الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبدأ التعامل بالمثل في تطبيق القانون

سعد عزت السعدي

2018 / 11 / 10
دراسات وابحاث قانونية


يحتل مبدأ المعاملة بالمثل مكانة مهمة في القانون الدولي. ويقوم المبدأ في الأساس على فكرة المساواة القانونية بين أشخاص القانون الدولي، مع ما يكتنف تطبيقه فعلياً من صعوبات نظراً للاختلاف الكبير بين أعضاء الجماعة الدولية؛ إذ ينعم بعض من أعضائها بالتقدم والرقي والقوة في حين يقبع بعضهم الآخر تحت وطأة التخلف والضعف، مما يجعل إعمال المبدأ في بعض الحالات ضرباً من المستحيل.
ويعد مبدأ المعاملة بالمثل أداة توازن بين أطراف العلاقات القانونية الدولية باعتباره يهدف إلى إقامة علاقة بين الحقوق والالتزامات؛ أي المحافظة على التوازن الواجب تقريره بين أشخاص القانون الدولي.
ويشير المفهوم العام للمعاملة بالمثل في إطار القانون الدولي إلى التصرف الذي يستجيب به الشخص الدولي بحسب ما يلقاه، مما يحمل في طياته معنى مقابلة الخير بالخير والشر بالشر الذي يعد قانوناً قديماً منذ الأزل.
والمعاملة بالمثل ليست مجرد تدابير متجانسة من نوع واحد، كما أن للمبدأ تطبيقات عدة على صعيد العلاقات الدولية.
وعلى الرغم من أن المبدأ لا أثر لذكره في ميثاق الأمم المتحدة وعدد كبير من الاتفاقيات الدولية؛ فإن العمل الدولي يكشف عن دور واضح للمبدأ في تطوير العلاقات الدولية وقانون الأمم.
وعلى هذا يجد مبدأ المعاملة بالمثل مكانته الأساسية في القاعدة العرفية، فالمجتمع الدولي عرف المعاملة بالمثل على امتداد قرون من الزمان مراراً وتكراراً على اعتباره مبدأً مقبولاً لدى أعضاء المجتمع الدولي في تعاملاتهم المتبادلة.
وعندما تقرر الدول التعامل وفق مبدأ المعاملة بالمثل بجميع مظاهره؛ فإنها تقصد من وراء ذلك تحقيق نوع من التكافؤ أو التوازن بين ما لها من حقوق وما عليها من التزامات.
ولا يقتصر تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على أنماط الخير والمحبة بل يتعداها إلى مناخ العنف والسوء، وإن كان الجانب الأول هو الأبرز في تطبيقات هذا المبدأ؛ إذ يحرص الشخص الدولي على أن يجامل غيره من الأشخاص الدولية طمعاً في أن ترد المجاملة بمجاملة مشابهة أو مماثلة.
وتعدّ المعاملة بالمثل في هذا الإطار حجر الزاوية في كل علاقة سليمة بين أعضاء المجتمع الدولي.
وللمعاملة بالمثل صورتان أساسيتان تتم أولاهما بالتماثل المتطابق المطلق أو الحقيقي؛ إذ تقوم الدولة بتصرفات مماثلة تماماً لتلك التي جاءت بها الدولة الأخرى. في حين تتم الصورة الأخرى بالتبادل،
اضافة الى ذلك أن الحالة الأساسية لتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل تكون بين الدول؛ بيد أنه من الممكن تصورها في حالات عدة بين المنظمات الدولية والدول أو في علاقة المنظمات الدولية بعضها ببعض..
وعن الأمثلة السلبية على تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على صعيد القانون الدولي الدبلوماسي؛ فإنه إذا ما طرأ على العلاقات الدبلوماسية بين دولتين تتبادلان تمثيلاً دبلوماسياً من الظروف ما كان من شأنه أن يوتر العلاقات بينهما فعادة ما ينعكس هذا التوتر على العلاقات الدبلوماسية، الأمر الذي يتخذ إجراءات عدة كاعتبار المبعوثين الدبلوماسيين في إحدى الدولتين أشخاصاً غير مرغوب فيهم؛ أو طلب تخفيض عدد أعضاء البعثة الدبلوماسية؛ أو استدعاء رئيس البعثة الدبلوماسية وإسناد رئاسة البعثة إلى القائم بالأعمال على نحو مؤقت، مما قد يستتبع إجراءً مقابلاً على أساس مبدأ المعاملة بالمثل.
وقد يشكل مثل هذا التطبيق لمبدأ المعاملة بالمثل حلقة في سلسلة طويلة من ردود الفعل بين الدول المختلفة.
ومثال ذلك إقدام الولايات المتحدة الأمريكية عام 1987 على اعتبار عدد من أعضاء البعثة السوڤيتية الدائمة لدى مقر الأمم المتحدة في نيويورك أشخاصاً غير مرغوبٍ فيهم؛ فعندها رد الاتحاد السوڤييتي إعمالاً لمبدأ المعاملة بالمثل باعتباره عدد من أعضاء السفارة الأمريكية في موسكو أشخاصاً غير مرغوب فيهم، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعمال مبدأ المعاملة بالمثل مجدداً بالنسبة إلى عددٍ آخر من أعضاء السفارة السوڤيتية في واشنطن.
وإن التوتر في العلاقات بين الدول قد يصل إلى الحد الذي تقدم فيه إحدى الدولتين على إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية بينها وبين الدولة الأخرى وسحب مبعوثيها الدبلوماسيين لديها، الأمر الذي يعني قطع العلاقات الدبلوماسية في الطرف الآخر أيضاً إعمالاً لمبدأ المعاملة بالمثل.
اما مبدأ المعاملة بالمثل في قانون المعاهدات: فيعدّ قانون المعاهدات بداهة الأرض الحقيقية لتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على الصعيد الدولي، لأن المعاهدات تنظم العلاقات المتبادلة بين أشخاص القانون الدولي؛ ذلك على أساس أنها تهدف إلى إقامة علاقة متبادلة بين الحقوق والالتزامات، الأمر الذي يعبر عنه بأنه إذا كان كل طرف يلتزم ببعض الالتزامات تجاه الأطراف الأخرى في المعاهدة؛ فإنه يحصل أيضاً بالمقابل على بعض الحقوق.
ويقوم أطراف المعاهدات في بعض الأحيان بالنص صراحة على مبدأ المعاملة بالمثل في تعهداتهم، كما قد يفهم في أحيان أخرى من سياق النص.
وفضلاً عن معاهدة ڤيينا للمعاهدات لعام 1969 تمت الإشارة إلى هذا المبدأ في عددٍ من الاتفاقيات المهمة، وعلى رأسها اتفاقية ڤيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م.
كما يجد مبدأ المعاملة بالمثل تطبيقات متعددة في إطار قانون المنظمات الدولية المنشأة أصلاً بموجب معاهدة دولية، ومن ذلك أن من الممكن إثارة مبدأ التبادلية أمام القضاء الدولي التابع للمنظمات الدولية.
وفضلاً عن الدول ينطبق مبدأ المعاملة بالمثل كذلك على المعاهدات التي تبرمها المنظمات الدولية؛ لأنها لا تختلف عن تلك التي تبرمها الدول. لذلك يحق للمنظمة الدولية رفض تنفيذ المعاهدة التي يرفض الطرف الآخر تنفيذها، وهذا ما أشارت إليه المادة الستون في معاهدة ڤيينا لقانون المعاهدات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟