الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بَابُ السُّفَرَاء

ادريس الواغيش

2018 / 11 / 13
المجتمع المدني


قد يُصبح “باب السُّـفـرَاء“ بالرباط أشهر من كل الأبواب التاريخية بالمغرب، يَـعرفه الناس ويُعَـرِّفون به أكثر من “باب منصور لعْـلج“ في مكناس أحد أكبر الأبواب وأجملها و“باب أبي الجُـنود“ المشهور بفاس، وقد يُصبح مكانا للزيارة في المستقبل لأجيال بأكملها.
لم أكن أعـرفُ أن هناك باب اسمه “بابَ السُّـفرَاء“ في الرباط، رغم أنني اعتصمت في الرباط مرارًا من أجل العراق أو فلسطين في زمن فائت، لكن حُصولي على “شهادة عُـليا“ جعَـلتني أتردَّدَ عليه في السنتين الأخيرتين من حين لأخر مطالبا بالترقية وتغيير الإطار، وفي كل مرَّة يترك بداخلي جُـرحا غائرا أكبر من الذي سبقه، “فوالله لو أنني كنت أعرف أن بابـًا مثل هذا ينتظرني، ما قرأت“ يقول لي صاحبي من حاملي الشهادات العليا والألم يعتصر قلبه.
هذا البَـابُ جسْـرٌ مَـمنوعٌُ في وَجه العُـبُـور
هذا البابُ طريق مفتوح نحْـوَ الإعْـصار
نخيل شارع محمد الخامس بالرباط على بُعْـد عَـشرات الأمتار منه شاخ، أصبح طاعنا في السِّـن ولم يعُـد قادرًا على الوقوف أو الإدلاء بشهادة. كل يَـوم فيه كـَـرٌّ وفـَـرٌّ، لم يعُـد مكانا للأماني الكبيـرة أو حتى الصَّغيرة، خُـطـوَة ناقصة فيه قد تفقِـدُك توازن الساقين أو تتخلى عنك أجنحة الرّيـح، وتصبح على مَـرمى حَجَـر من فولاذ خـُوذات معدنية وأحذية ثقيلة أو تداهِـم جُمجُمـتك كل أحْجَـام الهَـرَاوات.
كـُل ُّنهاية يَـوم تفقـَّد فيه لا فِـتات رَمادَها، والناس زاحـفة نحو المَساء.
الشمـسُ تبخل عـلى الجُـموع بالشـُّروق، كل الأبواب مُـوصدة، ودَمُـنا يسيل على “باب السُّفـرَاء“.
لهم قطر الندى والسيارات الفارهـَة التي هي من دَمِـنا تمُـرُّ بجُـنون نكاية فينا، ولنا ألـوَان السَّـراب.
لا تقل لي : “أنا قـارئ يا صاحُ بَعْـد اليَـوم“، لكانت قيمَة وكان لي مَعْـنىً هُـنا.
(ما أنا بقارئ) يقول لي أستاذ خـَمْسيني من جَـنوب الـرُّوح
اقـرأ رَمَـاد كـلامـك في صمت، وأنت في الطريق إلى مزرعَـة الشـَّوْك
أمامك أسـوارٌ وأشجَـار صُـمٌّ بُـكـْم ثم بَـابٌ وبَـابَـان، قبل أن تصل “بَـابَ السُّـفراء“، واسأل بختك.
هناك سيقول لك سُـفـرَاءُ لا كالسُّـفراء بخـُوذات الفـُولاذ:
- “أنت مَمنـُوع من عُـبُـور الجـِسْـر، ارجع من حيث جئت، فالباب مُفخَّخة بكل المَشانِـق يا ولدي“.
يقول لهم كـَبيرهُـم: أوْصِدُوا تلك البَـاب، لأنها مَحظورَة على الفاتحين الجُـدُد، ولنا تصاريحٌ بسَحْـل النوارس الـتي يحْمِـل معَـها “شهاداتٌ عُـليا“ في الطـُّرُقات
البابُ مَـرصُودٌ للأسَـاطير والرُّؤيَـا من بَعيـد، ونصبٌ تذكـَاري للزيارة .
في الجانب الآخر وعلى الشاطئ، يوجد بَحْـرٌ أصَـمٌّ. للرِّباط جَـناحَـيْـن وزمَـنيْـن، ولي زمَـني
لا تـُضايقني الأبـوَاب المُغـلقة، مَـلاذي شهَـادة ميلادي
وعلى بُعْـد أمتار منـّي، حَمامة تُسَـابق ظلها بجناح مكسُـور
كل يَـوم تخـرجُ علينا الحَـقيقة عَـارية
نسرعُ الخـَطـو، تتبعنا الخـَيْـل المُسـوَّمة
مُبطئين كـرًّا وفـرًّا بين إيّـاب وذهَـاب، تـُرفع العِـصيُّ، فإذا هي ثعَـابين تسعى
سرج رُكبَـتاك يا صديقي، وَحْـدَهُـا من ينقذاك من خُـذرُوف المِـعْصَرة
فوق سَـماء رؤوسنا مَـطرٌ وتحت أقـدامنا جَـمْـرٌ، والدُّمُـوع المُنهمِـرة مضيعَة
تقول رفيقتي في الجَـري: انظر هنا، لا مكان لي رَخـْـوٌ في عَظـْمَة الرأس
يقول لي صاحبي: أجري نعَـم، لكني لن أهْـزَم حتى النصر
وأقول أنا: يا “حَـسَّان، افتح لي “أبواب السُّـفرَاء“ أو هات لي مفاتيحَـها..
“أبواب السُّـفرَاء“ مَـزَّقـها الرّيح، يُخطئ “ التـُّرَام“ مَـوعده بعد وقت الزوال، يمضي الليل ويطلع نهَـار آخر ومعَه اسمٌ جَـريح. لا أخبَـارُ في جَـرائد النهَـار سـوى الغـُبار يا صاحبي.
ها قد عبرنا الأبْـوَاب في الصباح، دَخـَّان السيارات يابـسٌ لازال عالقا في حَـناجرنا، وهي تـردِّد نصوصًا سرديّـة وشعَارات، ينتهى نشيدُنا تحت نقيع الانتظار ثم نمضي، ويبقي للأصوات نـُباحها المَـوسميّ، ولعصي الخَـيزران مَـواويل أُخـَر وهراواتُ تُـحَـاصر ظِـلال النخيل في أكبر شوارع الرباط...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا