الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 2

دلور ميقري

2018 / 11 / 11
الادب والفن


" لن يبقى في المنزل سوى لوحا وحياة؛ وسيحضر عمال البناء منذ الغد "
خاطبته حماته بصوتٍ نزق، كالزعيق، من مكانها أمام عتبة المطبخ في الدور الأرضيّ. وعلى الرغم من موافقته لرأيها، بالمفردة المحلية المقتضبة، " واخا "، إلا أنها بقيت لحظة تتمعن في ملامحه المبتسمة الساخرة. أدرك بالطبع معنى كلامها، وأنه لا يليق به البقاء لوحده مع ابنتها أثناء غياب شقيقها في عمله. بل إنّ " لوحا " لديه عملاً آخر، وذلك في رياض زوج شقيقته الكبيرة، يبدأ بعيد إفاقته من القيلولة عند الساعة الخامسة. هكذا أُسقِطَ في يد الصهر السوريّ، ولم يرَ مندوحة من السفر مع الأسرة المضيفة إلى الصويرة. في هذه المدينة البحرية، كما علمنا، يعمل ابن حميه الآخر في أحد الفنادق. لقد حصل الشاب على العمل بوساطة أخيه غير الشقيق، مباشرةً على أثر تخرجه من معهد متوسط باختصاص حلواني.
" السيرة المراكشية، تنأى باستمرار عن كونها حقيقية، وذلك بسبب فقدان أثر أبطالها ممن بقوا في المدينة "، فكّر عابساً بينما الحماةُ تتوارى في عرينها. المهمة هذه، الأدبية، كانت هيَ دافع رغبته في عدم مرافقة أفراد الأسرة في سفرتهم المرتقبة. بصفته المحقق قبل أيّ اعتبار، كان قد أصرّ أن يتعقب آثارَ أولئك الأبطال واحداً واحداً. غياب ابن المدعو، " الحاج "، في السفرة التجارية باستانبول، أجبرَ المحقق على تقصي مكانَ سكن عمّه. " آلان " هذا، كان من المفترض أن يقيم مع شقيقته الوحيدة في شقة بغيليز. وإنها معلومة انتبه لها " دلير " مؤخراً، لدى مراجعته مخطوطة مذكرات السيّدة السورية، " سوسن خانم "، وكانت المخدومة السابقة للشاب.
" الشاب..؟ لم يبقَ كذلك، بطبيعة الحال، طالما أننا أمام سيرة تمتد على مدى ربع قرن من الزمن! "، قالها في نفسه وهوَ ينحني من جديد على أوراق المذكرات هنالك في حجرته. كان الوقتُ ظهيرة يوم حار، أعتاد فيه على المكوث عارياً تماماً على السرير الملتصق بأرضية الحجرة. أكثر من مرة، وقفَ مُحرجاً بهيئته هذه أمام واحدة من البنات. إذ كان يصادف مرور إحداهن إلى حجرة الصالة المجاورة، عندما يكون هوَ منتصباً أمام خزانة الملابس الواطئة والتي صُفّت على سطحها كتبه. خِلَل الغلالة الشفافة، المسدلة على باب حجرته، كان يعاين عندئذٍ ابتسامة الفتاة المعنية، العابرة؛ وغالباً ما تكون كنّة الدار " حسنة "، أو الابنة الصغرى " لمى ". كانتا في سنّ مماثلة، تتراوح على عتبة العشرين. عادةً، حينما تلاحظ امرأته أنه يشتط في المزاح مع إحداهما، كان يُجيبها جادّاً: " إنها بمثابة ابنتي.. ". عند ذلك، تذكّره هذه بنبرة مبيّتة أنها بنفسها لا تكبرها سوى بأعوامٍ خمسة: " وإنك أخذتَ بكارتي حينَ كنتُ في مثل عُمرها! ". طريقتها المكشوفة في الكلام، كانت قد أضحت مألوفة بالنسبة له. وعبرَ هذا الباب، أطلّ على أشياء كثيرة من أحوال العائلة. كذلك الأمر مع والدتها، التي كانت تفضي إليه أحياناً بمكنوناتها سواءً بصراحة مطلقة أو موارَبة.

***
الصهرُ السوريّ، أصبحَ موضعَ ثقة الأم وكان بعدُ خطيبَ ابنتها. التقى بها في أول زيارة لمراكش، وبالطبع عقب تعرّفه على الابنة في رياض شقيقتها الكبرى. هذه الأخيرة، هيَ من استضافته يومئذٍ في شقتها كي يلتقيَ بالأم. الشقة، كانت في حقيقتها الدور الثاني من فيللا تقع على طرف حي غيليز من جهة طريق الدار البيضاء. أصحاب الشقة، كانوا مستأثرين بالدور الأرضيّ، فيما تم تأجير الدور العلويّ لطلبة أغراب. ومثلما علمنا قبلاً، كانت الابنة الصغرى " لمى " تقيم هنا لدى شقيقتها طوال الأسبوع باستثناء أيام العطل الدراسية. آنذاك، كانت تدرس في معهد متوسط للسكرتاريا. صاحبة الفيللا، وهيَ امرأة متطفلة وفضولية، دأبت على إظهار نفسها مهتمة بمسلك الفتاة.
" يا بنيّتي، نحن لا نبغي سوى السمعة النظيفة بين الجيران! "، قالت لها مالكة الفيللا ذات مرة. وعليها كان أن تصدمَ " البنيّة " في يوم تالٍ، لما تجشمت عناء الذهاب إلى معهدها كي تتأكّد من أنها تلتزم الدوام ولا تتهرب بهدف مقابلة الشبّان العابثين. المالكة ذات السمعة النظيفة، كانت تقف يومياً تقريباً أمام باب أولئك المستأجرين من أجل الحصول على حفنة ملح أو بهار أو أيّ شيء من هذا القبيل. وكاد " بيير " أن يخرج عن طوره يوماً، آن ظهرت وراء الباب لتطلب منه مبلغاً كبيراً من المال على سبيل السلف ريثما يعود رجلها من عمله. الزوج، كان ضابطاً كبيراً في قصر العاصمة الملكيّ. كونه نادراً ما يُرى في الفيللا، فإن الجيران أشاعوا أن لديه في الرباط زوجة احتياطية.
الصهر الفرنسيّ، كان إذاً يتكفّل بمصاريف ربيبته، وذلك مقابل رعايتها لابنه الوحيد. في فترة زيارة الصهر السوريّ الأولى لشقة عديل المستقبل، كان الطفل " أميل " يلوحُ هادئاً وادعاً بأعوامه الثلاثة. إلا أنه كان هدوءاً يسبق العاصفة! شخصيته كانت مزدوجة، حال لسانه المراوح بين الفرنسية والمحكية المغربية. بل حتى اسمه، كان من ذلك القبيل: لقد سُجّل رسمياً باسم " أمير "، كيلا يثير بلبلة في قبيلة والدته، المسلمة العميقة التديّن شأن غالبية الشلوح. الرياض، المدار من لدُن والد الطفل، كانت لافتة بابه الرئيس تحمل أيضاً ذلك الاسم المزدوج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير