الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آدم والإنسان ( الجزء الثاني)

سمير زين العابدين
(Sameer Zain-elabideen)

2018 / 11 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعرضنا في الجزء الأول إلي جدلية أن يكون سيدنا آدم هو أول الخلق أجمعين .. كما سردنا وجهة نظر العلم والعلماء في كيفية بدء التكوين من لحظة الانفجار العظيم قبل 13.7 مليار سنة إلي وقتنا هذا وفي إطار البحث عن نشأة الإنسان ذكرنا أن هناك حفريات اكتشفت للإنسان يصل عمرها إلي ملايين السنين ....

هذا الإنسان الحديث بشكله وملامحه المعروفة والذي يمتاز بساقين طويلتين وذراعين قصيرتين نسبيا وقامته مستوية بلا انحناء وتجويف مخي كبير عمره علي الأرض لا يتجاوز 100 ألف عام امضي منها 90 ألف عام هائما ضائعا بين الغابات والأحراش صيادا للحيوانات البرية والمتوحشة وخلال أل 10 آلاف عام الأخيرة عرف الزراعة فعرف الاستمرار والحضارة والنور .

في عام 1894 تمكن طبيب هولندي يدعي أبو جين دو روا من اكتشاف بقايا لهيكل عظمي في جزيرة جاوا أطلق عليه اسم إنسان جاوا واعتبر أخيرا أنه هو هومو أركتس كاسم علمي ..

في عام 1915 – 1917 أكد العالمان ماثيو وبارك أن نشأة الإنسان الأولي كانت في وسط آسيا ..

في عام 1924 قام العالم رايموند هارت عالم الانثروبولوجي باكتشاف جمجمة (طفل تايونج) في جنوب إفريقيا , عثر عليها في كهف به كثير من الأحجار التي تساقطت فوقها ومن ثم قد حفظتها بمنأى عن عوامل التعرية المختلفة فرقدت في الكهف لمدة تراوحت بين مليون ومليوني سنة .. تحمل كافة الخصائص الإنسانية المعروفة .. واعتبر ذلك الكشف فيما بعد القفزة الرئيسية في تاريخ الإنسان ..

في عام 1925 اكتشف العالم الأمريكي رايموند دارث في جنوب أفريقيا هيكلا إنسانيا يمشي علي قدمين سمي الأوسترالوبثكس افارينسيس .. واعتبره أول الفصائل الإنسانية ..

في عام 1959 اكتشف العالم ميكي إنسانا (إنسان ميكي) وقد عاش في غابات شرق إفريقيا منذ نحو مليون و 750 الف سنة وأطلق عليه الاسم العلمي برايوبسكوس وأكملت زوجته أبحاثه واكتشافاته بعد موته..

منطقة الأواش بإثيوبيا وهي علي بعد 325 كيلومترا شمال شرق أديس أبابا مكان حار قاس غير مأهول عبارة عن منطقة صحراوية صخرية تحيط بها بحيرة وأشجار وأراضي كونت مادة اللافا البركانية التي دفنتها المواد الرسوبية التي تدفقت علي المرتفعات بفعل الأمطار الاستوائية التي تسقط مرتين في العام..

ومنذ مابين خمسة وستة ملايين سنة كانت الطبيعة مختلفة وكانت الأرض أكثر ارتفاعا وكانت التربة خصبة غنية بالغابات والحياة البرية تعيش فيها الفيلة البدائية والدببة الضخمة وأفراس النهر ووحيد القرن والخنازير والأرانب بجوار الثدييات الأخرى التي انقرضت وحيوانات علي هيئة القردة ولكن هناك كانت حالة واحدة لكائن كان يمشي علي قدمين بدلا من المشي علي أربع مثل الشمبانزي الذي لا يرتفع عن الأرض ولا يتطور ذكاؤه ..

في عام 1974 تمكن دونالد جونسون من اكتشاف هيكل عظمي شبه كامل لفتاة تبلغ من العمر 25 عاما في منطقة هادار في إثيوبيا وارجع عمر هذا الهيكل طبقا لعمر الصخور التي وجدت بداخلها وحدد بحوالي 3.2 مليون سنة وأطلق عليه اسم لوسي

استمرت لوسي وقرنائها في العيش لنحو مليون سنة أخري واكتشف نحو 60 هيكلا آخرا من نفس فصيلة لوسي في إثيوبيا وتنزانيا واختفت تماما من الصخور من مليوني سنة ..

اختلف العلماء في جنس لوسي هل هي ذكر أم أنثي ولكن اتفقوا في النهاية علي أن ثلاثة ملايين سنة كفيلة بان لا تجعل هناك فرقا ..

جاءت بعد ذلك الاكتشافات من شرق أفريقيا لتؤكد صحة مقولة دارث عن أن الأوسترالوبثكس هو أول الفصائل الإنسانية وكان اكتشاف عظام إنسانية في منطقة عفار بأثيوبيا اعلانا عن أن إنسان عفارة أواسترالوبثكس افارينسيس هو أقدم إنسان ظهر علي الأرض حتى وقتنا هذا ..

يبلغ ارتفاع هذا الإنسان نحو 1.7 متر بينما يصل ارتفاع لوسي إلي 1.1 متر ووزنها 30 كجم وحجم المخ يصل إلي ثلث حجم مخ الإنسان المعاصر ..

وتأكدت صحة مقولة دارث من أن الأوسترالوبتكس وهو أول الفصائل الإنسانية بالاكتشافات التالية في شرق إفريقيا بل أتي كشف عظام إنسانية في منطقة عفار بإثيوبيا والمسمي بإنسان عفارة كأقدم إنسان ظهر علي الأرض حتى وقتنا هذا ...

في عام 1997 عثر أحد طلبة الدراسات العليا بجامعة كاليفورنيا حبشي الجنسية ويدعي (هيلاسلاسي) في منطقة تدعي ألايلا بإثيوبيا علي 11 قطعة من العظام لخمسة أشخاص مختلفين في عدد من المواقع من ضمنها فكا سفليا به عدة أسنان وعظام يدين وقدم وقطع من ثلاث أذرع وعظام الترقوة ..

أثبت علم التشريح المتصل بهذه الحفريات أن ما اكتشفه هيلاسلاسي هو جد جديد للإنسان يصل عمره إلي 4.4 مليون سنة يصل طوله إلي 122 سنتيمتر أطلق عليه اسم كادال وعلي الرغم من انه شبيه بالقردة فإن له صفات الإنسان الأول التي يطلقها العلماء علي أجدادنا غير ذات الشبه بالقرود ..

وعلي مدي ملايين السنين (حوالي 4.5 مليون سنة) تطور هذا الإنسان البدائي وأصبح عقله معقدا وظهر من نسله خلق كثيرون لعل من بينهم الفيلسوف نيتشة وموتسارت وجمال عبد الناصر واأم كلثوم وأنا ..

هل حقا الإنسان أصله قرد ؟

هل صحيح أن الإنسان الذي كرمه الله وجعله خليفة له في الأرض هناك من يقول بأن أصله قردا ؟؟

هذا محض افتراء علي العلم والعلماء وعلي داروين صاحب نظرية النشوء والارتقاء والذي ظلمه الناس بأن نسبوا إليه ظلما وعدوانا القول بأن الإنسان جاء من جد قرد .. وكل ما قاله داروين أن القرد واحد من عائلة الأناسين الكبرى وليس جده الأكبر وفي ذلك فرق واضح .
وقد أكد العالمان الأمريكيان اندروز وأسبورن أن فصيلة الإنسان أو الهومو قد انفصلت عن فصيلة القردة منذ نحو 35 مليون سنة منذ عصر الأوليجوسين ..

كما أكد أسبورن أن حجم المخ في الإنسان لا يمكن أن يقود إلي انتمائه إلي فصيلة هذه القردة العليا من الأوريجون والشمبانزي . فالإنسان يمشي منتصبا علي قدمين والتحدث بلغة ما والقردة العليا ستبقي تمشي علي أربع إلي يوم الدين ..

للقرود فك سفلي حاد للمضغ بينما الإنسان الأول ليس لديه ذلك والكائن المكتشف لديه أسنان خلفية أكبر من الشمبانزي وأسنان أمامية أضيق مما يؤكد أن نظامه الغذائي كان به أطعمه ليفية متنوعة أكثر من الفواكه والأغصان التي كان يأكلها الشمبانزي كما أن حجم مخ الإنسان اكبر من حجم مخ الشمبانزي .

عاش إنسان عفار في مجموعات اجتماعية تضم الجنسين وكانوا يتصارعون علي الإناث أو يتعاونون للدفاع عن أنفسهم وللحفاظ علي الطعام أو يصطادون معا في جماعات كل هذا وهو يمشي علي قدمين معتدلا ..

يقول العالم لفجوي لقد حدثت تطورات في العامود الفقري ذلك أن المسافة بين الصدر والحوض قد زادت وهذا من سمات الإنسان مما يسمح للعامود الفقري السفلي أن ينحني ليستقر الجزء العلوي من الجسم علي الحوض في توازن .. كذلك يلاحظ أن الحوض أكثر اتساعا والإنسان لديه مجموعة من العضلات والروابط المتطورة في الجذع تسبب استقامة الإنسان حين المشي دون تمايل كما هو الحال في الشمبانزي ..

ولقد ساعدت قدرة المشي للإنسان واعتدال قامته تدريجيا علي السفر لمسافات طويلة علي الأرض بحثا عن الطعام في مناطق أخري كما ساعده علي المشي في بيئة مفتوحة ذات حشائش وشجيرات طويلة ومع اعتدال قامته سهل عليه التقاط الثمار من الأشجار وإمكانية توفير الطعام له ولذويه..

كما أن تفسيرا آخرا وراء مشي الإنسان واعتدال قامته وهو فرصة أفضل للذكور في الجنس كما كانت الإناث تفضل الذكور العاملين الذين يوفرون لها ولوليدها الطعام بدلا من الخروج للعمل ..ومع استمرار التكاثر ولأجيال متعاقبة اعتدلت قامة الإنسان تماما كما هو حالنا اليوم .

كانت مصر ومازالت في موعد مع القدر . فعلي ارض الفيوم وفي الجزء الشمالي من المنطقة اكتشف في أوائل القرن العشرين 1901 – 1902 عظام لحيوانات فقارية وسرعان ما أصبحت الفيوم مكانا يقصده علماء الحفريات الفقارية من جميع أنحاء العالم وعرفت الفيوم بأنها اكبر مقبرة لهذه الحيوانات في العالم قاطبة..

ومنذ عام 1959 وحتى اليوم عمل في المنطقة الوين سيمونز الأستاذ بجامعتي ييل وديوك وهو من اكبر علماء العالم وأكثرهم خبرة في أصول الأوليات ومنها الهومو والأوسترالوبثكس في الصحراء الشمالية للفيوم ..

وخلال جهد مضن علي مدي عدة سنوات اكتشف سيمونز في صخور يرجع عمرها إلي 33 مليون سنة وأسفل بازلت جبل قطراني مخلوقا صغيرا آكلا للنبات والثمار أطلق عليه اسم اجيبتوبثكس قدر وزنه ب 4 كيلوجرامات وأطرافه الأربعة تشبه القردة بينما أسنانه تشبه أسنان القردة العليا ..تمكن سيمونز من جمع كثير من عظام هذا الحيوان بما يسمح له ببناء جمجمة كاملة له وعرف باسم (اول الإيبس) وينتمي إلي مجموعة الأوليات الثديية والتي ينتمي إليها القردة والايبس والأناسين . وكما يقول سيمونز ان الايجيبنوبثكس في الحقيقة هو أقدم مخلوق نعرفه ينتمي مباشرة إلي أصول الإنسان

ولكن الطريق الواصل بين هذا المخلوق ذي ال 33 مليون عام والأوسترالوبثكس ذي ال 4 ملايين عام هو طريق طويل مملوء بالغموض والأسرار . وان كان بعض العلماء قد حاولوا وصل هذا الطريق بما وجدوه من حفريات سواء في كينيا أو الهند أو باكستان أو الصين أو أوروبا يرجع عمرها بين 20 مليونا و 8 ملايين سنة . ولكن الحقيقة لا شيء مؤكد وستظل الفترة بين 33 مليونا و 4 ملايين سنة مغلفة بالغموض والأسرار إلي حين ..

إذا كانت بدايات مخلوقات الهومو في شرق أفريقيا كما يعتقد غالبية علماء الانثروبولوجي .. فانه لكي يصل الفياندرنال إلي أوروبا والهابليس إلي الصين فلابد بالقطع أن يتم ذلك من خلال وادي النيل إلي مصر ثم فلسطين ومنها إلي آسيا أو أوروبا . وقد عثر علي الكثير من حفريات الهومو في فلسطين والشام ولكننا لم نستطع العثور علي أي من حفريات الهومو في سيناء ... وأقدم ما عثر عليه في مصر هو إنسان نزلة خاطر بالقرب من قنا وعمره 33 ألف سنة وإنسان الكوبانية غرب كوم امبو وعمره 18 ألف سنة ..

ها قد أوشكت رحلتنا علي النهاية دون أن نصل إلي شيء قاطع .................
هل كان آدم أول الخلق أجمعين وأول من نزل علي الأرض كما يشير ظاهر الآيات ..؟

أم أنه الإنسان الذي قد سكن الأرض منذ زمن بعيد .
واستوي واستقام كما نراه الآن منذ 100 ألف عام .

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ) (الحجر:26)
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (المؤمنون:12)
(يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ*الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ*فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار:6-8)

وما حكمة أن يذكر الله (الإنسان) في الآيات السابقة ؟

ألم يكتشف (الإنسان) الزراعة فعرف الاستمرار والحضارة والنور فاستقر حاله هكذا منذ 10 آلاف عام. وأصبح مؤهلا لأن يتلقى تكليف ربه بالأمانة وخلافته في الأرض ...

(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33)

ألا تدعونا هذه الآية الكريمة للتدبر فيمن هم الذين اصطفي الله آدم من بينهم وقد ساوي الله بينه وبين نوح وآل إبراهيم وآل عمران في نص الآية وطبيعة الاصطفاء علي العالمين ؟

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)

كيف عرفت الملائكة أن هذا القادم للخلافة سوف يفسد في الأرض ويسفك الدماء إن لم يكن لهم به علم مسبق ؟

ألا يوفر ذلك تفسيرا لعمر آدم علي الأرض والذي يراوح 5000 عام وفي تقديرات أخري يصل إلي 6600 عام ؟

هل هذا طرح جديد أو مستحدث ؟؟

أبدا بل هو طرح ضارب في القدم والأمثلة قديمة أذكر منها هذا الجزء اليسير

ففي المذهب الشيعي ينقلون عن الإمام علي بن الحسين أنه قال :
أتظن أن الله لم يخلق خلقا سواكم ، بلى و الله لقد خلق الله ألف ألف آدم ، و ألف ألف عالَم ، و أنت و الله في آخر تلك العوالم "( بحار الأنوار :54 /336)

وقال المسعودي والمعروف بهيرودوتس العرب :
(إن الله سبحانه خلق في الأرض قبل آدم ثمان وعشرين أمة على خلق (بكسر الخاء) مختلفة)..

أما الدكتور عبد الصبور شاهين فيفرق في كتابه «أبينا آدم» بين كلمتي بشر وإنسان ويستشهد بآيات كثيرة تثبت أن (البشر) لفظ عام أطلق على كل مخلوق عاقل سار على قدمين منذ خلق الأرض. أما الإنسان فلفظ خاص ببني آدم الذين كلفهم الله بالعبادة وبدأوا بظهور آدم عليه السلام - وبناء عليه يرى أن آدم عليه السلام (أبو الإنسان) وليس (أبو البشر) ممن بادوا قبل نزوله!!

ومهما كانت تلك الإجتهادات مخطئة أو مصيبة فلدي ثقة لا تنتهي في أن العلم لا يتوقف وأن القادم من الزمان سوف يحوي اكتشافات علمية قد توضح ما نجهله ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س