الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابتسمْ قبل أن تُطلق النار!

سلام محمد المزوغي

2018 / 11 / 3
الادب والفن


أغلب اللوحاتُ لقت إعجاب النقاد، تكهنوا لي بمستقبل مشرق وشدوا على يديّ.. ورجليّ..
سررتُ بما قالوا، لكني انتظرتُ أكثر حول لوحةٍ أخذت مني الكثير وأودعتُها الحقيقة كما أراها.. انتظرتُ أن تُفهم، لكن ذلك لم يحصل.. تساءلت يومها لمن أرسم؟ إذا كان النقاد لم يفهموا فكيف لغير المختصين أن يروا ما لم يستطع رؤيته المختصون؟
رسمتُ تلك اللوحة بعد قطع رأس أحد رُعاة الغنم، في منطقة من المناطق المُفَقَّرة في بلدي، منطقة لا تنتمي إلى "من بنزرت إلى بن ڤردان".. من علم التاريخ الحقيقي يعرف أن المستعمرين طوال تاريخنا قطنوا الشريط الساحلي عكس أجدادنا أهل البلد الذين قطنوا بقية البلد، أما من جهله فسيردد أقوال الغرباء عن البلد الذين صاروا أهل البلد ولم يكتفوا بذلك بل ألبسوا البلد ومن فيه هوية غريبة عنه أجنبية حتى صار البلد أجنبيا عن البلد الذي أعرف والذي أحب والذي له رسمت تلك اللوحة..
رجل يقف أمام البحر ناظرا إلى الأفق البعيد الذي تلوح منه صورة لخريطة البلد، الخريطة كلها صفراء وفي الباكڤراوند شفتا امرأة.. الابتسامة المرسومة على الشفتين، فُهمت أنها ابتسامة أمل في مستقبل أفضل يُستبدل فيه اللون الأصفر لون الصحراء والموت بلون أخضر فتعود المياه إلى مجاريها، وتعود الجميلةُ خضراءَ كما سمُّوها و "بالأمن والأمان يحيا هنا الإنسان" كما كانت تُغنّي المُغنية.... الابتسامة لم تكن ابتسامة أمل، رسمتُ ابتسامة حقيقية لشفتين حقيقيتين، ابتسامة سخرية واحتقار كتلك التي تسبق إطلاق النار على حقير لا يستحق الحياة.. مجرم اقترف أشنع الجرائم، يُنفّذ فيه حكم الإعدام.
صاحبة الابتسامة كانت الوحيدة التي تغطي شعرها من بين كل من عرفتُ، وكانت تنتمي إلى عائلة اخوانجية.. عادة ما يكون حكمي عند وجود تلك الخاصيات الشنيعة، الورقة الحمراء مباشرة ودون تفكير.. لكني في تلك المرة، قُمت بالاستثناء.. في لحظة أمل، رأيتُ تلك الفتاة "بلدًا" وبيئتها الموبوءةَ "شعبًا"؛ قلت أُحرِّر البلد من براثن الشعب، قلت أعيشُ وحدي مع البلد وليذهب ذلك الشعب إلى الجحيم..
استمرت لحظة الأمل تلك عدة أشهر: قمتُ بكل ما يجب فعله مع تلك الفتاة، كانت خريجةَ علوم إنسانية ومهتمة بالنفس وعلومها.. وصلتْ إلى قناعة أنّ الدينَ مشكلٌ دون أن تتخذ بشأنه القرار، لكنها لم تستطع فهم حقيقة الصحراء وأهلها.. ولذلك وبعد كل العمل الذي به قمتُ، فهمت -وكانت على يقين- أن هدفي معها كان التأثير عليها وإبهارها لأتمكن من مواقعتها!
كانت "شريفة" و "ابنة أصل" كما قالت عن نفسها، ولذلك "فشلت" مخططاتي معها.. يوم أعلمتني بحكمها، ابتسمتْ تلك الابتسامة التي رسمتُها في لوحتي، على خريطة بلدي..
فهم النقاد وغيرهم أن الرسم يتكلم عن أمل، لكن اللوحة كانت تقول: "لا أمل لا خيار! ابتسمْ تلك الابتسامة وأطلق النار!".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3


.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى




.. أنا كنت فاكر الصفار في البيض بس????...المعلم هزأ دياب بالأدب


.. شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً




.. عوام في بحر الكلام - الفن والتجارة .. أبنة الشاعر حسين السيد