الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالد الكيلاني يكتب : الميكروفون واللافتات والإسلام الجديد ... وأنا ( الحلقة الثانية )

خالد الكيلاني

2018 / 11 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


( الحلقة الثانية )
===========
جذور العنف
-----------
كنت قد نشرت لكم الحلقة الأولى من هذه السلسلة منذ حوالي 12 يوماً ، ووعدتكم أن أواليكم ببقية الحلقات تباعاً ، ولكن لأسباب كثيرة أهمها الكسل ، تأخرت في نشر بقية الحلقات ، ولأن من عمل في مهنة الصحافة مثلي ، قد تعود ألا يعمل سوى تحت ضغط ، ضغط مواعيد الطبع ، أو مواعيد المقال الأسبوعي ، أو ضغط رئيس التحرير ... المهم أن يكتب تحت ضغط والسلام ، ولكن الكتابة الحرة ، مثل الكتابة على الفيس بوك تشجع دائماً على الكسل ، وعلى عدم الإلتزام بالمواعيد .

وسوف أعيد أيضاً نشر لينك الحلقة الأولى في هذا البوست حتى لا يفقد القارئ الكريم التواصل مع سلسلة المقالات .

المهم ... نعود لموضوعنا .
كنت قد قد توقفت في الحلقة الأولى عن كيفية محاولة تأقلم أطفالي الصغار على الحياة في مصر ، فأخذتهم ( الولد والبنت ) إلى مقهى شعبي في منطقة الأربعين بالسويس ، وكانوا ينظرون بدهشة لهذا الجو المحيط بهم ، وكأنهم في أدغال إفريقيا ، ففاجئتهم بالسؤال : طبعاً يا ولادي بلدنا زحمة ، قالوا نعم يا بابا ، وأضفت : وفيها تراب ودبان والناس صوتها عالي ، قالوا أيوه يا بابا ، قلت لهم ولكنها بلدنا وعلينا أن نتعود على الحياة هنا .
حاضر يا بابا .
كانت التجربة الثانية بعد أن انتقلنا للحياة في بيتنا بالقاهرة ، وكنا في رمضان ، وكنا معزومين على الإفطار لدى أسرة من أقاربنا في منطقة إمبابة ، مكان من الصعب أن تدخله وقتها بسيارتك ، أخذنا مترو مصر الجديدة - كان ما زال يعمل وقتها - حتى ميدان رمسيس ، كنا قبل موعد الإفطار بحوالي ساعة ، وكنت أحمل شادي ( أصغر أبنائي ) وكان عمره يناهز العام ، في " البورت بيبي " وأمسك بيد إبني الأكبر ، بينما تمسك والدتي بيد طفلتي ، وما أن توجهنا من نهاية مترو مصر الجديدة في كوبري الليمون في إتجاه أول شارع السبتية لإيقاف تاكسي ، إلا وإبنتي الصغيرة ( 4 سنوات وقتها ) تصرخ صراخاً فظيعاً ، وتلتصق بي في خوف وهلع ، فقد أصابتها حالة هيستيرية - وهي التي ولدت وكبرت في مدينة هادئة هي الرباط - من الزحام والفوضى والعشوائية والأصوات العالية التي لم تعتدها أو ترها من قبل ، إحتضنت إبنتي الصغيرة وحاولت أن أطمئنها ، حتى أوقفنا تاكسي ، وتوجهنا إلى حيث بيت أقاربنا أصحاب عزومة الإفطار .
بالطبع تعود أطفالي بعدها على تلك السلوكيات ، وتعايشوا معها .
وكنت أجلس أحياناً في أحد المقاهي بميدان تريومف بمصر الجديدة ، ولاحظت أن الميكروباصات التي تمر في الميدان ، بابها المنزلق مفتوح دائماً ، ويطل منه شاب صغير أكثر من نصفه خارج الميكروباص ، ويزعق بأعلى صوته " عباس سابع عباس " وهو يقصد شارع عباس العقاد والحي السابع ، كانت هذه المظاهر جديدة بالنسبة لي ، فلم تكن موجودة عندما غادرت مصر قبلها بعشر سنوات ، وفي مرة ركبت ميني باص حكومي ( تابع لهيئة النقل العام ) إلى محكمة مدينة نصر بالحي السابع ، ولاحظت أن السائق يهديء السير كل فترة ويفتح باب الميني باص ويزعق بأعلى صوته مردداً خط سير الميني باص ، فتركت الكرسي الذي أجلس عليه وذهبت له وقلت : أليس هذا ميني باص تابع لهيئة النقل العام يا اسطى ؟ ، أم أنه ميكروباص ؟ ، لماذا تزعق هكذا وكأنك في ميكروباص ، مع أن خط سير الميني باص مكتوب في الأمام والجانب اليمين ؟ ، نظر لي السائق باستغراب ودهشة وقال : علشان فيه ناس مبتعرفش تقرا يا بيه !!! ، قلت له وانت مالك ، أنت لك محطات رسمية تتوقف فيها ، ومالكش دعوة باللي مبيعرفش يقرا ، قال لي : وانت إيه اللي مزعلك في كده يا أستاذ ؟ ، قلت له لأن ما تفعله سلوك غير حضاري بالمرة ، تصور لو أن سائحاً يزور القاهرة وشاهد هذا المنظر ؟ ، نظر لي السائق بدهشة أكبر وكأنني قادم من المريخ ، واستمر في التوقف كل فترة والنداء بمجرد أن يرى شخصاً أو بضعة أشخاص واقفين في الشارع !!! .
قد يرى البعض تصرفي هذا تافهاً ، ولكنني منذ زمن بعيد يشغلني كثيراً سلوكيات المصريين ، ويشغلني أكثر مخالفة القانون ، وأذكر أنني في عام 1988 " دبيت " خناقة مع راكب في ميني باص كان متوجهاً من مدينة نصر إلى مصر الجديدة ، وصممت على أن يتوقف عن التدخين أو ينزل من الميني باص ، وتعاطف السائق وبعض الركاب معه وقتها ، لكنني صممت على رأيي فأطفأ سيجارته ، وقلت له يومها أنني مدخن مثله ، لكن القانون يمنع التدخين في المواصلات العامة ، ويجب أن نحترم القانون .
وما زلت حتى الآن يشغلني هذا الأمر ، فرأيك أو وجهة نظرك مسألة تخصك ، ولا علاقة لي بها ، ولكن سلوكياتك في الشارع أمر يخصني ، طالما تلك السلوكيات تضر بي ، أو أنها مخالفة للقانون .
بالطبع كان المصريون قد تحولوا - بالتدريج - في تلك الفترة إلى الإهتمام بكل ما يتعلق بالنصف الأسفل ، فهم يثورون فقط لو رأوا شاباً يسير بجوار خطيبته أو زوجته ويضع يده على كتفها أو حول وسطها ، أو رأوا فتاة تلبس ملابس لا تعجبهم ويرون - من وجهة نظرهم - أنها تكشف ذراعيها أو ساقيها مثلاً ، ولكن كل السلوكيات العشوائية الأخرى في الشارع لا تحرك لهم ساكناً !!! .
خلال سنوات تغريبتي في عقد التسعينيات من القرن الماضي ، كنت أفكر بعمق ، ماذا حدث للمصريين ؟ ، وما كل هذا العنف في سلوكهم ، وفي تعاملهم مع بعضهم البعض ، وكنت قد لاحظت خلال سنوات عملي في المحاماة قبل سفري ، كيف أن معظم القضايا الجنائية هي محض انتقام من المصريين بعضهم لبعض ، وكيف أن الدائن كل ما يهمه ليس هو اقتضاء دينه ، ولكن ما يهمه هو الإنتقام من المدين بسجنه أو تشريده أو فضحه ، وكيف أن أحكام المحاكم هي الأخرى قد تحولت - خاصة في القضايا المالية التي بها شق جنائي - مثل الشيكات وإيصالات الأمانة - إلى أحكام انتقامية هدفها هو حبس وبهدلة المدين المعسر ، بغض النظر عن سبب الدين ، وكذلك لاحظت كم القضايا الإنتقامية بين الأزواج عندما يدب الخلاف بينهم لأي سبب ، وكيف أن الزواج يبدأ بحالة من الشك تجعل أهل الزوجة يحاولون " تكتيف " العريس بإيصالات أمانة وقائمة منقولات زوجية ، للإنتقام منه عند اللزوم ، وتحولت علاقة الزواج التي هي في الأصل مودة ورحمة ، إلى علاقة شك مسبق ، وانتقام عند اللزوم .
توصلت بعد تفكير عميق إلى أن ما أوصلنا إلى هذه الحالة ، هو رؤية المصريين الجديدة للتدين ، وطريقة تعاملهم مع فهم مغلوط للدين ، فقد ارتبط هذا التدين الجديد بالعنف لا بالتسامح ، ولاحظت أنه كلما زاد في شخص ما هذا النوع من التدين ، كلما زادت درجة العنف في تعاملاته مع الآخرين ، وخاصة المعاملات المالية ... واختفت قيم كثيرة بيننا مثل العفو والتسامح والرحمة .
لماذا حدث ذلك ؟
لأنهم على مدى سنوات طويلة قد رسخوا في عقول الناس ، أن " الإسلام هو الحل " ، والحل الإسلامي من وجهة نظرهم هو تطبيق ما يطلقون عليه " الشريعة الإسلامية " ، وأن القانون الذي يحكمنا هو " قانون وضعي " نقلناه من الأوربيين الصليبيين وتركنا شريعتنا ، ولو سألت أحدهم : وما هي الشريعة الإسلامية ؟ ، فلن تجد لديه أي إجابة !!! .
ولأن القانون الذي يحكمنا هو في نظرهم قانون وضعي ، فبالتالي ليس علينا إحترامه أو تطبيقه لأنه حرام ... وبالتدريج أخذ معظم الناس ينظرون إلى هذا المجتمع على أنه يعيش في الحرام في ظل قوانين وضعية تاركاً " شريعة الله " .
فكبرت بيننا أجيال ترى في كسر القانون وخرقه ومخالفته جهاداً في سبيل الله ، واختفت بينهم الرحمة التي هي مناط تلك الشريعة التي ينادون بتطبيقها !!! ، وكنت أثناء دراستي الجامعية كثيراً ما أدخل في مناقشات مع زملائي من المنتمين للجماعات الإسلامية حول تلك المسألة ، وكثيراً ما كنت أسألهم أسئلة يعجزون عن الرد عليها ، مثل ما هي الشريعة الإسلامية التي تريدون تطبيقها ؟ ، وكيف يمكن تطبيق ما تسمونه بالشريعة إذا لم توضع في نصوص قانونية قابلة للتطبيق ؟ ، وكنت دائماً ما أضرب لهم مثالاً - خاصة طلبة الحقوق - بقوانين الأحوال الشخصية ، وكنت أسألهم أليست كلها مأخوذة بالكامل من الشريعة الإسلامية ؟ ، فكانوا يقولون نعم ، فأقول لهم : هل يمكن للقاضي أن يطبقها لو لم تُفرغ في نصوص قانونية ، فآيات القرآن الكريم وأرجح الأقوال من المذهب الحنفي هل يمكن تطبيقها ما لم يتم تحويلها إلى نصوص قانونية ملزمة للقاضي والمحامي والمتقاضين ؟ ، وهل يمكن للقاضي أن يطبق النص القرآني مباشرة - طبقاً لفهمه وتفسيره وتأويله - على الواقعة التي أمامه دون وجود نص قانوني ملزم ؟ ... بالطبع كانوا لا يجيبونني عن تلك الأسئلة ، ويظلون متخندقين حول هذا الشعار السهل البراق " تطبيق الشريعة الإسلامية " !!! .
المهم وكما قلت لكم ، فإن شعار تطبيق الشريعة الإسلامية ، ورفض ما يطلقون عليه القانون الوضعي ، أهان فكرة وجود القانون لتنظيم حياة المجتمع ، حتى في أوساط الكثير من القضاة - المنوط بهم الحكم بهذا القانون - أنفسهم .
ليس القانون فقط هو ما اعتبروه حراماً ويجب الخروج عليه ، ولكن أيضاً كل السلوكيات المتحضرة ، التي اعتبروها - حسب فهمهم القاصر - نتاج للحضارة الأوروبية لا الحضارة الإسلامية ، فمثلاً ليس مهماً وجود حديقة أو أشجار في الشوارع ، فالحديقة تُزال لبناء مسجد ، ولا احترام للملكية العامة ، فالمسجد يُقام على أي أرض وحتى في منتصف الشارع ... وهكذا .
تزامنت حركة " تديين " المجتمع ، وتسويد نمط مغلوط من التدين ، مع إنتشار ثقافة العشوائيات ، ونزوح عدد كبير من سكان القرى نتيجة لضيق مصادر العيش إلى المدن ، حيث سكنوا في أطراف المدن الكبرى ، وخاصة القاهرة ، في بيوت لا أدمية ، وتواكب ذلك أيضاً ، وتلك هي المفارقة ، مع انتشار وسائل التكنولوچيا الحديثة - التي اخترعها لنا الأوروبيون الكفرة !!! - من إنترنت وفضائيات ، استغلها دعاة هذا الإسلام الجديد أحسن استغلال ، لنشر أفكارهم الآتية من الصحراء ، مستغلين في ذلك مئات الآلاف الذين ذهبوا للعمل في السعودية ودول الخليج ، وعادوا محملين برؤية وهابية نجحوا في فرضها على المجتمع ، وكان سكان تلك المناطق العشوائية هم الوقود الأساسي لدعاة ذلك الدين الجديد ، تواكب ذلك أيضاً مع صفقة مريبة بين أهل الحكم وجماعة الإخوان ، ترك فيها أهل الحكم المساجد والزوايا والميكروفونات والشوارع والميكروباصات لهؤلاء المتأسلمين ، الذين تعهد كبارهم بعدم الإقتراب من كرسي الحكم الأكبر ... كرسي الرئاسة ، وكانت هذه بداية ترسيخ محور تحالف الفساد والإستبداد الذي دشنه قبلها بسنوات أنور السادات .
وغزت الأفكار الوهابية الأزهر نفسه ، الذي عجز عن مقاومتها ، فأصبح رجاله يزايدون في التشدد على مشايخ السلفيين ، ليس في الفضائيات فقط ، وإنما في هيئة كبار العلماء نفسها ، بل وفي دار الإفتاء .
وتم مسح أسماء الشوارع في معظم الأحياء العشوائية ، وتسميتها بما يعتبرونه أسماء إسلامية ، وانتشرت لافتات " الحجاب يا أختاه " و " الحجاب قبل الحساب " في كل تلك الشوارع .
وتحول الدين كله - عن طريق ما يُطلق عليهم رجال الدين - إلى ما يمكن أن نسميه " فقه النصف الأسفل " ، وأصبح الحديث عن " فرضية الحجاب " هو مقدمة حديث أي رجل دين في المسجد أو الزاوية أو الفضائيات .
وأصبح الحجاب هو الركن السادس للإسلام ، كيف ولماذا هذا الإهتمام المريب بفرض الحجاب ، هذا هو ما سنعرفه في الحلقة القادمة .
( يتبع في الحلقة القادمة )
رابط الحلقة الأولى : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=559094








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و