الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول تصريحات السيسى

سليم صفي الدين

2018 / 11 / 7
حقوق الانسان


من حق كل مواطن أن يعتنق ما يشاء من أديان، أو أن يعلن إلحاده، هذا ما صرح به الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال كلمته بجلسة "دور قادة العالم فى بناء واستدامة السلام" خلال منتدى شباب العالم، فقد قال صراحة: "من حق المواطن أن يعبد أو لا يعبد" ما دعا أحد الشباب المصرى المعروف فى الأوساط الإعلامية بأنه "ملحد" إلى أن يكتب عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك: "الرئيس قال إن الإلحاد حرية، آن الأوان لأن نعلن عن أنفسنا". وهنا سؤال مطروح: هل الحقوق والحريات مجرد تصريح يدلى به الرئيس؟ وماذا لو كان التصريح مسيسًا لغرض مّا وليس بقصد ما تم التعبير عنه صراحةً؟


حقوق المواطن ليست تصريحًا يدلى به مسئول مهما كانت سلطته، إنما العقد الاجتماعى الجامع بين الإدارة والمرءوسين، لعقد أو اثنين، هو المالك والضامن الأساسى لحق كل فرد فى التعبير عن رأيه وكينونته، ففى المادة (53) من الدستور المصرى «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء..."، وتنص المادة (54) على أن "الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق..."، أى أننا لسنا بحاجة إلى تأكيد من الرئيس أو غيره على حريتنا الفردية والاعتقادية، فضلا عن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى نص فى المادة 19 على «حق التمتع بحرية الرأى والتعبير». وتضمّنت هذا الحق ذاته المادة 19 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ إذًا فما أدلى به الرئيس ليس جديدًا، إنما هو غير مُفَعَّل!


الرئيس من جهة يعلن ويصرح عن أمور، والحكومة تفعل غيرها تمامًا فى الجهة المقابلة، والأزهر والجماعات السلفية تستمع لخطابات الرئيس لتفعل عكس ما أدلى به "تقريبًا"، والمعارضة ليس لها وجود حقيقى كى تعترض أو تؤيد، وحتى نصل إلى تلك النقطة، لا بد من وجود حياة سياسية حقيقة، وحتى يتحقق ذلك يجب أن نقر أولا حق المواطن فى الحرية، وحتى يمارس المواطن حريته لا بد من ضامن وضابط لهذه الحرية، وهو القانون والدستور، اللذان بدورهما يقفان على أبعاد متساوية من كل المواطنين باختلاف دياناتهم وأعراقهم... إلى آخره، وحتى تصبح الحياة السياسة مكتملة الأركان لا بد من وجود عاملين أساسيين فى هذه المعادلة: "الأحزاب السياسة ومنظمات المجتمع المدنى" و"الإعلام الناقد والناقل لكل الآراء". تبدأ دورة السيطرة من العكس، الإعلام أولاً، ثم تهميش الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع، ومن ثم التضييق على الحقوق والحريات باستخدام الضامن الأول لها: الدستور والقانون.


وكى نخرج من هذه الدائرة لا بد من وجود معارضة قوية، تتمثل فى كيانات مؤسسية وليس أفرادًا يدلى كل واحد منهم برأى، فيسهل على أثر هذا اعتقاله أو توجيه تهم له مثل التى سمعنا عنها مؤخرًا: "نشر أخبار كاذبة، تكدير السلم العام... إلخ". أما العمل من خلال مؤسسة تعمل تحت إطار القانون -الذى يضمن الحرية وحق التعبير- سالف الذكر، فيضغط على الحكومة من جهة، ويعمل على ضم المؤيد لسياسته أو الرافض لسياسات النظام بشكل عام من جهة أخرى، وأرى أن الحل يكمن فى دمج أحزاب المعارضة حتى يتاح لها مزيد من التمويل وكثير من الضغط، فبدلاً من تمويل 7 أحزاب مثلاً، تُضخ كل الأموال فى حزب واحد، وبدلاً من وجود شخصية ذات تأثير دولى ومحلى فى كل حزب، فلتكن شخصيات كثيرة مؤثرة فى حزب واحد، ومن هنا ربما يبدأ تكوين معارضة حقيقة وقوية، تجذب الشباب للعمل السياسى، وتعمل على أن تكون أقلية مؤثرة، وتقدم نفسها كبديل سياسى للمرة الأولى منذ يناير 2011.


ما أدلى به الرئيس فى حقيقة الأمر ليس له أهمية، وما ذكرته من مواد الدستور كذلك، فكل هذا ينهدم تمامًا أما عنفوان المادة الثانية من الدستور المصرى، والتى تنص على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، وهنا أعود إلى السيد الملحد الذى احتفى بكلام الرئيس، وأذكّره بأن الشريعة الإسلامية لا تعترف بغير الأديان الإبراهيمية "الإسلام والمسيحية واليهودية"، حتى إن المسلمين الشيعة الذين وصل عددهم إلى نحو 3 ملايين مصرى، ليس لهم حق الظهور وممارسة شعائرهم؛ فهل يسمح مصدر التشريع الرئيسى له بأن يعلن عن رفضه لكل الأديان وحتى للإله؟ أترك له الإجابة.


الدول لا تُبنى بالتصريحات، بل بالتعددية الفكرية والحزبية، وحقوق المواطن ليست كلمة فى فم الرئيس، بل هى دستور وقانون لا يفرق بين المؤمن والرافض لكل الأديان، والإرهاب لا يمكن محاربته أمنيًا فقط، إنما تتوازى مع المواجهات الأمنية مواجهات فكرية يطرح من خلالها المثقفون والمفكرون مفاهيم جديدة تتماشى مع العصر المتطور الذى نعيشه، فليس من الممكن مواجهة الإرهاب وهناك من يتم وصفهم بـ"العلماء" يجهرون ليل نهار بكفر كل من هو غير مسلم، بل الأدهى من هو على غير العقيدة السنية!
الحرية هى الحل.. التكتل هو الحل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط