الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار أولية حول مفهوم - الطَرَبْ -

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2018 / 11 / 5
الادب والفن



للحق ، ما كان لي أن أكتب هذه المقالة البسيطة عن مفهومي الخاص لحال " الطرب "، لولا إلحاح بعض الأصدقاء الأعزاء من الذواقة المرموقين في مدينتي حلب الشهباء للموسيقى والفن والمعرفة.
إذ ليس من السهل على باحثٍ بسيط في مجال الفلسفة ، و عازف عود هاوٍ ، ومتذوق عادي لمعظم أنواع الموسيقا العالمية ، أنْ يكتبَ عن موضوعٍ وجداني عميق، غامض شائك بإمتياز، مثل موضوع " معنى الطرب وأحواله ..
وبخاصة أني لست من أولئك الدارسين المُختصين في علم الأصوات والمقام ، ولا من المُتبحّرين كثيراً في قراءة (الصولفيج ) أو النوطة الموسيقية إلى حد بعيد ..
لكن مع ذلك ، لا أرى مانعاً لتبادل الأفهام فيما بيننا حول هذا الأمر وسواه .
في البداية ، لابأس إنْ عرفنا معاً ، أن معظم معاجم اللغة العربية تقريباً - و بحسب اطلاعي البسيط عليها – قد أجمعت مع " لسان العرب "على أنّ تعريف الطرب هو :
خِفَّةٌ وهِزَّةٌ تثير النَّفْسَ لفرحٍ أَو حُزْنٍ أَو ارتياح ...الخ .
وقالت أن الطَّرَبُ هو : الشَّوقُ ، والإجتماع ، ومعنى كلمة طَرَّب : أي تَغَنَّى..
و عندما يقال : طَرَّب فلانٌ في غِنائِه تَطْريباً فهذا يعني أنه رَجَّع في صوتَه وزيَّنَه..
والتَّطْريب في الصوت : مَدُّه وتَحْسينُه. وطَرَّبَ في قراءته : أي مَدَّ في صوته ورجَّع فيه.
وقد نقل قديماً عن امرؤ القيس أنه قال يوماً في أحدهم :
يُغَرِّدُ بالأَسْحارِ، في كلِّ سُدْفَةٍ ، تَغَرُّدَ مَيَّاحِ النَّدامى المُطَرِّب ِ
وأما تعريف الطرب عندي ، كما أفهمه وأشعر به ، فهو :
وصولٌ حدسيٌ وجداني ، يأخذ بتلابيب المرء العاقل إلى غاية الاربْ ، فيما يُراد الشعور به عن محبةٍ ودهشة وعجبْ..
حيث يكون فيه الإنسان المطروب ، في حالٍ فريد مؤقت من الفهم العام والاحساس الكلي المُجرّد .
والطرب قد يأتي به المرء دون أن يكون ذا دُرْبة أو تعلم أو دراية كافية لفن من الفنون ..
وليس بالضرورة ، أن يطرب فقط ، الإنسان العارف بالفن و لغة الموسيقى .. وحسب.
فكما أن هناك أعْطية التذوق البصري الشفيف ، وموهبة إدراك الأبعاد في المكان والزمان الخاص كما (في الرسم أو التشكيل أو الحركة) ، هناك أيضاً لدى البعض ، موهبة السمع الرهيف للصوت والصمت (في فنون الصوت و الموسيقى)، وهي لا تقل أهمية - في إعتقادي - عن موهبة العزف والغناء أو الرقص أو ..الخ.
و الأنية (او اللحظة ) الطربية ، هي ردة فعل للوعي ، قصيرة نسبياً ، يقوم بها إنسان مرهف الحس وشفيف الخاطر ، على نوع خاص من الجمال الحركي (الموسيقا – الرقص ..) ، المُختلف – نوعاً ما - عن الجمال البصري الساكن (النحت أو الرسم أو في العمارة أو .. الخ) ..

ولا أشك مطلقاً في أن الشرق الغني بثقافاته الفنية ومكوناته الجمالية القديمة ، فيه من حال النغم الفريد والإنساني ، الشيء النادر والمُتميز، بل أخاله يكتنز الكثير من نفائس الجمال و جواهر الفن الإنساني ،
وأرى أنه يستحق أن يُفرد له كثيرا من البحث والدراسة ، وزمناً طويلاً من التمَعّن والتأمل .. في ما يحتوي هذا المشرق بالذات ، من مزيّات فنية وخاصيات جمالية ،
وبخاصة أساليبه الفنية المبتكرة وحلوله الابداعية الفريدة ، المتمثلة في كيفية نقل وتحويل الافكار الى احاسيس صوتية و لونية وشكلية .. الخ .
والتي رأينا كيف قُدمتْ إلى العالم – تاريخياً - عبر آثار ذات تعقيدات تعبيرية مذهلة ، سُكتْ أسرارها عبر عصور طويلة ، وصيغت إبداعاتها في مَراجل ثقافات مختلفة متعاقبة ، لتعطي - بعد ذلك - العالم باسره هذا الفضاء الفسيفسائي المميز من البناء والتشكيل والانتاج الفني والموسيقي ..
الى درجة يكاد يصح القول ان الشرق له بالفعل ، حق الأصل والفضل ، في ظهور بعض التنويعات والتشكيلات والنغمات الموسيقية المبتكرة ..
مما لا يمكن لجاحد التغاضي عنه ، أو جاهل انكاره البتة ..
ولئلا يكون الكلام مرسلا .. أو مرمياً على عواهنه ..
هاهو المثال كائن أمامنا ، في ربع العلامة الموسيقية واجزاءها الدقيقة ( أوما يسمى بالكومات)،
والتي بات القاصي والداني في علم الفن والموسيقى يعلم بأنها السر الدفين الذي يصبغ بفرادته النغمية والمقامية موسيقا الشرق بأجمعه ،
لتتناسب – في اعتقادي - مع أمزجة شعوبه من سكان مناطق المناخ الوسطي المعتدل ..
و لتتفق مع معايير الحياة العاطفية الشرقية ، من حيث حساسيتها في التعبير و الصمت ،
ورونقها في نمط الفهم والحياء عند المشرقيين بشكل خاص، قبل أن تمتد بتأثيرها الواسع الى الذائقة الفنية للانسانية بشكل عام ..
للحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى