمني وخطيئة المثقفين!

منذر علي

2018 / 11 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


قبل حوالي أسبوعين التقى الرئيس اليمني بالسفير البريطاني لدي اليمن ، و أثناء لقائه، أشار ، بشكل غير متوقع، إلى " دمج وتبادل محافظات يمنية بأخرى في معاهدة الأنجلو- يمنية عام 1934، حيث أصبحت منطقة الضالع تحت المظلة البريطانية ، وغدت منطقة البيضاء تحت المظلة اليمنية. ولكن لماذا أشار الرئيس إلى ذلك؟ هل أراد الرئيس اليمني أنَّ يُذكِّر البريطانيين بدورهم في تقسيم اليمن، أم أراد أنْ يُذكِّر بعض الأطراف القبلية والسياسية في محافظة الضالع، المتمسكون بقوة بمشروع الانفصال عن الشمال، بأنهم في الأساس شماليون، كان قد جرى ضمهم قسرًا إلى الجنوب في عام 1934 ، تحت ضغط استعماري خارجي ، أم أراد تحقيق الغرضين معًا؟

من الواضح أنَّ هذه من هفوات الرئيس، وهي تدخل في إطار الترسبات التاريخية القبلية المتخلفة في اللاوعي The subconscious، لدي الرئيس الشرعي. إذ ليس هناك " ضرورة دبلوماسية" لتذكير البريطانيين بما قاموا به في الماضي، فهذه قضايا مكانها كتب التاريخ والتربية الوطنية، وليس اللقاءات الدبلوماسية. وليس هناك ضرورة سياسية لتذكير المواطنين اليمنيين من أبناء الضالع بانتماءاتهم الجهوية السابقة أو اللاحقة ، ماداموا ينتمون إلى اليمن ، مثل غيرهم من المواطنين في عدن وصنعاء وحضرموت وصعدة ، وإبين والحديدة وغيرها.
اليمنيون خرجوا من رحم اجتماعي واحد ، لهم جذور عرقية مشتركة، ولكن بسبب التاريخ والجغرافيا والمصالح والجهل والتدخل الخارجي ، تنافروا وتوزعوا ، وتصارعوا ، وتنقلوا جغرافيًا ، غير أنهم ، في الوقت نفسه، تداخلوا سكانيًا وتناسبوا اجتماعيا، وانصهروا ثقافيًا ودينًا وتشاركوا سياسيًا في صناعة الأحداث التاريخية الكبرى وعاشوا في فضاء جغرافي واحد ، بصرف النظر عن الانقسامات السياسية والحروب التي أضعفتهم و هشمَّتهم. الأدهى من ذلك أنَّ أصولًا عرقية أخرى اندمجت عبر التاريخ في المجتمع اليمني، سواء من الذين ولدوا لأب يمني وأم أجنبية ، أو من أولئك الذين وفدوا إلى اليمن ، في مراحل تاريخية مختلفة ، من بلدان مختلفة، كالصومال وأثيوبيا وفارس وكينيا وتنزانيا وتركيا والهند وباكستان، وبنجلاديش واستوطنوا المدن اليمنية وتزاوجوا مع اليمنيين ، وغدوا مع الزمن جزء أصيل من المجتمع اليمني.
ولذلك يبدو لي من الحماقة أن نُذكِّر مواطن في الضالع أو عدن أو صنعاء أو حضرموت أو تعز بأنه شمالي أو جنوبي ، أو نُذكِّر سكان منطقة معينة بأنهم كانوا شماليين ، أو جنوبيين، أو نذكر جماعة من المواطنين بأصولهم القبلية أو الطائفية أو العرقية، أو غيرها من الروايات ، Narratives ، البائسة ، التي تنقيب في أوحال التاريخ لكي تبعث إلى الحياة المشاعر المتخلفة وتعمق روح الكراهية والانقسامات، وفي نفس الوقت تزعم ، بتبجح مضحك، أنها تسعى لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

وعلى أية حال ، لقد أثيرت ضجة كبرى عقب إشارة الرئيس غير الموفقة ، ليس من قبل البريطانيين، ولا حتى من سكان الضالع والبيضاء الذي لم يسقطوا في فخ الهويات المختلقة ، عَبْر تضخيم جنوبيتهم أو شماليتهم بشكل شائن ، وإنما من قبل بعض "المثقفين"، هنا وهناك، الذين صَوَّروا الرئيس كما لو أنه قد نسب محافظة الضالع إلى جمهورية موزمبيق، وسعوا ، إثر ذلك ، مستعينين ، "بالزوامل" الشعبية ، المثقلة بالصراعات القبلية والمشحونة بضغائن الماضي البغيض ، إلى تجاهل الهوية اليمنية المشركة ، بالحديث المثلوم عن جنوبية الضالع ، وعن الدولة القاسمية الطائفية الظالمة ، التي أعقبت الاحتلال العثماني الأول لليمن ، وسعت لفرض هيمنتها على كامل التراب اليمني، وعن المشيخات والسلطانات التي تمردت واستقلت عن صنعاء ، وعن الهوية الجنوبية الفهماء ، المتميزة عن الهوية الشمالية السقماء ، أو العكس ، بحسب زعمهم الشائن، إلى آخر الأغنية الحزينة، التي تستجر قاذورات الماضي المظلم ، منعًا لإنقاذ "جثة اليمن من المتعهد الخارجي" وكبحًا للتوجه العقلاني نحو تعميق الوحدة الوطنية ، وتبريرًا لحاضر اليمن الممزق ، وسعيًا لصناعة المستقبل على صورة الماضي البائس.

لم يتحدث أي من هؤلاء "المثقفين" عن تضافر جهود اليمنيين ونضالهم المشترك من أجل طرد المحتل العثماني الأول( 1539- 1634) والثاني ( 1872- 1918) ، والمُحتل البريطاني ( 1839-1967) ، وبعث الهوية الوطنية اليمنية، التي كانت قد سقطت تحت سنابك القوى العدوانية الخارجية، ولا على أنجاز ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين ، ولا عن كفاحهم من أجل توحيد وطنهم في دولة مركزية واحدة ، و لا عن البحث عن السبل الممكنة لتجاوز آثام وأثار الماضي والسير نحو المستقبل الوضاء، في بناء يمن ديمقراطي موحد ، على أساس راسخ من قيم الحرية والعدالة والتقدم. على أنَّ ما فات هؤلاء " المثقفين" الأوباش، المعطوبين بالجهل والضغائن ، والمتفقدين للحس التاريخي والوطني ، هو أنَّ السلطنات والمشيخات اليمنية في الماضي البعيد، كانت قد تخاصمت و تقاتلت بعنف على النفوذ والسيطرة على اليمن ، وخاصة عقب طرد الاستعمار العثماني الأول، فتوسعت السلطنة الزيدية ( أي الإمامة الزيدية ) بالاعتماد على العصبية المذهبية ، وتمردت عليها السلطنات والمشيخات الأخرى ، في يافع والعواذل والضالع والبيضاء ، وحضرموت وتهامة ، وتعز ، بالاعتماد على العصبية القبلية. ولقد نجحت بعض الكيانات في التوسع وانكمشت بعضها ، ثم تقوقعت تلك الكيانات على أساس طائفي و قبلي وجغرافي. وهكذا تمزق اليمن في الماضي، ومهد التمزق للتدخل الأجنبي، الذي عزز بدوره تلك الانقسامات عقب تدخله المباشر ومساندة لهذا الطرف أو ذاك ، خلال الفترة الممتدة بين 1839 - 1934 ، سواء من خلال اتفاقيات الصداقة والحماية بين البريطانيين والكيانات السلطانية والمشيخات الجنوبية، أو بين البريطانيين والأتراك ، القوتين المحتلتين، أو بين البريطانيين والأيام الأيام يحيى، عقب خروج الأتراك، أو بين هذا الإمام يحيى وأسرة آل سعود.

ولقد تعمق ذلك التقسيم بعد دخول الاستعمار البريطاني ودعمه المباشر للمشيخات والسلطنات المتمردة في الأقاليم الجنوبية من الوطن اليمني ، تمامًا كما تعمل اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران.
من جانب آخر، لقد انشغلت السلطنة الزيدية ( أو الإمامة الزيدية) في الجبهة الشمالية في مواجهة الاحتلال العثماني الثاني منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، فضلا عن مواجهتها ، وإنْ بشكل متقطع ، للاستعمار البريطاني في الجبهة الجنوبية.
و لكن في وقت لا حق ، بل وفي وقت واحد ، انشغلت السلطنة الزيدية، ( أو الإمامة الزيدية ) ، في مواجهة العدوان البريطاني من الجهة الجنوبية والعدوان السعودي من الجهة الشمالية، وخاصة بعد انكسار تركيا في شمال اليمن عام 1911 ، و هزيمتها النهائية في الحرب العالمية الأولى وخروجها مُكرهة من اليمن عام 1918 . ولقد أسفرت تلك المواجهات عن احتلال جيزان ونجران وعسير في المناطق الشمالية من قبل السعودية عام 1934 ، وفي نفس الوقت ، تقليص نفوذ الإمامة الزيدية في الأقاليم الجنوبية من الوطن.

وترتب على قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين في مطلع الستينيات من القرن المنصرم، أنَّ الثورتين فتحتا آفاقًا رحبة للتحرر من الاستعمار والنفوذ الخارجي، البريطاني والسعودي، وأدواتهما المحلية ، وبناء يمن ديمقراطي موحد، عادل، ومتقدم . غير أنَّ الأمور لم تسر ، كما كان يأمل شعبنا اليمني العظيم ، بسبب تضافر جهود القوى المتخلفة في الداخل وتناغمها مع قوى العدوان الرجعي والامبريالي التوسعي في الخارج. إذْ أنَّ أحفاد الدولة القاسمية في الشمال والجنوب، لم يتخلوا عن نزعاتهم الطائفية والقبلية والجهوية المدمرة للوحدة الوطنية ، فتحالفوا مع السعودية والبريطانيين عقب ثورة سبتمبر وأكتوبر في مطلع الستينيات ، ثم مع إيران في مطلع التسعينيات. كما أنَّ أحفاد المشايخ والسلاطين ، في الشمال والجنوب، لم يتجاوزوا نزعاتهم القبلية المهلكة ، بالتخلي عن اعتمادهم المخزي وتبعيتهم الذليلة للقوى الخارجية الطامعة في الوطن ، ففي الماضي تحالفوا مع البريطانيين والسعوديين ، واليوم يتحالفون مع السعوديين والأمارتين. و ها هو الماضي المظلم يتكرر ، وإن كان "على شكل ملهاة" سوداء.

المؤسف أنَّ بعض " المثقفين" يسقطون مرة ثانية في الهاوية المظلمة. إذ بدلاً من دعوة الشعب اليمني لوقف الاقتتال الداخلي ومواجهة العدوان الخارجي ، وتعميق اللُحمة الوطنية ، والبحث عن السُبل الممكنة لبناء "يمن ديمقراطي موحد" على هدى ثورتي 26سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين ، فأنهم يسعون بحماسة لا نظير لها، لأحياء ذلك التراث المظلم لصراع السلاطين والإمامة والقوى الاستعمارية في محاولة بائسة منهم ، للتأكيد على هويتين ، جنوبية - شمالية، متمايزتين ، بغية تمزيق الوطن مرة أخرى ، كما جرت الأمور عقب التمرد على الدولة القاسمية الطائفية ، وظهور كيانات متمردة ومتنافرة ، هنا وهناك ، ترتب عليها أضعاف المناعة الوطنية الداخلية للشعب اليمني، والتمهيد للاحتلال الخارجي والهيمنة البريطانية العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر ، وتعميق الانقسام الوطني، الذي ما برحنا نعاني من آثاره الآثمة حتى اليوم.
لقد حاول بعض المثقفين تصحح موقف الرئيس هادي ، ولكنهم وقعوا في خطئيه، غير مدركين أنَّ الضالع يمنية والبيضاء يمنية ، كما هي يافع والعواذل وحضرموت وصعدة وصنعاء، والمحويت ، وإبين ، وشبوة ، وسقطرة وغيرها، ولا يهم أن تكون هذه المنطقة في الجنوب أم في الشمال ، في الشرق أم في الغرب.

إنَّ معركتنا اليوم، هي مع التخلف الداخلي والعدوان الخارجي ، وليست مع الجغرافيا الطبيعية أو السكانية. وأقول لهؤلاء المثقفين ، المعطوبين بالكراهية والجهل : لماذا تتقيئون مخالفاتكم البائسة فوق تاريخ شعبنا المشرق ونضاله العظيم من أجل حرية ووحدة وطنه وتقدمه؟
إنَّ الرئيس اليمني عبد ربه منصور، عندما أشار إلى أنَّ الضالع كانت شمالية والبيضاء كانت جنوبية ، ربما أراد أن يُذِّكر البريطانيين بدورهم السلبي في تقسيم اليمن ، ولكنه أعترف، دون أن يعلم ، بشمال وجنوب، أي بشرعية التقسيم الذي كان قائمًا بين قوى النفوذ المتخلفة حينئذ ، وهي أمور لا صلة لها بأحداث الساعة، وهذا خطأه ، ومع ذلك فأنَّ الرئيس اليمني ، لم ينكر يمنية الضالع، أو يمنية البيضاء ، أما بعض المثقفين فقد برروا التقسيم ، بمكر ، وحاولوا التنكر للهوية الوطنية اليمنية الجامعة، ببعث الهوايات القبلية والجهوية الطائفية المقيتة ، بهدف التبرير للخيانة الوطنية. ربما أنَّ الرئيس أخطأ، ببلاهة ، ولكن بعض المثقفين ارتكبوا خطيئتهم بوقاحة ، وبسبق وإصرار و بمكر صارخ. تبًا لهم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب