الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكرد الشهيد والمبدع

محمود عباس

2018 / 11 / 7
القضية الكردية


الشهادة سمو لا يبلغه أي كان إلا إذا تحلى بعقيدة الفداء من أجل فكرة أو هدف أو نصرة حق.
فالشهادة موجودة قديما، ولكنها تجسدت لدينا بشكلها الحالي، عندما انتشرت المسيحية كديانة عالمية، والإسلامية فيما بعد. فكلمة شهيد (Martyr) من اليونانية (Martus) وتعنى شاهد (witness) للإيمان المسيحي أو الذي يقدم شهادة عن المسيح عليه السلام. وكانت كلمة شهيد تطلق، في بداية العصر المسيحي، على الرسل الاثني عشر. ثم أطلقت على كل من يُسفك دمه في سبيله. ومن ثم اتخذها المسلمون.
الشهادة:
لشهداء الوطن مرتبة عالية لدى أبناء وطنهم. بالرغم من تضحية الشهيد بحياته في سبيل وطنه، يبقى ضمن حيز محدود هو الوطن، وفي ذاكرة مجموعة معينة من البشر هم أبناء وطنه. ومع مرور الزمن لا يبقى من ذكر غالبيتهم سوى أنهم شهداء. والسبب بسيط، لا يحتاج الاستشهاد في سبيل الوطن براعة ذهنية، فكل ما عليه أن يتبرع بحياته لوطنه مدافعا عنه حتى الشهادة. وجلنا يعلم أن دماء كردية غزيرة أريقت على أرض كردستان، وعلى مدى قرون طويلة، إلى درجة من الممكن أن نقول إنه لا توجد صخرة أو منبع ولم ترتوي بدماء الشهداء، وإذا أردنا أن نوفيهم حقهم، فلربما علينا أن ننصب تماثيل على طول جبال كردستان وفي أعماق أوديتها، على طول ضفاف أنهارها العديدة.
الإبداع:
يعرف الإبداع على أنّه القدرة على الإتيان بأمر جديد في أي مجال من مجالات العلوم أو الفنون أو الحياة بصفة عامة.
والمبدع علاوة على تخليده في ذاكرة أبناء وطنه وافتخارهم به، يتجاوز ذكره حدود وطنه، ليصل إلى العديد من الشعوب والأوطان إن لم يكن مجمل الكرة الأرضية، وعلى مر القرون.
فسقراط، وأرسطو، وأفلاطون وغيرهم من عظماء الفكر، لم يقف ذكرهم عند محيط وطنهم، بل تجاوز إلى أصقاع الدنيا برمتها، وكذلك لم ينتهِ هذا الذكر بموتهم أو احتلال وطنهم، لقد بقي وإلى الآن، وسيستمر. لقد جاهدوا لاكتساب المعرفة وتراكمها ليجسدوها على أرض الواقع نتاجا يستفيد منه البشر.
هنا، المبدعون ليسوا كالشهداء عددا، إلا أنهم أخلد منهم، ليس في ذاكرة أبناء وطنهم؛ وإنما في خلد البشرية. فنتاجهم لم يقتصر على بني جلدتهم، بل هو ملك بشري خالص. حينما نتذكر فلاسفة اليونان ورياضييهم وفيزيائييهم، لا يتبادر إلى أذهاننا شهداء هذا الشعب في سبيل استقلال دولتهم وتضحيتهم من أجل صونها وحريتها. ما نتذكره هو عظمة هذا الشعب في عطاء هؤلاء العظماء.
لقد احتل العثمانيون اليونانيين، بل قضوا على معظم ممالكهم؛ ولكنهم لم يستطيعوا أن يقضوا على علمائهم ومبدعيهم، فظلوا يونانيين، ولا زالوا. واستعربت مصر كلاوديوس بطليموس الفيلسوف اليوناني، ولم يبقَ لليونانيين أثر يذكر فيها، ولكن كلاوديوس بطليموس اليوناني المصري ظل يونانيا وليس مصريا.
أظن أنه لو قمنا بتحقيق بين الجماهير الكردية بهذا الخصوص لوجدنا الغالبية إلى جانب تفضيل الشهيد على العالم المبدع، لكون التضحية بالروح في نظرها أعظم من أي شيء. في الواقع، النفس الحية تأبى الموت إلا في حالات نفسية خاصة.
فالميت الذي لم يترك أثرا جاريا يُنسى، في حين من خلف وراءه آثارا مفيدة يبقى خالدا. فالآثار الخالدة تحافظ على خلود أصحابها ومن خلالهم خلود شعبهم، وإن اندثر هذا الشعب وانمحى من على وجه الأرض.
ما ورد أعلاه يقودنا نحن الكرد إلى واجب قومي هو: أن نقدر مبدعينا الكرد وخاصة الذين حملوا ويحملون القضية الكردستانية كأهم القضايا، ويجعلونها في مقدمة اهتماماتهم الفكرية، والذين ستبقى ذكراهم أبدية في الحيز الكردستاني بل وربما العالمي، حيث سيظل اسما حيا ما دام نتاج هؤلاء العلماء والمبدعين الكرد متداولا بين البشر لفائدته.
ما يعاب علينا أننا نهمل ولا نقدر هؤلاء المتميزين حق قدرهم، ويتم تقديرهم لدى غيرنا من الشعوب، إن دل هذا على شيء؛ إنما يدل على قصور في تقديراتنا ومقاييسنا لمعرفتهم، وتكريمهم بما يليقون به. وما يؤسف له أننا ندرك مكانة هؤلاء بعد أن يشيد بهم غيرنا، لهذا خير برهان على جهلنا المطبق لقدراتنا الحية وتخلفنا المميت.
ويبقى أن ننوه إلى أنه على المبدع الكردي المعاني من كل الكوارث المحاطة ببيئته، ألا ينزلق إلى ما قد يؤدي به أو بأي من المثقفين الكرد المصنفين في خانة الإبداع إلى خسارتهم مصداقيتهم، من خلال جرهم إلى مطبات هم بغنى عنها، من قبل أعداء الكرد، أو الانتهازيين من الكرد ذاتهم، كدفعهم إلى الكتابة في قضايا لا تعكس مفاهيمهم التنويرية، ولا تؤدي إلى توعية المجتمع، ليبعدوا المجتمع عنهم أو يبعدهم عن مقدراتهم التنويرية، ولا تعني هذا أن نتخلى عن المبدع الكردي في مطبه أو خطأ أو حتى أخطاء لا تجاري ومكانته الإبداعية والتنويرية.
وفي المقام الأخر لا يعني هذا ألا ننحني أجلالا وتكريما لشهدائنا، ونقدم كل الخدمات التي نتمكن منها لعائلاتهم، ومثلها للذين أصابوا بعاهات جسدية أو نفسية أثناء الدفاع عن الوطن وكرامة الأمة.
وما نعنيه هنا أن نمهد لمستقبل مشرق حضاري لأمتنا كما نخدم حاضرنا.
عزيزي القارئ، هل توافقني أم تخالفني الرأي أننا لا نقدّر مبدعينا؟
إن لم يكن صعبا عليك أن تبدي لي رأيك على بريدي الإلكتروني التالي:
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
1/11/2018م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل