الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 2

دلور ميقري

2018 / 11 / 2
الادب والفن


قلنا فيما سبق، أنه لم يكن يطيق عديله. هذا على الرغم من أنّ " الكَاوري " تميّزَ بطبع بسيط، وكان أيضاً على شيء من الطرافة. ما كان " دلير " حسوداً تجاه زملائه الأدباء، الماهرين في تسويق أنفسهم، كي يكون كذلك مع رجل أعمال. إلا أنه كان مؤمناً بقول والده، الذي رحل عن العالم قبل عقد من الأعوام تقريباً: " البخل، يجلب كل الرذائل! ". من ناحيته، ومنذ البداية على الأقل، كان رجل الأعمال الفرنسيّ معجباً بعديله السوريّ، وما قال أنها " شخصيته المتسمة بالصراحة وعمق المعرفة ". ولم يمنعه ذلك من الشعور بالضيق، في كلّ مرة يُحوّل الآخر حديثاً عاماً إلى الناحية الأدبية. ذات مرة، كانا مع امرأتيهما في سهرة ممتعة بأحد المطاعم الراقية في غيليز، وكانت الرؤوس تدندن على وقع صليل أقداح النبيذ الفرنسيّ الفاخر. صاحب المطعم، كان من موطن النبيذ نفسه. وكان قد وضعَ بوستراً، بين صوَر أخرى على جدار الصالة، يمثل روائياً فرنسياً حصل في ذلك العام على نوبل الآداب. أشارَ " دلير " للبوستر، سائلاً رفيقَ السهرة: " هل قرأت شيئاً للوكليزيو؟ "
" من يكونُ هذا؟ "، استفهمَ الرجل منه دونما أن يدرك أين حطت تلك الإشارة. فلما أبدى " دلير " استغرابه، كون الأديب فرنسياً والجائزة حدثاً إعلامياً كبيراً على مستوى العالم ـ فإنّ عديله رد بانزعاج واضح: " وهل أنتَ قرأت له؟ ". في مناسبة أخرى، وكان الفرنسيّ مختلياً مع عديله في بار معتاد على ارتياده، أعترفَ ضاحكاً بأنه لم يقرأ في حياته سوى رواية واحدة: " وإنها لم تكن غيرَ ‘ البؤساء ‘، لفيكتور هيغو، وذلك لأنها كانت من ضمن مقرر منهاجنا المدرسيّ الإعداديّ! ".
ولكن علاقتهما بقيت ودية عموماً، وكلاهما كان حريصاً أن تظهر كذلك أمام الآخرين. مع ذلك، أخذ صاحبنا السوريّ ينأى بنفسه أكثر فأكثر عن العديل العتيد، وصارَ نادراً ما يخرج معه إلى أحد البارات أو الملاهي الليلية. وعلى أيّ حال، كان الأول وبوصفه أديباً، أقل اهتماماً بالحياة الاجتماعية من رجل أعمال ناجح. بل إنّ " بيير " أمتلك صلات قوية بالوسط الفنيّ، وكان يفخر بحيازته لأعمال رسامين محليين وفرنسيين مقيمين بالمغرب. آنَ علمه بموهبة " دلير " في مجال الرسم، أراد أن يُعرّفه على بعض أولئك الفنانين. هنا أيضاً، يئسَ من إخراجه من شرنقة العزلة. في الأثناء، كانت لوحات " بيير " تلك، المعتز بها جداً، تختفي الواحدة بأثر الأخرى: نزلاء الرياض، وأكثرهم من مواطنيه الفرنسيين، كانوا ينتقمون من الخدمة السيئة عن طريق سرقة اللوحات والتحف التقليدية!

***
وها هما في الصالة الأرضية، في ذلك الأصيل من يوم صيفيّ جعلَ حباتِ العرَق تتدحرج على البدن تحت الملابس كأنها حشرات جلدية. وكان " دلير " قد سبقَ وسأل عديله عن مواطنه، المدعو " إريك "، وما لو عرفه قبلاً كونه أيضاً من المستثمرين في مجال الفنادق. ضيّق الرجل عينيه، ثم هز رأسه نفياً. إلا أنها امرأته، مَن صاحت بصوتها الحاد، وبالفرنسية، من مكانها في داخل حجرة نوم البنات: " أنا عرفتُ زوجته، وكانت قد انتقلت إلى فرنسا بعدما كشف الأطباء هنا ورماً خبيثاً في صدرها. ولا أعلم حقاً، ما حل بها بعد كل تلك السنين ". بدَوره لم يعلم " دلير " من المجادلة بينها وبين رجلها، التي أعقبت ذلك، سوى أنّ الأمرَ يتعلق بامرأة مراكشية أخرى. إن ابن حميه، " إدريس "، هوَ من تعهد ترجمة كلام الزوجين.
يتعيّن القول، أنّ " أنغام " تعمد إلى التحصّن بإحدى حجرات الدار في كلّ مرةٍ يتواجد فيها أخوها هذا في الصالة. وكانت عندئذٍ تفتعل هنالك ضجة غير مألوفة، من ضحكات وهتافات. سبب الجفوة بينهما، عائدٌ إلى موضوع الميراث على أثر وفاة الأب قبل ست سنوات. الخلاف حول الميراث، كان قد أمتد إلى بلدة الأسلاف وأحدثَ تصدعاً ثمة في العلاقة مع الأقارب. غير أنه " إدريس "، في آخر المطاف، الذي بادر لمصالحة امرأة أبيه وأولادها ومن ثمّ دفعَ والدته وأشقاءه للسبيل عينه. ولأن روحَ الأديب تتأثلُ الفضولَ، حرك " دلير " شهوةَ امرأته للثرثرة كي يعرف سببَ امتناع شقيقتها عن إنهاء خصامها مع الأخ الكبير: صفعة مصمّة، كانت قد تلقتها " سلوى " على وجهها الطويل الأسمر ـ كوجه الماعز، نتيجة تطاولها على أخيها. ذلك جرى بعيد تشييع والدهما ببضعة أيام. وبالطبع، كانت المشادة على خلفية موضوع الميراث وكان قد كاد يتحول إلى قضية أمام المحكمة.
شخص آخر، كان يؤثر الانزواء في عزلة غرفته بالدور العلويّ بعيداً عن صحبة البعض. ولقد حزرَ القارئ من هوَ. لم يكن ذلك البعض، الذي حرص الصهرُ السوريّ على تجنّبه، سوى " أنغام " نفسها. الجدير بالذكر أولاً، أنّ خصومة الأخوين كانت تريح الطرفين المعنيين كلاهما، كونهما يلتقيان نادراً في منزل الأسرة. ولكن " دلير " وجدَ وضعَهُ أسوأ، بالنظر إلى كونه ضيفاً على سيّدة المنزل عدا عن أن علاقته غير مقطوعة مع ابنتها الكبرى تلك. هذه الأخيرة، من يُمن طالع الصهر، كانت تفتعل المشاكل طوال الوقت مع باقي أفراد الأسرة. في واقع الحال، أنها كانت تأتي غالباً مع ابنها إلى المنزل مشحونة ومتوترة على أثر مشادة مألوفة مع رجلها. هذا الابن، وقد علمنا أن اسمه " أميل " ويبلغ ثماني سنين، كان لوحده مشكلة كبيرة سواءً لجدته أو لخالاته وخاليه، ناهيك عن ضيوف الدار من أقارب ومعارف. صغرى الخالات، كانت تقيم عند شقيقتها الكبرى أغلب أيام الأسبوع وهيَ من ترعى عملياً الغلام في غياب والديه أثناء عملهما بالرياض. مقابل ذلك، كان الصهر الفرنسيّ يتعهد مصروف دراسة الفتاة. ذات مرة، وعقب مشادة كان الغلام سببها، قالت عنه أمام رجل شقيقتها السوريّ: " في جينات هذا المسخ، اجتمعت أنانية والده وعدوانية والدته! الأدهى، أنه كلما كبرَ رأيتَهُ يتعلم أفانين جديدة من النجاسة والخبث! ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في