الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع المدنية والبدائية

رشا الخفاجي
(Rasha Alkhfaji)

2018 / 11 / 3
المجتمع المدني


يقول توينبي ان الصفة الرئيسية التي تميز المدنية عن البدائية هي الابداع , فالحياة البدائية يسودها التقليد بينما الإبداع يسود حياة المدنية .
ان البدائية هي عيشة البشر وارثه منذ ثلاثمائة الف سنة تقريبا , لقد كان البشر قانعنين بحياتهم البدائية بصورتها الاولى فهم يلبسون من الشجر وياكلون من ثمارها وثمار الارض غير ابهين بالغد , ولكن العصر الجليدي وما جاء معه من تغيرات اثرت في سبل الرزق والعيش , حركت اذهان البشر ودفعتهم الى التفكير , واخذوا يجهدون في البحث عن سبل شتى لاستمرار عيشهم , وبهذا انفتح باب التحضر امامهم , ان الانسان الذي يجد اكتفاءه من المأكل والملبس تراه يرون الى الكسل فالبال مرتاح وقوت غد امن , فشعار البدائيين :( القناعة كنز لا يفنى ) , ويحدثنا بيري , المكتشف المعروف , عن مرة سأل فيها احد رجال الاسكيمو : ( بماذا تفكر) فأجابه الرجل :
( ليس هناك داع للتفكير , فعندي كمية وافرة من الطعام ) .
ان المدنية هي نقيض البدائية ومن اوجه التناقض بينهما هو القلق والراحة ففي المدنية ترى الناس قلقين من غدهم وما يحمل لهم , قلقين ومسرعين على الدوام تراهم يلهثون خلف الحياة كأنهم في ماراثون مستمر , اما البدائية فيسودها الراحة وعدم اشغال الذهن بالغد ودائما ما نرى اهلها يلتجأون الى الدعاء مثلا عند مرضهم بدل الاطباء والتحاليل والعمليات وافة القلق التي تنخر البدن قبل المرض , فتراهم سعداء بقدرهم متضرعين للرب بالدعاء .
ان المدنية هي من اقامت الحضارات فالحراك الاجتماعي الذي حدث بعد العصر الجليدي عندما بدا الانسان يحرك ذهنه ويفكر , بدأت تظهر الجماعات والقبائل وتتكون المجتمعات التي اعطت لنفسها صيغ وتسميات وصفات تميزها عن الاخرى , وبدأ الانسان يفكر بالزراعة ويرتب اوقات يومه بين الحرث والزرع والحصاد بالاضافة الى اضطراره الى التفكير بالنجوم والكواكب ومعرفة الاوقات لضبط مواعيد الزراعة والحصاد وقرأت الطقس وتقلب احواله , ومع قرأت الفلك والنجوم وتأمل السماء بدأت بذرة الشك تسقى وتنمو في النفس البشرية حول الشك والحقيقة والتساؤل المستمر حول الكون والخلق والذي جمع في كلمة (لماذا ), فبدأ الانسان يتجه الى التفكير بالرب وخلق اشكال مختلفه له حسب الفكر والبيئة والحاجة , ومنها بدأت القصص والاساطير تسطر على سطور التاريخ .
أذا ان المدنية موجودة منذ القدم والمدنية هي الابداع والحراك الذهني والبدني والنفسي المستمر ولهذا دائما ما تجمع مع القلق والتفكير والتوجس والخوف , لان الكون في تطور مستمر , ويذكر الشهرستاني في كتاب الملل والنحل , أن ابليس أحتج على ربه ووجه اليه سبعة اسئلة بصيغة ( لماذا ) ؟
فمثلا من بين السبعة الاسئلة جاء سؤاله الاول : أذا كان الله قد علم قبل خلقي أي شيء يصدر عني ويحصل مني فلماذا خلقني أولا , وما الحكمة من خلقه أياي ؟ ,وسؤاله الثاني: لماذا كلفني بمعرفته وطاعته وهو الذي لا ينتفع بطاعة أحد ولا يتضرر بمعصيته ؟ , وحين خلقني وكلفني فالتزمت بتكليفه بالمعرفة والطاعة لماذا كلفني بالسجود لادم ؟ وما الحكمة من هذا التكليف ولماذا لعنني واخرجني من الجنة حين قلت (لا أسجد الا لك وحدك ) ..... , ويتابع الشهرستاني الاسئلة السبعة ليأتي بجواب الرب عن هذه الاسئلة حسب رأي الشهرستاني والعهدة عليه , ان الله أجاب على حجج ابليس قائلا : ( لو كنت يا ابليس صادقا مخلصا في الاعتقاد بأني إلهك وإله الخلق ما أحتكمت عليً بكلمة لماذا ؟ فانا الله لا اله الا انا , غير مسؤول عما أفعل والخلق كلهم مسؤولون .
كان الانسان قبل ظهور المدنية قانعا مطمئنا لا يسأل لماذا ؟ ( إنـَّا وجدنا ءاباءنا على أُمَّةٍ وإنـا عَلَى ءَاَثَارِهِم مقُتَدُونَ ) . فكان سعيدا من الناحية النفسية سعادة تحبب له الحياة , أما عند مجيء المدنية فقد اخذ يفكر فيما يفعل لمعالجة مشكلاته الجديدة التي لم تطرأ على بال الاباء والاجداد , وأنه اصبح رفيقا للشيطان , مبدعا خلاقاً من ناحية وشقيا كادحا من ناحية أخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال


.. ماذا ستجني روندا من صفقة استقبال المهاجرين غير الشرعيين في ب




.. سوري ينشئ منصة عربية لخدمة اللاجئين العرب