الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرسلني إلى النار

حسن رشيدي

2018 / 11 / 1
الارهاب, الحرب والسلام


كثيرة هي المواقف المعادية التي تقف حاجزا بيننا وبين الحقيقة، بل وبين إتاحة الفرص من أجل تقارب الرؤى ووجهات النظر بين الحقائق التي نؤمن بها وبين ما يؤمن به الآخر، فيغدوا أحدنا ساعة قرع الحجج والبيان يشهر كل معلوماته وما يؤمن به في سبيل أن يَظهر بحجته على الآخر، ليردعه عن ما هو فيه ويقهره بالذي كان منه. حينها يصير المغلوب على أمره تابعا لشريعة الغالب.
وفي أحسن الأحوال قد يتجلى مقام رفيع بين الاثنين ينبئ بحقيقة غاية في الأهمية، ألا وهي: احترام وجهات النظر؛ -أخذا بعين الاعتبار أن الحقائق نسبية-. وانطلاقا من أن ما أومن به من أفكار ومعتقدات هو الحق المطلق، فإن أي جهة مخالفة لما أنا عليه يعتبر خروجا وشذوذا لمعتقداتي. وحري لأي جهة أخرى أن تنطلق من هذا الفهم فتؤمن بامتلاكها للحق، ومن ثم تنسف ما عداها من الجهات المخالفة. وهذا بيت القصيد الذي يدعونا بكل رشد وعقلانية، إلى الاستماع إلى الآخرين من أجل تقريب الرؤى، وتوسيع دائرة المشترك، بدل الانزواء وراء أفكار دوغمائية لا تؤمن إلا بأحادية الفكر والاتجاه الوحيد.
ولعل أبرز ما يثار في هذه النقطة هي قضية المعتقد، حينما يرى الفرد أو الجماعة امتلاكهما للحقيقة المطلقة، فيعمد فئام من الناس بدافع التعصب إلى إكراه غيرهم على أن يكونوا مؤمنين. دونما تبصر في ما عليه الآخر من حق، وما قد يعتري طرح معتقداتهم من الباطل. وكثيرة هي الشواهد التي تدل على هذا المنحى سواء أتعلق الأمر بالنص الديني على وجه الحصر، أم ذك الذي ينبع ويستقي أطروحاته من تراث الفكر الديني وما يحمله من تأثيرات. نذكر منها: تلك الواقعة التي حدثت إبان الغزو الاسباني لجزيرة كوبا سنة 1511م، عندما ألقى الزعيم القبلي (هاتوى) بالذهب الذي كان يملكه في مجرى النهر، ولما عرف الإسبّان بأمره عمدوا إلى إحراقه حيا، ثأرا وعقابا له بتضييع ما جاؤوا من أجله؛ حين جاءه راهب من إحدى الأخويات يهديه إلى الدين المسيحي لكي يدخل الجنة، -وإلا: إلى النار زعموا-. عندها قال الزعيم (هاتوى) لرجل الدين: هل هناك مسيحيون في الجنة؟ قال: معظمهم هناك. ثم رد الزعيم من غير تردد: إنني أفضّل دخول النار على أن ألتقي بكم في الجنة، أرسلني إلى النار.
إن الدافع وراء رفض الزعيم للدّين المسيحي، هو ما شاهده من دماء تراق بغير حق، مع الغلظة والفضاضة والوحشية التي تعامل بها الجنود مع الهنود الحمر إبان الغزو.
وإننا اليوم لنرى مشاهدا توجع القلب بدافع نصرة دين أو معتقد ما، بدافع أن يسعد الناس في آخرتهم بجنات مد البصر فيها ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر. ولعمري هل سيتبع عاقل ذو لب، جاهلا يدعوا إلى القتل والدمار، وهو الذي لم يجسد أخلاقا في يومه، ولم تنعكس على حياته، فضلا عن رسم أحلام وردية قد يتسع الفارق بينها وبين حقيقتها، إذا ما انجلت الغشاوة عن الأبصار.
إن الدين الأسمى الذي دعا إليه الأنبياء والأولياء والفلاسفة والمفكرون هو دين الإنسان، الذي لا غاية له إلا سعادة الإنسان، بعيدا عن أي تعصب أو قتال أو حصر لأفق جلال العقل، في أفكار دوغمائية لا تؤمن إلا بالاتجاه الأوحد والوحيد فيهلك زهرة الحياة، ويدعوا إلى الاحتراب مع كل مخالف لم يلتزم بالشكل الخارجي، ولو غفل عن بناء الجوهر.
ولعل أي أطروحة مهما ادعت امتلاكها للحقيقة المطلقة -هذا إن وجدت- غير كفيلة بامتلاك القلوب، ما لم تقدم برهنة أخلاقية على دعواها، لكفيلة بأن يقول عنها المخالف -وإن كان في ضلال بعيد-، مثل قول الراهب: أرسلني إلى النار، وسحقا لإلهك الذي ستضل عليه عاكفا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إيران لإسرائيل: كيف غيرت قواعد اللعبة؟| بتوقيت برلين


.. أسو تخسر التحدي وجلال عمارة يعاقبها ????




.. إسرائيل تستهدف أرجاء قطاع غزة بعشرات الغارات الجوية والقصف ا


.. إيران قد تراجع -عقيدتها النووية- في ظل التهديدات الإسرائيلية




.. هل ستفتح مصر أبوابها للفلسطينيين إذا اجتاحت إسرائيل رفح؟ سام