الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاص محمد الصغير داسة يخرج قصصه في أبهى حللها وصورها

فضيلة معيرش

2018 / 11 / 8
الادب والفن


هو قاص يقحمك في عالمه السردي ، يدخلك في تفاصيل بوحه ، يمنحك أسباب المشاركة في بناء منتجه ، يتطرق لأشياء ظل مسكوت عنها زمنا يغوص بين ثناياها ، حيث الانكسارات و الخيبات ، ذاك السّرد الماتع الذي يجنح بالقارئ
إلى تتبع تفاصيل منتجه القصصي ، هو أحيانا يحمل قلمه مقوما وأحيانا منوها ومرة أخرى منطلقا بفكره محلقا كطائر يجوب سماوات الحرية و الإبداع . معجمه اللفظي غزير وإن كانت القصة القصيرة من أكثر الأنواع الأدبية تعقيدا .
و يجب إتباع تقنياتها المعروفة والمحددة .، حيث المقدمة التي تأخذ حيزها الكافي ، و الحبكة التي تتمتع ببهجتها ورونقها الأدبي الأخاذ و التوفيق في الصياغة .القاص محمد الصغير داسة قد وفق في ذلك كلّ.
هذا بالإضافة إلى ترفه الواضح في استعمال اللغة دون بهرجة أو إسراف ، قصصه تعالج الواقع بصيغ مختلفة و تحمل بين طياتها الفكرة المقصودة أو المغزى المرجو . يبدو حنين القاص في قصة " أولاد ... الضباب " " طفل من الدشرة "
واضحا فهو يبدأ قصته بعنوان دال ومعبر وإن كان شطره الأول غير مباشر ، رمزي وأيضا جاء نكرة وهذا ما يمنحه صفة البقاء و الخلود و يجعلنا أيضا نطرح عدة أسئلة ونسبح بالخيال ويبقي السؤال بعد النهاية مفتوحا هل هي مواجهة
بين الماضي و الحاضر ؟ .وهذا ما يؤكد مشاعر الامتنان و الارتباط بالوطن . فالبطل الطيب يأتيه
يوما بعد معاناة طويلة داخل الوطن ، يعانق فيه ضباب السفر و تستهويه الغربة يقدم لنا الماضي بشكل تسوده البساطة و الطيبة وكأنّه أمّ حنون تناغي طفلها الذي هو الماضي ، مناجاة الاشتياق و الدّلال لتصل لحاضر تملؤه علامات الاستفهام
و الاستفسار . فالمرحلة الأولى أو مرحلة البداية يتم فيها تصوير الطفل الطيب في قريته النائية ، وفقره وبؤسه الذي يشترك فيه مع بقية أهالي القرية – المكان - فيصوره الكاتب تصويرا كاملا ، وصف اختاره لنقل البيئة التي نشأ فيها البطل
الطيب ، فكلّ الأوصاف كانت ضرورية ولازمة لتكوين صورة متكاملة لبناء الحدث . وقد أهمل الأوصاف الأخرى خاصة المادية مع ذكر بعض الصفات المعنوية وتكاتف أهالي القرية في السراء و الضراء . ومقاومة المستعمر بكثير من التضامن
و المحبة... على حد قول الكاتب في نفس القصة " أولاد الضباب " .
" فلا يخلو بيت من هذه البيوت المتناثرة كالفطريات ليس فيه مجاهدا أو شهيدا فهم يلقون حتفهم بالتقسيط ، ويستقبلون أحزانهم بقناديل مطفأة " . المرحلة الثانية تبدأ بأول المصاعب التي تصادف البطل الطيب له .
والتي تعتبر بالنسبة له ولأمّه عقدة فالمدرسة ترفضه بحكم سنه ويصف الأمّ سلطانة و الحيرة تنتابها وهي تدرك أن ابنها الوحيد لابد أن ينال حظه من الدراسة رغم أن أمله في ذلك أضحى ضئيلا ، فلا تتوانى في
إرساله للكٌتابِ رغم المسالك الوعرة التي تؤدي لذلك ، مع صراع داخلي وحسرة تنتاب الأمّ والطفل أيضا يتمتع بخيال يؤهله للتفوق و التميز . على حدّ قول الكاتب : "ينتظرعودة الأطفال بشوق ، يفزع لاستقبالهم
يحلم أن يكون مثلهم ولكن هيهات " ينمو الحدث ويتطور في مرحلة الوسط تطورا تصاعديا ، وهذا ينم عن إلمام القاص بتقنيات الحكي . حتّى الجدة بحنكتها و حكمتها تتكهن لحفيدها الطيب بمستقبل يليق بذكائه و براعته.
المرحلة الثالثة أو ما يسمى بمرحلة التنوير حيث الصراع الحقيقي يبدأ بعد الاحتفال بعيد النصر، يرحل الطيب إلى المدينة رفقة والديه يقول الكاتب : " يقف عند باب البيت الجديد متسمرا مبهوتا ينتابه الذعر ، يتجمد مكانه ... " .
تتشابك الأحداث أكثرا عندما يجد الطيب نفسه في مدرسة في المدينة وهو أكثرهم سنا : " يقف في الصف خائفا مرعوبا يلفه الخجل ...".
فبعد أربع سنوات تم فصله بحكم السّن لكن كما أسلفنا الذكر الحدث يتكامل وتنبثق عنه محاور من تلميذ يصارع الزمن من أجل التمدرس إلى ممرن بقريته " بيرين " ثم فوزه في مسابقة والتحاقه بالعاصمة ،
و الحدث الأكثر تأزمنا هو إصابته بحادث على مستوى ذراعه ، تتسارع الأحداث أيضا بنقله للعلاج بفرنسا رغم أن الكاتب لا يمهد لهذا الحدث مسبقا ، حدث السفر جاء فجأة ، كان سببه الإصابة لكن الكاتب لم يوضح
الظروف التي تم فيها السفر، وقد جعل من البيئة تشارك بصورة رئيسية في بناء الحدث .
لذلك نجد الحدث يتكامل في مرحلة التنوير مع اكتمال المعنى.فمن خلال الطريقة التي تعرف بالطريقة التمثيلية تمكن الكاتب من تناول تصرفات الشخصية الرئيسية " الطيب وطموحاته وكل آماله وكيف سعى لتحقيقها
أمّا النسيج الذي تمثل في اللغة فنجد لغة القاص راقية تبدوأكبر من أن تحملها شخصيات ريفية عاشت فترة مهمة من الزمن في ظل الاستعمار الفرنسي حيث هذا الأخير كان يسد المسالك اتجاه
اللغة العربية ، حيث اللغة أكبر من مفهوم الشخصيات للحياة .ومع انعدام أسلوب الحوار واعتماده أسلوب السرد يقول عبد الملك مرتاض في السرد : " .. ثم لم يلبث أن تطور مفهوم السرد على أيامنا هذه في الغرب على معنى
اصطلاحي أهم و أشمل بحيث أصبح يطلق
على النص الحكائي ، أو الروائي أو القصصي برمته ، فكأنّه الطريقة التي يختارها الراوي أو القاص برمته ، أو حتى المبدع الشعبي ليقدم بها الحدث إلى المتلقي ، فكأنّه السرد إذن نسيج الكلام ولكن في صورة حكي ... "
فالأمل يمكن أن يمتد بأجنحته النورانية ليبسطها على حاضر شوهت صورته وسادت فيها العتمة وعلا صوت الغربان .حتى وإن كان المستعمر بصورته المشوهة ...فالطفل الطيب الذي يبدو اسم على مسمى كان يعيش في قريته
عيشة البساطة و الفرح ..ثم تلك النقلة في حياة البطل الطيب من حياة كلّها فقر وبؤس إلى حياة
كلّها تحضر وتمدن ، من طفل حافي القدمين يجوب المسالك الضيقة و الدروب المحاذية لقريته إلى رجل مثقف يحمل مسؤليات ..بمعنى من
شخصية كانت تعيش على هامش الحياة إلى شخصية مركزية.القصة تحمل الكثير من الدلالات . ومقارنة بين الماضي و الحاضر وبين القرية و المدينة ، بين الفقر و الغنى ومزجه للأسلوبين القديم
و الحديث واضح في قصصه حيث يجنح لإستعمال الجملة الاسمية وشبه الجملة على غرارالجملة التي افتتح بها النص " في إحدى مناطق التل الجميلة." ." وفي دشرة نائية فقراء " كما تخللها بعض الجمل الفعلية على غرار "
وتندر المواصلات عدا ظهور الحمير والبغال ..."أيضا " ترعرع الطفل هنا .." السردية حيث الإفصاح بعد طول تكتم ...كما نجد البعد الإنساني في قصصه واضحا ، فتصويره لمعاناة الإنسان وكفاحه ونضاله في
شتى الأمور سواء كانت بالنسبة للاستعمار أو الدراسة كما لاحظنا في قصة " أولاد ... الضباب " وإن جاءت القصة بضمير الغائب لأن الكاتب اعتمد على استرجاع الماضي ، وتبدو هجرة الطيب وإن كانت في إطار العلاج ثم حصوله على مبتغاه
وتقلده مناصب مهمة ، قد حقق آماله التي لم يحقق منها إلا القليل في وطنه ، وهنا يظهر البعد الإنساني للقصة وهو بعد يعالج قضية شائكة هجرة الأدمغة وذاك المستقبل الباهر خارج الوطن ، لكن هجرة الطيب التي جاءت دون تخطيط بل اضطر
لمغادرة الوطن لينتابه الحنين فيعود إليه وهو في قمة نجاحه ، وليت كلّ من هاجر وتألق في مهامه
فكر مثل الطيب الطيب الذي يبدو اسم على مسمى يفكر بالعودة ليستفيد منه وطنه و بلدته وأهله ، حيث المجتمع الجزائري الذي يتميز بخصوصيته ونسيجه المجتمعي المتلاحم في الكثير من المناطق ... لذلك نجد في قصصه الكثير من الخصوصي
الثقافية و التربوية والدينية و الوطنية يقول :الكاتب الحاج بونيف" القاص م الصغير داسه يكتب في صمت ، كالشمعة تماما يفضل أن يحترق لينير من دون إثارة أي صخب أو ضجيج ...ورغم أنه كثير النشر على صفحات الجرائد والمجلات إلا أن
أعماله لم تتناول بالنقد مثله مثل الكثير من الأدباء .
بقلم /فضيلة معيرش * الجزائر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير