الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات النصفية تعمق الانقسامات في اميركا

جورج حداد

2018 / 11 / 13
السياسة والعلاقات الدولية


في مرحلة تاريحية سابقة كان الحكم في اميركا يتصف بالثبات والتجانس بشكل عام. وكان يتناوب على الحكم ـ عبر الانتخابات ـ حزبان تقليديان كبيران هما: الحزب الجمهوري والحزب الدمقراطي. وكان الحكم حكرا على البيض البروتستانتيين ـ الماسونيين واليهود. وكان هناك تجانس بين البيت الابيض والكونغرس الاميركي (ذي الغرفتين: الدنيا ـ مجلس النواب، والعليا ـ مجلس الشيوخ) حيث ان الحزب الذي يفوز بالانتخابات الرئاسية كان يفوز ايضا بانتخابات الكونغرس. وكانت هناك ايضا انتخابات حكام الولايات التي هي عملية مستقلة ايضا. وفي الغالب كان الحزب الفائز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يفوز باغلبية مقاعد حكام الولايات. وفي عهد الرئيس بوش الابن (2001 ـ 2009) وبنتيجة احداث 11 ايلول 2001 والحرب على افغانستان (2001) والعراق (2003) بدأ يظهر انقسام سلس في الطبقات العليا للشريحة السياسية الحاكمة بصورة: صقور (متشددين)، وحمائم (متساهلين). كما بدأ ادخال الملونين الى الطبقات العليا للادارة (الافريقي كولن باول وزير الخارجية في 2001 ـ 2005). ثم وصل الى البيت الابيض اول رئيس اميركي من اصل افريقي هو باراك حسين اوباما (2009 ـ 2017) من الحزب الدمقراطي، الذي ورث عن سلفه "الجمهوري" جورج بوش الابن الازمة المالية ـ الاقتصادية التي انفجرت في اميركا سنة 2008. واتسمت المرحلة الثانية من عهد اوباما بالانقسام بين البيت الابيض "الدمقراطي" وبين الكونغرس الذي كان يسيطر عليه "الحزب الجمهوري"، مما جعل استصدار القوانين والمراسيم متعذرا الا بعد مفاوضات مريرة ومساومات سياسية صعبة بين البيت الابيض والكونغرس.
وفي تشرين الثاني 2016 انتخب المرشح "الجمهوري" دونالد ترامب رئيسا للجمهورية فائزا على المرشحة "الدمقراطية" هيلاري كلينتون. واستلم منصب الرئاسة في كانون الثاني 2017 خلفا لباراك اوباما "الدمقراطي". وكان فوز ترامب بمثابة صدمة للحياة السياسية في اميركا لانه لم يكن ينتمي الى الشريحة السياسية العليا المحترفة، بل الى قطاع رجال الاعمال. ولدى اعلان فوز دونالد ترامب سارت التظاهرات الاحتجاجية ضده في كافة ارجاء الولايات المتحدة الاميركية. وهذا يحدث لاول مرة ضد انتخاب رئيس اميركي جديد. وفي هذا الجو الانقسامي بدأ دونالد ترامب عهده برفع شعار "اميركا اولا" وباشر حملة غير مسبوقة ضد السياسة الاميركية المتبعة، الداخلية والخارجية، ولا سيما المالية والتجارية والعسكرية. واعلن انسحاب اميركا من "الاتفاقية النووية" الدولية مع ايران، والانسحاب من اتفاقية الصواريخ متوسطة وقريبة المدى مع الاتحاد السوفياتي السابق (روسيا)، وفرض الضرائب الجمركية والرسوم على الواردات الاميركية من الصين وغيرها من البلدان الشريكة والحليفة لاميركا دون التشاور مع الاطراف المعنية، وشن الحرب التجارية ضد الصين وروسيا وغيرهما من الدول الحليفة التقليدية لاميركا، وهاجم الدول الاسلامية بحجة مكافحة الارهاب الاسلاموي التكفيري الذي كانت تدعمه اميركا بالذات، كما هاجم اللاجئين الى اميركا واعلن قرارات جائرة بفصل اطفال اللاجئين عن والديهم، واعلن تشديد العقوبات ضد روسيا والصين وايران وكوريا الشمالية والدول والشركات التي لا تتقيد بهذه العقوبات الاميركية وحيدة الجانب.
وفي هذه الاجواء المتشنجة، داخليا ودوليا، جرت الانتخابات النصفية التقليدية في اميركا. وكان دونالد ترامب وفريقه يأملون في ان يفوز انصار ترامب من "الجمهوريون" بالاكثرية في الكونغرس (بغرفتيه: الدنيا ـ مجلس النواب، والعليا ـ مجلس الشيوخ) وفي انتخاب حكام الولايات. وكان جميع المحللين يعتبرون ان هذه الانتخابات ستكون بمثابة استفتاء على دونالد ترامب نفسه. ولكن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر اذ جاءت نتائج الانتخابات النصفية بعكس ما كان يتوقعه فريق دونالد ترامب، حيث فاز الحزب الدمقراطي بالاغلبية في مجلس النواب، بينما احتفظ الحزب الجمهوري بصعوبة بالاغلبية في مجلس الشيوخ وحكام الولايات. وهذا يعني ان مركز الرئاسة لم يعد مطلق اليدين في المبادرات السياسية الكبرى، المالية والتجارية والسياسية والعسكرية، الداخلية والخارجية، وان اصدار القوانين والمراسيم سيصبح من الان فصاعدا مقيدا بالبازار السياسي بين الحزبين "الجمهوري" و"الدمقراطي". اي ان اميركا انتقلت من حكم الحزب الواحد الى "ازدواجية الحكم". بكل ما يحمله ذلك من مخاطر الانقسام في "الشارع" الاميركي ذاته، بوجود رئيس متشنج ومتعصب ومتقلب كدونالد ترامب وفريقه. وهذا الانقسام بين غرفتي الكونغرس سوف يعرقل المبادرات التشريعية للبيت الابيض والجمهوريين في السنتين الباقيتين من عهد ترامب. كما ان مجلس النواب باكثريته "الدمقراطية" الجديدة يمكن ان يشرع في اجراء تحقيقات حول نشاط ترامب في قطاع البيزنس، وغسيل الاموال وادارته للمؤسسات الحكومية والقضايا المتفرعة عما يسمى "التدخل الروسي" في الانتخابات الرئاسية الاميركية التي جاءت بترامب الى سدة الرئاسة.
وفي التفاصيل حصل "الدمقراطيون" على 224 مقعدا من اصل 435 في مجلس النواب، فيما حصل "الجمهوريون" على 199 مقعدا.
وحسب استطلاع للرأي العام اجرته وكالة IPSOS فإن الفضل في انتصار "الدمقراطيين" يعود الى اصوات النساء والشبان واللاتينيين. حيث حاز "الدمقراطيون" على 55% من اصوات النساء (وبلغت نسبة مشاركة النساء 53% من مجموع الناخبين)، وعلى 33% من اصوات اللاتينيين (وهذا يزيد عن انتخابات سنة 2014)، و62% من اصوات الشبان من الفئة العمرية 18 ـ 34 سنة. وصوت 65% من الناخبين البيض غير الحائزين على شهادة جامعية، لصالح الحزب الجمهوري. وهذا دليل ساطع على الانقسام بين البيض والملونين.
وفي استطلاع للرأي قال 64% من الناخبين انهم يذهبون للتصويت من اجل اظهار عدم رضاهم عن حكم ترامب.
وقد انعكست نتائج الانتخابات النصفية على الاسواق المالية اذ انخفض الدولار امام اليورو بنسبة 0،6% وامام السترليني بنسبة 0،4%.
وعلى العموم "دلت نتائج الانتخابات النصفية ان قسما كبيرا من الناخبين يريد ان يضع حدودا امام ترامب في السنتين القادمتين من عهده" كما كتبت The Washington Post. وسيكون بامكان مجلس النواب ان تكون له كلمته في السياسة الخارجية الاميركية وان يطالب بالمحافظة على الستاتيكو (الوضع القائم) في العلاقات مع الصين وايران، وان كان سيتشدد في العلاقات مع روسيا ومع السعودية وكوريا الشمالية. وسيتوجب على ترامب من الان فصاعدا ان يختار بين تهدئة اللعبة او الاستمرار في التصعيد. والارجح ان ينحو نحو الخيار الثاني. ولكنه سيواجه الضغط من قبل الحزب الدمقراطي.
ويذكر انه شارك في الانتخابات اكثر من 100 مليون ناخب، وهو رقم قياسي بالنسبة للانتخابات النصفية. وقد انفق المعسكران 5،2 مليارات دولار على الحملة الانتخابية وهو ايضا رقم قياسي.
ان مرحلة ما بعد الانتخابات النصفية الاميركية الاخيرة لن تكون كما قبلها، بل ستكون مليئة بالمطبات والمفاجآت اقائمة على الانقسامات السياسية والاجتماعية والاتنية والدينية، والناتجة عن السياسة الاميركية الخرقاء بوجود ترامب او بدونه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء