الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع معتقدات أم صراع اقتصادات!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2018 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


هل الصراع بين الدول في زماننا صراع حضارات وثقافات وديانات وقوميات وايديولوجيات بالفعل أم هو صراع اقتصاديات ونفوذ تجاري وسياسي!؟.. ما رأيكم!؟؟
****************************************
قال لي أحد الاصدقاء بما مفاده: أن حرب الغرب والتآمر علينا هو بدوافع دينية فهو صراع حضارات بدليل اكتلابهم على الدولة العثمانية باعتبارها دار الخلافة الاسلامية فإسقاطها إنما كان من باب حربهم للاسلام!.. كذلك هناك محاولات بدوافع دينية لغزونا ثقافيًا بغرض تبديل ديننا أو على الأقل تشكيكنا في عقيدتنا!.
فقلتُ: الحقيقة كما تحالفت بعض الدول الغربية ضد الامبراطورية العثمانية تحالفت أخرى معها، والتحالف ضد (الرجل المريض) كما كانوا الغربيون يسمونها يومذاك لم يكن سرًا بل كانت هناك اجتماعات وتحالفات غربية علنية ومقالات تكتب في الصحف ضد تركيا وكذلك ضد ألمانيا المسيحية!!، فبريطانيا في الحرب العالمية الأولى تحالفت مع ايطاليا وروسيا وفرنسا (الحلفاء)، وتركيا تحالفت مع ألمانيا (المحور) والأمبراطورية النمساوية المجرية، فهل الأمبراطورية النمساوية أو القيصرية الألمانية دولتان مسلمتان أم مسيحيتان!؟ ... الحرب العالمية الأولى كان للعامل القومي الاستعماري دور كبير فيها وفي نتائجها، فلم تقم دول التحالف بمحاربة الدولة العثمانية فقط بل خاضت حربًا ضد الأمبراطورية النمساوية المجرية المتحالفة مع أمبراطورية ألمانيا وانتهت الحرب بتفكيك الامبراطورية النمساوية المجرية (المسيحية) وكذلك الأمبراطورية الألمانية (المسيحية) وكذلك الامبراطورية العثمانية (المسلمة) عام 1918، وكما كان للعامل القومي والسياسي والثورات الداخلية - فضلًا عن الهزيمة في الحرب - دور في سقوط الأمبراطورية النمساوية المجرية وكذلك الأمبراطورية الألمانية كنتيجة للحرب العالمية الأولى باعتبارها الدول التي خسرت الحرب أمام (الحلفاء)، كذلك الحال بالنسبة للأمبراطورية العثمانية التي كان للعامل القومي السياسي والثورات الداخلية دور أساسي - مع الهزيمة في الحرب - في تفكك هذه الأمبراطورية!.. فالصراع لم يكن يومها صراعًا دينيًا بين الاسلام والمسيحية بل كان صراعًا سياسيًا استعماريًا على مناطق النفوذ وعلى امتلاك الأراضي بما حوت من امكانات اقتصادية ومواقع استراتيجية.. فالحرب ضد تركيا لم تكن مؤامرة على الاسلام بل كان ضد امبراطورية أصابتها الشيخوخة والترهل بفعل الزمن والجمود الفكري والحضاري وكانت تُوشك شمسها أن تغيب وتسقط وتنهار!، وهنا وفي هذه الحالة سينطبق عليها المثل الشعبي القائل: (( إذا سقط الثور تكاثرت من حوله السكاكين!!))، فكل طرف يريد أن يضمن نصيبًا من لحم هذا الثور العجوز المنهار!.. هكذا هي أحوال الدنيا حينما تموت ولا يكن لك ورثة، أقوياء فسيتكالب الأقوياء الغرباء والجيران على تركتك ويأكلونها أكلًا لمّا بنهم شديد!، وهكذا حال الدول في الصراع الدولي حينما تنزلق البشرية بسبب الأطماع او الاحقاد في حروب شرسة، فالدنيا تنقلب الى غاب مخيف يأكل فيه القوى الضعيف!، وهكذا تفككت الأمبراطورية العثمانية التركية بعد أن تآكلت من داخلها وشاخت!!، خصوصًا وأن تركيا في ذلك الوقت أصبح للعلمانيين والليبراليين والقوميين الاتراك فيها نشاط كبير ورغبة في دولة وطنية وقومية حديثة كما في الغرب، كذلك القوميين العرب الذين ملوا من حكم وظلم الترك وباتوا يحلمون بمملكة عربية تجمعهم، وقد استغلت بريطانيا القوميين العرب الأوائل وثورتهم ضد الترك واستخدمتهم في حربها ضد تركيا لصالحها أي لزيادة خلخلة الأمبراطورية العثمانية ثم حين انتصرت بريطانيا في الحرب أخلفت وعودها وغدرت بالعرب (*) كما ذكر (لورنس العرب) في مذكراته، أي تمامًا كما استغلت بريطانيا وأمريكا في عصرنا الاسلاميين الحالمين بإقامة دولة اسلامية في خلخلة امبراطورية الاتحاد السوفيتي من خلال فخ افغانستان ثم تخلت عنهم!... لهذا فهو صراع قومي وسياسي على النفوذ وامتلاك للاراضي والبلدان كمستعمرات وما فيها من خيرات وامكانات تدر على اقتصاد الدولة الاستعمارية خيرات كثيرة وتوسع أسواقها وتضع يدها على مناجم الفحم ومصادر الطاقة والمعادن والموارد الطبيعية كما في احتلال بريطانيا للهند (الهندوسية) فهو لم يكن بدافع حقد بريطاني مسيحي على الهندوس!.. فالأطماع الاقتصادية ومد النفوذ السياسي كان هو الغرض الأساسي للاستعمار بدليل أنهم لم يحتلوا ويستعمروا العالم الاسلامي فقط بل احتلوا دول أخرى دياناتها مسيحية أو بوذية أو هندوسية، واحتل الاوربيون بعضهم أراضي البعض أيضًا!، كذلك الحال في الحرب العالمية الثانية فقد كانت حربًا بدوافع أطماع وطموحات قومية استعمارية وتوسعية، ولهذا فاختزال ما جرى للامبراطورية العثمانية في أنه مؤامرة مسيحية ضد المسلمين وضد الاسلام هو تفسير سطحي روج له الاسلاميون لإستثارة الروح الاسلامية والدعوة لإستعادة الخلافة - وربما الخلافة العثمانية التركية تحديدًا !! - ولكنه تفسير لا يتفق مع حقائق التاريخ ولا يصمد أمام التحقيق العقلي الموضوعي!.
***
ثانيًا الانتشار الثقافي كانتشار الثقافة الامريكية ليس المقصود به الاسلام ولا نشر المسيحية، فانتشار ثقافة من الثقافات لم يعد في زماننا يحتاج لغزو عسكري كما كان أيام زمان، فهو يحدث بطريقة تلقائية سلسة عن طريق وسائل ثورة الاتصالات والمعلومات والافلام الامريكية والمسلسلات الاجنبية ... الخ... فالعالم يكاد يكون قرية صغيرة اليوم بسبب التقدم الهائل في التقنية (التكنولوجيا) لهذا تجد المعلومات والافكار والمعتقدات تنساب بسهولة في لمح البصر وتعبر القارات وكذلك العادات والتقاليد العصرية التي تنتقل من مناطق الضغط العالي لمناطق الضغط المنخفض بشكل طبيعي بما فيها الأزياء والأطعمة!، فمثلًا كما تلاحظ أن ظاهرة الالحاد في قطاع الشباب العربي شهدت ارتفاعًا مع ظهور النت وتوفره وكذلك ظاهرة الدخول في الاسلام في الغرب! .. وهكذا فإن تمدد الثقافات والحضارات وعبور المعتقدات للبلدان والقارات أصبح يتم بطريقة الالكترونية حيث لا حراس ولا حدود، ولم يعد يحتاج نشر العقيدة والدعوة اليها إلى غزو عسكري كما في عصور الفتوحات، فهو بات في زماننا بسبب ثورة الاتصالات والمعلومات يحدث بشكل طبيعي وسلس!، فحتى الصين البلد العريق الثقافة والمحافظ على هذه الثقافة الموروثة بالرغم من أنها تحاول تحمي نفسها من غزو الثقافة الغربية لعقول شبابها عن طريق (فلترة) وتصفية خط النت فإن بعض من الثقافة الامريكية وعادات الغربيين وآدابهم وازيائهم وفنونهم تسربت إلى عقر دارهم بسبب الافلام والمسلسلات والكتب وغيرها .... لهذا فالصراع الحقيقي أو التدافع الفعلي الذي يتم - بوعي وارادة وتخطيط وكيد - هو الصراع والتنافس الاقتصادي بين العمالقة الكبار ممن يملكون زمام الانتاج الصناعي على وجه الخصوص، أما نحن، بحكم ضعفنا وتخلفنا وعجزنا، فلسنا سوى أدوات في هذه اللعبة الاقتصادية الكبري والتي تشكل السياسة الخادم الأساسي لها في هذا العصر .. أما زمن الصراع حول الدين والثقافة و المعتقدات والايديولوجيات فهو قد ولى ولم يعد هو أساس الصراع في زماننا ولكنه قد يعود مستقبلًا حاله حال زمن القوميات وربما حتى الاشتراكيات، من يدري!؟
**********************
سليم نصر الرقعي 2018
(*) يقول البعض أن بريطانيا لم تتخلَ بشكل كلي عن وعدها بتمكين الشريف حسين الهاشمي زعيم الثورة العربية بإقامة مملكة عربية فهي مكنته وأولاده من حكم سوريا والعراق والأردن ولكن في سوريا والعراق ثار القوميون العرب الراديكاليين والاشتراكيين ضدهم وأقاموا جمهوريات ولم تبق لأبناء شريف مكة غير الأردن!.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة