الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليوم العالمي للفلسفة وسؤال الراهن

يونس كلة

2018 / 11 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أقرت منظمة اليونسكو سنة 2002 اعتماد يوم عالمي للفلسفة، بالنظر إلى أهمية هذا المبحث الإنساني في تعزيز وتثمين وتطوير الفكر البشري، انطلاقا من أسئلتها الثلاث المعروفة، سؤال الوجود، وسؤال القيم، وسؤال المعرفة والعلم، أما الغاية من إقرار هذا اليوم فقد حددتها المنظمة في الغايات التالية:
- تجديد الالتزام الوطني والإقليمي والعالمي بدعم الفلسفة.
- تشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية لأهم القضايا المعاصرة من أجل الاستجابة على خير وجه للتحديات المطروحة اليوم على البشرية.
- توعية الرأي العام بأهمية استخدامها استخداما نقديا لمعالجة الخيارات التي تطرحها آثار العولمة أو دخول عصر العولمة على العديد من المجتمعات.
- الوقوف على حالة تدريس الفلسفة في العالم، مع التركيز بوجه خاص على عدم تكافؤ فرص الانتفاع بهذا التعليم.
- التأكيد على أهمية تعميم الفلسفة في صفوف الأجيال المقبلة.
وقد حددت السقف الزمني للإحتفاء بهذا اليوم عند كل ثالث خميس من شهر نوفمبر-تشرين الثاني من كل سنة، والذي يصادف هذه السنة حدثي تتويج مريم أمجون شعلة الأمل بجائزة تحدي القراءة العربي ومنع مؤسسة مؤمنون بلا حدود من عقد مؤتمرها السنوي بالأردن، الأمر الذي يعد فرصة سانحة أمام مدرسي الفلسفة والمهتمين بالدرس والفكر الفلسفي بالمغرب، لطرح سؤال الثقافة بالمغرب وأسئلة أخرى راهنة ضمناها متن المقال، وتدارس التحديات الملقاة على عاتق سؤال القلق الفكري في هذا الهنا، إما مدرسيا، من خلال ملامسة رهانات تدريس الفلسفة بالتعليم الثانوي المغربي، وما مدى مساهمة الدرس الفلسفي المغربي في توسيع أفق تفكير المتعلم في القضايا الراهنة تفكيرا نقديا بسائل من خلاله المحلي والإقليمي من الموضوعات المطروحة على الساحة؟ و إما كونيا، عن طريق إعادة فتح نقاش ما يمكن أن تقدمه الفلسفة للمجتمع من خدمات جليلة تروم إشاعة القيم الإنسانية النبيلة من قبيل المساواة، والحرية، والإخاء، ونبذ العنف، والميز العنصري، والتطرف الديني...؟
نبتغي من وراء هذه الورقة القصيرة، وعلى ضوء الأسئلة المعلنة أعلاه التعريج على نقطتين أساس هما:
- في أهمية اليوم العالمي للفلسفة.
- الفلسفة وسؤال الثقافة.
1) في أهمية اليوم العلمي للفلسفة.
إن الغاية من إقرار يوم عالمي للفلسفة يتماشى والبعد الغائي الذي تأسست منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة من أجل إشاعته في العالم، ألا وهو بث روح السلام والأمن البشري على وجه البسيطة، وهي المهمة التي انتدبت الفلسفة نفسها مدافعة ومؤسسة لها منذ اللحظة السقراطية، ولنا في محاكمة سقراط دروس بليغة حول ذود الفلسفة والفكر الفلسفي عن الأمن والسلام البشريين، حيث جرت محاكمة سقراط، كما تعلمنا إياها محاورة الدفاع، بتهمة إفساد عقول الشباب والإلحاد، واجه بمقتضاها الرجل 500 مواطن أثيني، وتمت إدانته ب 280 صوت مقابل 220، وحوكم بالإعدام شربا للسم، لكن حب تلاميذه وتعلقهم به دفعهم إلى محاولة إقناعه بالهروب قبل وقت وجيز من وقت تنفيذ الحكم، لكن حكمة سقراط وتماهي فكره مع ما يجب أن تكون عليه حياته دفعه إلى رفض العرض، واستسلم لحكم الإعدام احتراما للديمقراطية الأثينية، وإيمانا منه بحياة بعد الموت يعيش فيها الإنسان في سلام تام مع نفسه.
وهي واقعة تأسيسية ومؤسسة للفيلوصوفيا المدافعة عن الإنسان والإنسانية، دون قيد أو شرط، دأب عليها الفلاسفة ابتداء من سنة 469 ق.م ، وتؤكدها إنجازاتهم الفلسفية نذكر منها اختصارا، " الجمهورية" لأفلاطون، و" في السياسة" لأرسطو، و" المدينة الفاضلة" للفارابي، و"تلخيص سياسة أفلاطون" لابن رشد، و " اللفيثان" لطوماس هوبز، و" الأمير" لمكيافيلي، و" رسالة في التسامح" لجون لوك، و" العقد الإجتماعي" لجون جاك روسو، و" نحو السلام الدائم" لكانط ( والتي تعد وثيقة مرجعية لتأسيس عصبة الأمم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة)، و"رسالة في اللاهوت والسياسة" لاسبنوزا، و" العالم والسياسي" لماكس فيبر، واللائحة طويلة ومتشعبة، لكن لا يهمنا هنا القيام ببليوغرافيا محترفة عن أعمال الفلاسفة في موضوعة إشاعة القيم النبيلة بقدر ما يهمنا التنبيه إلى أن اليونسكو تعيش بفضل الفلسفة، وتحي من أفضال الفلسفة عليها.
وانطلاقا من ذلك نقول أن اليوم العالمي للفلسفة والذي تقوم بإحيائه الأغلبية الساحقة من دول العالم، هو مناسبة لإعادة وتجديد النظر في سؤال القلق الوجودي وإسهاماته الغنية في تحسين ظروف وشروط العيش الإنساني، خاصة فيما يتعلق بالأسئلة والإشكالات الراهنة من قبيل، سؤال الإيكولوجيا والخطر المهول الذي يتهدد الإنسان من جراء سيطرة الآلة على الحياة البشرية، وتزايد تدخل الإنسان في الطبيعة تدخلا مؤثرا يسهم بإطراد في اختلال التوازنات البيئية على وجه البسيطة، الأمر الذي يقضي بإعادة بناء عقد جديد مع الطبيعة، وسؤال إتيقا الأخلاق( أو الأخلاق التطبيقية) المرتبط لزوما مع سؤال الإيكولوجيا، أخذا بعين الاعتبار اهتمامها بتساؤلات فلسفية تستهدف التساؤل عن دور البيولوجيا والثورة البيولوجية على وجه التحديد في إحياء الروح الفلسفية بعد التطور المذهل الذي طبع العلوم التكنولوجية، مما سمح بإنبثاق نقاش فلسفي جديد يخص نتائج الثورة البيولوجية والتكنولوجية ومخلفاتها السلبية والإيجابية:
- إيجابيا: ببعث الروح للفلسفة والأخلاق انطلاقا من مساءلة الراهن، وقد أشار ألتوسير أيام ازدهار الدراسات الإبستمولوجية إلى هذه المسألة بالقول "لقد أبدع العلم حقا فلسفة".
-سلبيا: تأثير الثورة البيولوجية على العلاقات الإنسانية النبيلة، من قبيل الأمومة بالنسبة للأطفال الذين يتم إنجابهم عن طريق كراء الأرحام، والأطفال الذين يتم التحكم في صفاتهم الوراثية( لون الشعر والعين، والقدرات الإدراكية...).
هي مناسبة إذن لتجديد الصلة بالموروث الفلسفي وبتاريخه من حيث هكذا أسئلة راهنة ومتجددة، لكن ليس بمعنى مناسباتي أو بمعنى أن اليوم لا يعدو أن يكون يوما وطنيا أو عالميا وكفى، وإنما إنطلاقا من روح الفلسفة الخصب، طالما أن الفلسفة ليس لها تاريخ بل هي حاضر أبدي.
2) الفلسفة وسؤال الثقافة.
لا مراء في كون الفلسفة تعيش بالسؤال وتمجده أكثر من تمجيدها للجواب، لأن السؤال لحظة من لحظات الحياة، أما الجواب فيعلن عن موت أفق الإستشكال والرغبة في المعرفة من لدن الكائن السائل، انسجاما مع شعار الفلسفة الأبدي " أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك"، الذي توسع مع المعلم الأول "أرسطو" ليضيف إلى سؤال معرفة الذات، سؤال معرفة الوجود، ولأن الثقافة تعلن نفسها باعتبارها معرفة موسعة بكل قضايا الحياة والوجود في عملية تأثير وتأثر دينامي، فإن سؤال الثقافة لا يمكن البث فصله لا عن سؤال الوجود، ولا عن سؤال المعرفة، ولا حتى عن سؤال القيم، وأن إضافة متلازمة الثقافة إلى الأصل "فلسفة" يجعل من الأخيرة رهانا مجتمعيا يراهن عليها المجتمع، بل ولابد أن يراهن، على قدرة الفلسفة والدرس الفلسفي على إعلان درس المثاقفة والتثاقف ليس باعتباره درسا انتروبولوجيا وفقط، بل بكونه درسا فلسفيا بامتياز، لتجاوز أدوات الاستلاب والتبعية العمياء.
ولتجاوز الخلط المفهومي الذي يمكن أن يواجهنا ونحن في صدد الحديث عن الزوج المفهومي " المثاقفة والتثاقف"، نوجه ذهن القارئ إلى أننا لا نستعمل المفهوم (التثاقف) كاستعارة منهجية أحادية الاتجاه، كما كان معمولا به زمن الدراسات الإستشراقية والحملات التبشيرية التي كانت تسعى إلى نشر الثقافة الغالبة، أي الثقافة الغربية في كافة بقاع العالم، أو الجزء البدائي منه، وإخراجه من البدائية نحو التحضر، بل بالمعنى الذي يتجاوز النطاق الضيق في الاستعمال، والنظر إليه من حيث هو عملية تفاعل تستدعي أخد ما هو أفيد من الثقافة المهيمنة ( أي ثقافة المدينة الرقمية)، وتكييف الموروث الثقافي الأصل ( أي ثقافة الإنسان المغربي-العربي-الإفريقي)، بجعلها قادرة على مواكبة العصر غير منغلقة على نفسها، لأن فهم من هذا القبيل من شأنه إتاحة الفرصة لإيديولوجيات قديمة جامدة غير مؤهلة لإستيعاب التحولات التكنولوجية والفكرية والإتيقية المطروحة على الساحة الفلسفية اليومية للظهور من جديد، وقس على ذلك مفهوم المثاقفة.
وأن ما يعطي لسؤال الثقافة راهنية ما، لهو الإرث التاريخاني والأنتروبولوجي، الذي حصل على مستوى نهاية القرن التاسع عشر، واكتسب مشروعيته المنهجية والدلالية في النصف الثاني من القرن العشرين، على يد علماء انتروبولوجيين من أبرزهم مايرز هيرسكوفيتش وناثان واكتيل، بالشكل الذي يسمح لنا بحكم الإختصاص المراهنة على الدرس الفلسفي اليوم بأن يكون مواكبا للتحديات الثقافية وتزويد المتعلم والطالب بعدد معرفية ومنهجية تمكنه من التصدي للغزو الثقافي الأحادي الجانب، وهي مهمة شاقة إلا أنها مطلوبة في ذات الآن، وفيما يلي بعض الاقتراحات الممكنة:
- تجاوز الطابع السجالي للدرس الفلسفي الجامعي والإنفتاح على العلوم التطبيقية تدريسا وتطبيقا.
- الانفتاح على تجارب دولية أخرى في مجال تدريس الفلسفة كالتجربة الإسبانية مثلا.
-توسيع مجال الاغتراف من معين المشاريع الفلسفية الفكرية المغربية بالشكل الذي يجعلنا قادرين عن الحديث عن مدرسة فلسفية مغربية.
- انفتاح الدرس الفلسفي المغربي بالتعليم الثانوي على مجال الأخلاق التطبيقية ( أخلاق المسؤولية لهانس جوناس على سبيل المثال)









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س