الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلج يحلم بالدفء

بديع الآلوسي

2018 / 11 / 9
الادب والفن


لا أسمع صوت الثلج ، لكني اسمع صوت الغابة ، التي صارت ترزح تحث اكداس الثلج ، أسمع اغصانها تتكسر . أسترق النظر من خلال الشباك الى عمود الضوء ، كم جميل مراقبة الثلج المتراقص مع أشعة النور ، هذا الكرنفال الرباني يذكرني ان يوم غد ستكون الدنيا نقية طاهرة ، حتى الهواء سيكون مشبعا ً بنكهة الثلج ، لذلك قلت : الثلج النعمة الوحيدة كي نجد الفرق الواضح بين الفصول … وفيه تتجلى قدرات الطبيعة حيث يموت الضعيف ويبقى حيا ً الأقوى ، قانون مفزع لكنه انبثاق ضروري للديمومة وخلود الأصلح .
في صباح اليوم التالي ، كان لي موعد مع الثلج ، وكانت الحقول كعروس في حفلة زفافها ، كم رائع ان نكون وحيدين مع هذه العزلة النادرة التي بلا شوائب .. نعم ، قمت بواجبي ومضيت الى جهة الحلم ، منتبها ً الى ما سيتركه الثلج في ذهني من صور تتماهى مع الخيال ، كانت الشمس حاضرة و تزيد الثلج سطوعا ً ، هكذا نصحو على واقع حلمي ، كنت ألهو مع فراشة ولا افكر بشيء ، حين تعبت من المشي تذكرت ما قاله لي سائق كاسحة الثلج : إذا أردت ان تخرج من حياتك المهلهلة عليك ان تجرب التنزه فوق الثلج ولو لمرة واحدة كل شتاء .
عند مفترق الطرق رأيت تلك المرأة ذات الرداء الأخضر الزاهي ، كانت تحب الثرثرة ، بالرغم من الوجع كانت تبتسم ، ما من طيبة مثلها ، تبددُ حزنها برمي كرات الثلج على حصان ابيض يتخفى بين تفاصيل الثلج ، قالت وهي تضحك: سأذهب الى إيطاليا ، وسأتزوج أحمق ما ، أنا لست قاسية القلب ، علينا ان ننتبه من ان الزمن يتربص بنا .
لكنها مثل الطيور المهاجرة ، رحلت قبل ان تذرف الدموع كعادتها ، أختفت في اللحظة التي أردت ان اقول لها : رائع معطف الفراء الذي على أكتافك .
هو الثلج ، في مرحلة من مسراتنا او أوجاعنا نسميه نقاء ً ، ويلتبس علينا الأمر ، فمنا من يكون متفائلا ً ومنا من يكون متشائما ًبحضوره المفاجيء . لكن بالنسبة الى الاطفال الأمر يختلف تماما ً ،الثلج يمنحهم متعة الخلق والابتكار ، يتسلون يلهون ، وحين يحرق اصابعهم يبكون ، لكنهم يدحرجون الثلج وهم يصرخون بفرح : سنفعل بابا نويل ، بأنف من جزره وعينان من حصى اسود وأسنان من خشب .
في كل شتاء ، كلما أفكر او أشاهد الثلج ، أشعر ان الطبيعة تخادعنا وتخلق لنا رؤية من سراب تبددها الريح او الشمس اوتخفيها أول زخة مطر ، ان كل ذلك اشبه بفكرة بيضاء سريعة العطب ، في اغلب الاحيان تتركنا الآلهة نحتكم إلى مواهبنا في تفسير الجمال ، المنبعث من شعاع القمر وهو يغطي الحقول البيضاء ، التي تغفو تحت ثلج يبحث عن الدفء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي