الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 4
دلور ميقري
2018 / 11 / 5الادب والفن
كأنما السيرة المراكشية، بكل شخصياتها ووقائعها، حكايةٌ أختلقها خيالٌ جامح لكاتب من الكتّاب. فيما المكان، ( المدينة الحمراء )، حقيقة ماثلة للعيان وليسَ مجرد بيئة رمزية لتلك الحكاية. ماذا عن الزمن إذن، المفترض أنه أمتد في الحكاية دزينتين من السنين؟ وإنه زمنٌ مطابق تقريباً لسنّ ابنة " فرهاد " الوحيدة، المجهولة المصير كمعظم تلك الشخصيات. بصفته محقق السيرة، كان من الطبيعي أن يشعر " دلير " بالإحباط طالما أنه عجز عن لقاء أيّ من شخصياتها، المفروض أنهم ما زالوا مقيمين في المدينة: ثمة في الفيللا، سبقَ لمالكيها الجدد أن ابدوا جهلهم بعنوان سكن أصحابها الأوائل من آل " الفيلالي ". وكان صاحب الكشك، الملحق بالفيللا، قد وعدَ بمحاولة تدبير هاتف ابنهم الكبير.
" إلا أنني وحدي هنا، من يعبأ بمسألة كون السيرة حقيقة أو اختلاقاً "، فكّرَ بينما الأوراقُ تتقلّب بين يديه وهوَ في عزلة حجرته بالدور العلويّ. بيْدَ أنه لاحظ مع ذلك، كيفَ صار أفرادُ الأسرة المُضيفة ينظرون إليه بتعاطف متزايد ودونما أن يُدرك سببه. حتى باحَ له " إدريس " أخيراً بتفاصيل حديثه معهم عن الكتاب المراكشيّ، وبالأخص مسألة الإهداء الملكيّ السامي. كشّر " دلير " عند ذلك عن ابتسامة حانقة، ثم عقّب بالقول المأثور: " أمل إبليس في الجنة! ". وكانا يومئذٍ في باكورة الصباح، مختليين في الصالة العلوية، التي انتقلت منها حديثاً الابنة الصغرى للأسرة بعدما تحسنت حالة قدمها. ولكن الصهرَ بقيَ محتفظاً بحجرته، بما أنّ تغييراً آخر سيجدّ سريعاً في المنزل: الصالة الأرضية، سيتم هدمها وتعميرها من جديد كي تصبح مفتوحة على صحن الدار بعدما يُكسى سقفها وأقواسها بزخارف الجص، فيما جدرانها تلبّس بالسيراميك المغربيّ ( الزليج ). كون العمل سيستغرق قرابة الشهر، كان على بعض أفراد الأسرة السفر إلى الصويرة؛ ثمة حيث يقيم الابن الأصغر، الذي يعمل في أحد فنادقها.
***
" هذه الرحلة إلى الضاحية، ربما تكون آخر محاولة في سعيي لإثبات واقعية السيرة "، قال لنفسه في وقتٍ كانت فيه سيارة ابن حميه تندفع كالسهم على الطريق المنشود. لعل ما خففَ من إرهاقه بالفكرة، كانَ القلق الناجم عن السرعة المتهورة. ولكنه معتادٌ على طريقة قيادة " إدريس "، المُتخللة بشتائم طريفة منهالة يميناً وشمالاً على سائقي المركبات والدراجات النارية وحتى المشاة المارّة. الخلاء، الذي كان يمتد قبل ربع قرن بين المدينة والضاحية، أضحى الآنَ مساكن متلاصقة أو فيللات يفصلها عن بعضها البعض مزارع مزدهرة. مضت سيارتهما تشق طريقها بين هذه وتلك، يخيم عليها سماءٌ تلمع كاللؤلؤ بفعل شمس الأصيل. في الأثناء، كان يترامى خِلَل نافذة السائق الأصواتُ الأليفة للريف متماهٍ مع رائحته الحريفة.
بزغ أمام عينيّ " دلير " شريطٌ من ذكريات مَن سبقوه، الذين دأبوا على المرور جيئة وذهاباً عبرَ الطريق نفسه، سواءً أولئك المخلفين انطباعاتهم كتابةً؛ مثل " مسيو غوستاف "، " فرهاد "، " شيرين "، " سوسن خانم " و" سيامند ".. أو غيرهم من شخصيات السيرة، المارين عبرَ السرد؛ ك " الأميرة "، " مسيو جاك "، " الشريفة "، " حمو "، " غزلان "، آلان " و" زين ". الشقيق الكبير لهذين الأخيرين، كان قد أشترى ذلك المنزل الشبيه بالرياض، المملوء بدَوره بذكريات من ملكوه قبلاً. وها هوَ " دلير " في الطريق لمقابلة الرجل، أملاً في الحصول منه على معلوماتٍ تفيد مهمته.
ثم شق نداءُ " الله أكبر " عنان السماء، متبوعاً ببقية لازمة الأذان الداعي لصلاة العصر. وكانت السيارة عندئذٍ تتوغل في درب الضاحية، مثيرةً الغبارَ وفضولَ أولئك القابعين تحت أسقف الدكاكين والأكشاك، المتراصفة على الجانبين. تمهل " إدريس " كي يسأل أحدهم، ثم ما لبثَ أن قاد المركبة قُدُماً إلى العنوان المطلوب. هناك أمام منزل منيف، لاحت جدّة الترميم على واجهته، وقفت السيارة أخيراً. دلفَ منها السائق، وما عتمَ أن وضع إصبعه على جرس الباب. بينما انتظر صهره في مكانه، مكتفٍ بفتح باب السيارة سعياً لتلقي الهواء في هذا الجو الشديد الحرارة. نداءٌ آخر، صادرٌ من الأعماق، راحَ يطن في رأسه: " عبثاً كل هذا الجهد، عبثاً..! ".
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح