الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفسير ماركس وأنجلس لتخلف منطقتنا

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2018 / 11 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تفسير ماركس وأنجلس لتخلف منطقتنا

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-



يبدو أن كل من ماركس وأنجلس قد وقعا في مأزق عندما حاولا تطبيق نظريتهم حول التطور التاريخي للمجتمعات من شيوعية بدائية ثم عبودية ثم إقطاع فرأسمالية ثم شيوعية على المجتمعات غير الأوروبية كمجتمعات منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، فاضطروا إلى وضع نظرية خاصة بهذه المجتمعات أطلقوا عليها "نمط الإنتاج الآسيوي"، وو ضحها ماركس في "تشكل الإقتصاد ما قبل الرأسمالي"، فيرى أن إتساع الأرض وجدبتها في المجتمعات الشمال أفريقيا والشرق الأوسط، أو ما يسميها ب"الشرق" دفعت التجمعات السكانية الريفية إلى الانعزال، فتمكنت من تحقيق اكتفائها الذاتي بجمعها بين الزراعة والحرف، فبقيت منغلقة على نفسها لا تسودها أية علاقات تبادلية تجارية بين مختلف هذه التجمعات. مثلما لاحظ ماركس انعدام الملكية الخاصة في هذه المجتمعات، فالأرض مشاعة والملكية الخاصة منعدمة في هذه المجتمعات، ويبدو أن ما قاله صحيح عموما، فمثلا في الجزائر سادت آراضي العرش قبل الإستعمار الفرنسي أي ملكية الأرض هي للعرش أي مجموعة قبائل تستغلها وتخدمها جماعيا، لكن فتت الإستعمار الفرنسي هذه الآراضي بواسطة عدة قوانين، وعلى رأسها قانون فارنيي في 1873 أين أدخلت الملكية الفردية للأرض، وأعتبره البعض بأنه عمل إيجابي لأنه أدخل الإٌقتصاد الرأسمالي على المجتمع الجزائري كمرحلة ضرورية للحركية التاريخية، لكن فلنشر بأن الهدف من هذه القوانين الإستعمارية هو سلب أراضي الجزائريين وتفتيت المجتمع الذي كان متضامنا في مواجهة الإستعمار دفاعا منهم عن آراضيهم المشتركة، ونشير أيضا بأن دعاة الملكية الجماعية للأرض في الجزائر مباشرة بعد إسترجاع إستقلالها في 1962 أستندوا على فكرة آراضي العرش قبل الإستعمار الفرنسي لإعطاء فكرتهم شرعية تاريخية، فما يهمنا في نظرية ماركس هو قوله بأنه ما دامت الملكية الخاصة منعدمة في هذه المجتمعات، فإنه لا وجود للطبقات فيها مما يؤدي إلى انعدام الصراع الطبقي الذي هو محرك التاريخ.
وبناءً على ذلك كله فإنه لا وجود لحركية التاريخ في هذه المجتمعات مما يفسر جمودها وعدم تطورها، واعتبر كل من ماركس وانجلس إن العلاقات الاجتماعية الوحيدة السائدة في هذه المجتمعات هي علاقة الحاكم المستبد الذي يجلب الخراج بالقوة من عامة السكان، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل تخلى ماركس عن قوله أن الدولة هي من إنتاج الطبقة المسيطرة وفي خدمتها؟ وإذا ردَّ بالسلب فمن هي الطبقة التي أنتجت هذه الدولة التي تجلب الخراج من السكان ما دام لا وجود للطبقات في هذه المجتمعات الشرقية –كما يقول- ؟.
نعتقد أن هذه النظرية يمكن أن ينطبق جزء منها فقط على المناطق الزراعية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط كمصر والعراق، مما جعل أنجلس يطور نظرية نمط الإنتاج الآسيوي الجامدة، وذلك في دراسة نشرها عام 1894 في مجلة Die New Zeit الألمانية، بقوله أن هذه المجتمعات الشرقية تتميز بديناميكية وحركية لكن في دائرة مغلقة لا تخرج منها، ويستند انجلس فيما يبدو إلى نظرية العصبية القبلية لابن خلدون معطيا لها طابعا اقتصاديا محظا، فيقول انجلس في دراسته أن البدو ينظرون إلى ثروة الحضر بالحسد والطمع، فيتهمونهم بعدم الالتزام بالشريعة الإسلامية بسبب البذخ والترف الذي يعيشون فيه الحضر، فيتحد البدو تحت قيادة مهدي لمعاقبة أهل الحضر المنحرفين عن مبادئ الشريعة في نظرهم، وأن هدفهم هو التطبيق الحرفي للشريعة الإسلامية وإعادة النقاوة للعقيدة الإسلامية، لكن بعدما يستولي هؤلاء المتمردون البدو على السلطة يتحولون هم أيضا إلى حياة البذخ والترف وسلب ونهب الفائض الاقتصادي للسكان، مما يجعل هذه المجتمعات –حسب انجلس- لا تتقدم اقتصاديا، ثم تثور قبائل بدوية أخرى ضد البدو الذين تحولوا إلى حضر وبنفس الطريقة وهلمَّ جرً، فتكرر نفس التجارب، مما يبقي هذه المجتمعات في دائرة مغلقة لا تتطور إلى الأمام.
وتبدو لنا هذه النظرية الأخيرة أكثر إغراءً في تفسير الكثير من الأحداث التي تعرفها منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، فإذا قمنا بتعويض البدو بسكان الريف، فإننا نجد أن الكثير من بلدان المنطقة التي أقامت نظام رأسمالية الدولة، وأطلقت عليه ظلما "النظام الاشتراكي" مثل الجزائر ومصر قد مرت بهذه التجربة، فقد اعتقدت هذه الأنظمة أن بقدرتها القيام بثورة صناعية بالحصول على تراكم أولي من الزراعة مثلما فعل ستالين في الاتحاد السوفياتي، فباستغلال الفلاح وعرقه اضطر سكان الأرياف إلى الهجرة إلى المدن، ومن الزراعة إلى الصناعة التي تدرُّ دخلا كبيرا جدا مقارنة بدخل الزراعة، فاستوطن هؤلاء الريفيون هوامش المدن. فبفعل فقدان هؤلاء لأرضهم وعدم وجود العمل والحياة التي كانوا يحلمون بها في المدينة، تحول هؤلاء من فئة فلاحية إلى مهمشين في المدينة يمكن أن نطلق عليها حثالة البروليتاريا مثلما سماها فرانز فانون، وقد كان هؤلاء المهمشين وراء الكثير من أحداث العنف المؤلمة التي عرفتها الكثير من بلدان المنطقة بشكل أو بآخر في عقد التسعينات من القرن العشرين، والتي أدخلت الكثير من هذه البلدان في عدم الإستقرار الضروري لأي تنمية إقتصادية، فهي ظاهرة ستتكرر دائما مالم نقم قطيعة تامة مع ما أسميه بالعصبيات الخلدونية التي مازالت سائدة في الكثير من هذه المجتمعات، فهذا موضوع آخر قد تطرقنا إليه في عدة مقالات سابقة .


البروفسور رابح لونيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستبداد
متابع ( 2018 / 11 / 3 - 05:32 )
لاتفسر الماركسية تخلف الشرق بصورة صحيحة
لم يعد التطور مقتصرا على الغرب فدول كاليابان وكوريا وتايوان والصين استطاعت التقدم
والتطور
العامل الحاسم في التخلف هو الاستبداد السياسي وان الدولة عندنا هي طبقة فوق الطبقات
طفيلية وتستغل كل الطبقات ولاتسمح للطبقات البرجوازية المنتجة بالنمو والتطور بينما الدولة
في البلدان المتقدمة ترعى الاقتصاد والانتاج لاحداث النمو
دولنا الفاسدة دول جباية وسرقة
شكرا للكاتب

اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا