الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سالم مُسَلَّح ، وسالم غير مُسَلَّح .. وكلاهُما لم يَعُدْ من الحرب

عماد عبد اللطيف سالم

2018 / 11 / 7
سيرة ذاتية


سالم مُسَلَّح ، وسالم غير مُسَلَّح .. وكلاهُما لم يَعُدْ من الحرب


قالَ لي ..
في عام 1976 تمّ استدعائي لأداء الخدمة العسكرية الالزامية ، كجندي مُكلّف "سالِم مُسَلَّح" ، في "شمال الوطن العزيز".
في عام 1980 تمّ استدعائي لأداء خدمة الاحتياط ، كجنديّ احتياط "سالِم مُسَلَّح" ، في كتيبةٍ للمُخابَرة ، "جنوب الوطن العزيز".
في نهاية عام 1983 قرّرتُ الإفلاتَ من مصير القتلِ أو الأسر المحتوم ، فتقدّمتُ بطلبٍ لإحالتي الى لجنةِ طبيّةٍ ، مُتذَرِّعاً بـ "قُصْر النظرِ" الشديدِ والمُزمنِ الذي لازمني منذ عصر سيّدنا نوحٍ ، وما يزالُ يُلازمني الى هذه اللحظة.
قامت اللجنة الطبية بفحص بصري ، وتحويلي من سالم "مُسَلّح" .. الى سالِم "غير مُسَلّح" .
فور تبليغي بهذا القرار ، ذهبتُ الى وحدتي ، وبقيتُ أرقصُ حتّى الفجر فوق طينِ الخنادق، وسط دهشة واستغراب جميع الضبّاط والجنودِ والمراتب ، الرابضين على جانبيّ "الأرض الحرام".
ولكنّ فرحتي لم تدُمْ طويلاً .. فبعد يومين فقط تمّ نقلي من كتيبة المخابرة "الرقيقة" ، الى كتيبة هندسة الميدان "الخشِنة" . وفور وصولي الى مقرّ كتيبتي الجديدة ، تمّ تكليفي بنقل الألغام و "بكرات" الاسلاك الشائكة ، الى "المفارز" العاملة في الخطوط الأمامية.
وبدلاً من عملي القديم ، الذي يتلخّصُ في العبارة اللاسلكية الشهيرة : "ألو خمسة واحد كيف تسمعني أجب .. جيّد أجب" ، بدأتُ بأداء مهام منصبي الجديد ، وهي نقلُ صناديق الألغام على ظهري الباسل ، بانتظار أن ينفجر أحد الألغام عليّ في أيّة لحظة . أمّا الأسلاك الشائكة فكنتُ أقوم بنقلها ، وأنا جالسٌ فوقها في حوض "الإيفا" ، بينما يقطرُ الدمُ من مؤخّرتي المفتوحةُ على مصراعيها ، في لحظاتِ الدبابيسِ تلك .
بعد أسبوعٍ واحد ، بدأتُ أفكّرُ بالفرار من الخدمة . ثُمّ تراجعتُ خوفاً من العواقب التي كانت وخيمة جدّاً آنذاك. بعدها طلبتُ مقابلةَ "الآمر" ، الذي دخلتُ الى مقرّهِ فَزِعاً ، وقلتُ لهُ متوَسِّلاً : يمعوّد سيّدي ، آني خرّيج كليّة ، وخوش ولَد ، و عندي "جَهّال" ، وأمّي أرملة ، و "مرتي" يتيمة ، وأريد أرجَع لـ كتيبة المخابرة "سالِم مُسَلّح" ، لأن زرقاء اليمامة براسها ، متشوف العدوّ ، مثل ما أشوفه آني !!!.
لم تنجح المحاولة طبعاً ، لأنّ طلبي كان يُخالِفُ جميع السياقاتِ المعمول بها في جيوش العالم كافّة.
في عام 1987 عُدْتُ الى الخدمة العسكرية بعد "انتدابٍ" كولنياليّ دام سنتين ، لكوني خرّيج ، و غير مُسَلّح ، و مُعيلٌ وحيدٌ لأسرتي ، و لديّ خدمة طويلة في وحدات "الانذار جيم" .
بعد أيامٍ من التحاقي بكتيبتي الجديدة ، صدر أمر نقلي الى احدى جبهات الحرب في "شرق الوطن العزيز".
قلتُ لهم : ولكنّني غيرُ مُسَلّح ، أي "سلاح سِزْ" .. ولا أصلحُ للقتال ضدّ"العدوّ" ، لأنّني لا أستطيعُ أنْ أرى هذا العدوّ أصلاً ، حتّى لو مرّ أمامي مُتبختِراً في وضح النهار ، وفي فمه "نركَيلة" من العيار الثقيل .. وإنّ بامكانهم التحقّقَ من ذلك بإحالتي الى لجنة طبيّة ليتأكّدوا من أنّ "قُصر النظر" مايزالُ يُلازِمُني منذ عهد سيّدنا نوح ، والى هذه اللحظة.
أرسلوني الى مركز فحص "شرحبيل بن حسنة" .. وعرضوني على لجنةٍ طبيّةٍ هناك .. وخلال لحظات اتّخذتْ اللجنة قراراً تاريخيّاً يقضي بكوني "سالم مُسلّح" .. و بأنّ "نظري" قادرٌ على اختراق جميع التحصينات المُعادية ، وعلى بُعدِ ألفِ ميلٍ على الأقل ، من أقربِ "عَدُوٍّ" ممكن.
أنا سالم "المُسَلّح" .. و سالم "غير المُسَلّح" .. أذهبُ منذُ يومِ مولدي هنا ، في بلاد السواد العظيم ، الى جبهاتٍ عديدةٍ .. وأخوضُ حروباً لا تنتهي مع "أعداءَ" لا حصرَ لهم ولا عَدّ .. مُرتدياً نظّارةً سميكةً تجعلُ الدمً ماءاً ، والسَخامَ ندىً ..
ولمْ أعُد من هذه الحروبِ الى الآن ..
إلى الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل