الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا: السياسة وسيرك الديمقراطية

ناجح شاهين

2018 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


عرس الانتخابات الأمريكية يشبه دوري كرة القدم أو دوري كرة السلة أو كأس العالم أو كأس أمم أوروبا. إنه حدث متواصل لا ينتهي إلا ليبدأ. وإذا كان الحدث الرياضي الذي يشغل مئات الملايين يأخذ غفوة قصيرة بين فينة وأخرى، فإن "السيرك" السياسي الأمريكي لا يتوقف أبداً. بل لعل من الطريف بالفعل أن موضوع الانتخابات هو موضوع شؤون الساعة على مدار الساعة. بالطبع دون أن "نتعالم" أو نتذاكى، من البدهي أن هذا جزء من السيناريو المتقن لممارسة انشغال الناس الأبدي في اختيارات وهمية وآمال عريضة بتغيير مزعوم لن يأتي بطبيعة الحال أبداً.
كان الشاعر أحمد فؤاد نجم قد كتب محتجاً على قلق الإعلام العربي مطلع السبعينيات بخصوص نتائج الانتخابات الأمريكية، وهل سيذهب الديمقراطي جونسون ويأتي الجمهوري نيكسون أم لا:
"جونسون روح
نيكسون جاء
قولوا هأوأ
أو قولوا هاء
على صحافتنا الغير غراء"
لكن عادة متابعة الانتخابات الأمريكية في تفاصيلها الدقيقة لم تتوقف لا عربياً ولا عالمياً. والمدهش أن تلك الانتخابات ما تزال تشكل محور اهتمام البشرية كلها. ربما في هذه اللحظة نجد أنفسنا في ذات الموقف الذي وقفه أحمد فؤاد نجم قبل أكثر من ثلاثين سنة. فاليوم علينا أن نقرر هل نحن مع الديمقراطيين أم مع الجمهوريين. لكن الاختيار كان أكثر سهولة في الماضي، فالواقع أن الذاكرة العربية والفلسطينية لم تنس بعد أن الرئيس الأسمر أوباما الذي حصل على جائزة نوبل بسبب خطاب ألقاه في القاهرة عن بناء السلام، لم يفعل أي شيء غير الكلام ليميز نفسه عن سلفه الكاوبوي جورج بوش.
وفيما يخص ما يتعارف عليها بقضية العرب المركزية ونعني فلسطين، فقد تدحرجت الأمور أيام ترامب باتجاه اسوأ دون شك. لكن من يتمتع بذاكرة طيبة يعلم أن المواقف الأمريكية قد تعمق انحيازها لإسرائيل ومجافاتها لفلسطين مع كل رئيس جديد. ومثلما هو معروف فإن أي مرشح أمريكي جديد عليه أن يقطع وعوداً لدعم إسرائيل تتفوق على أسلافه، وإلا فإنه يفقد الامتياز الذي سيدفع "ايباك" إلى دعمه.
من ناحية أخرى يبدو أن اتجاه صيرورة السياسة الأمريكية ينحو باتجاه المزيد من الإمبريالية والمزيد من نهب الشعوب عبر تعميق وصفات العولمة التي ذاقها الناس خصوصاً في بلادنا حتى تمكنوا من طعومها جيداً. اليوم طعم العولمة يحمل اسم فرض "الأحكام العرفية" على العالم ومطالبته بالخضوع للإرادة الأمريكية دون قيد أو شرط. ولذلك فإن المرشح الديمقراطي لا يستطيع إلا أن يكون قوياً مثل المرشح الجمهوري في أمن إسرائيل وفي محاربة الإرهابيين ومواجهة الصين وروسيا، لأن هذا هو ما يربح قلوب الناخبين.
لا جرم أن المقارنة بين الجمهوري والديمقراطي لا تشبه أي شيء في الدنيا . ولعل ذكر إسرائيل في هذا المقام أن يتسبب في الكثير من الضرر للتحليل الذي نود تقديمه. فالواقع أن إسرائيل دأبت على أن تكون بلدا "تعددياً" بالفعل. ويكفي أن نذكر في هذا السياق الفروق بين أحزاب مثل ميرتس خصوصاً أيام شولاميت ألوني وبين حيروت أو كهانا حي. في أمريكا تستعصي الفروق بين الحزبين اللذين لا ثالث لهما على كبار المحللين والخبراء. ولعل موقف نعوم تشومسكي الطريف بالفعل يعبر عن الموقف خير تعبير:" الفرق الوحيد بين الديمقراطيين والجمهوريين هو أن الحزب الديمقراطي يقبل الشاذين جنسيا وأما الجمهوري فلا يقبلهم." ربما أن الرجل يبالغ قليلا ونرجح من جانبنا أنه بالإمكان البحث عن قبضة من الفروق من نفس عينة الفرق الذي يذكره تشومسكي لكن لا أكثر من ذلك.
من جانبنا نميل إلى تحليل النظام الأمريكي بما يشبه طريقة مفكري مدرسة فرانكفورت. وهو تحليل يؤكد أن المواطن قد تم تضبيطه وإخضاعه لآليات النظام الرأسمالي . وليس خافياً أن النظام هو نظام النخبة المتنفذة. ولم يعد أحد يجهل أن الرئيس الأمريكي والحزب الذي يحكم مجرد أدوات لمصالح الرأسمال العملاق. أما الانتخابات فهي مجرد طريقة لتسوية مواقع قوى وثقل الرأسمال في لحظة معينة. وهنا لا مجال لإنكار دخول الحظ في العملية الانتخابية، لكن يجب أن لا يتوهم المرء أن تغير الإدارة من حزب إلى حزب يغير أي شيء في المستوى الجوهري. ربما أن رئيساً ديمقراطياً كان سيؤجل نقل السفارة إلى القدس أو ينفذها بطريقة أقل "إذلالاً" للعرب والفلسطينيين. لكنه بالطبع لن يقف مطلقاً حجر عثرة في طريق تحقيق مصالح السياسة الأمريكية العليا أو مصالح الشركات العملاقة.
فيما يخص اللحظة الراهنة فإن وجود دونالد ترامب على رأس الإدارة الأمريكية ليس كله شراً محضاً، وعلينا أن لا نتطير أكثر مما يجب. فالواقع أن ترامب كشف الكثير على نحو فج لكل من يرغب في المشاهدة. وربما يكون قد مضى فعلياً مسافة أبعد بكثير من أي رئيس آخر في اتجاه الفاشية من ناحية والانحياز لإسرائيل من ناحية أخرى. لكننا على الرغم من ذلك لا نستطيع الا أن نؤكد أن الولايات المتحدة ليست رهناً بإشارة هذا الرئيس أو ذاك وإنما باستراتيجية يرسمها خبراء يعملون في السياسة والاقتصاد والحروب، لا علاقة لها بترهات رؤساء قد يبلغ بهم الجهل أن لا يعرفوا الدول المجاورة للولايات المتحدة كما هي حالة معظم الرؤساء الجمهوريين بعد الحرب العالمية الثانية.
لنتذكر أن الرئيس الأمريكي الجمهوري نيكسون، ولنغفر له فضائحه، هو الذي تمكن في نهاية المطاف من إخراج العالم وبلاده من ويلات الحرب في فيتنام. صحيح أن الفضل في ذلك هو بالأساس للمقاومة الفيتنامية ولكن يجب أن لا ننسى أن الديمقراطيين قد فشلوا في التقدم نحو هدف إنهاء الحرب. اليوم ليس بغريب كل الغربة عن الأمس والمقاومة الشجاعة للحلف الإيراني/السوري وحزب الله يمكن أن يقود إلى تراجع أمريكا حتى تحت قيادة القومي الفاشي ترامب. وقد لاحظنا تخبطه المثير للشفقة في موضوع فرض العقوبات على إيران بسبب محدودية القوة الأمريكية في هذه اللحظة قياساً إلى أزمنة سابقة.
إن اصطفافاً عالمياً في وجه مشروع الإخضاع الفج الذي يحمل الاسم الحركي "دونالد ترامب" وتنسيق الجهود المقاومة في الحد الأدنى قد يؤدي إلى انكفاء الوحش الأمريكي المنفلت من كل الضوابط على نفسه. وأما إطلاق الأمنيات بسقوط الجمهورييين ونجاح الديمقراطيين فلا يفيد في شيء. ولنختم بالتذكير أن الأمريكان البسطاء عادة يعشقون "القائد" الذي يمتهن شعوب الأرض والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة. الأمريكي "الليبرالي" يشكل أقلية في الولايات المتحدة التي تعد بلداً محافظاً متديناً أكثر من أي بلد في شمال العالم.
يجب أن يحس الأمريكي العادي أولاً أن سياسة القوة والغطرسة لا تعود عليه بالربح أو على الأقل بالربح المطلق. ويجب أن يجد من يخرجه من أوهامه التي تخص اتجاه التاريخ نحو بناء مملكة الرب في "أورشليم". ولعل أفضل ما نقوم به نحن العرب من أجل ذلك الهدف هو تصعيد المقاومة العربية والفلسطينية في الجبهات المختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي