الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 3

دلور ميقري

2018 / 11 / 13
الادب والفن


حياة العزلة، المعتاد عليها في حجرته العلوية، جعلته شبهَ منسيّ من جانب أفراد العائلة. أحياناً، كان يصله هنالك أصواتُ مشادة ما، منبعثة من البيت التحتاني أو من حجرة " لوحا "، المجاورة لحجرته. وعادة أيضاً ما كانوا يشعرون بالحرَج، حينَ ينزل إليهم بعد حل المشكلة، وكأنما بوغتوا على حين غرّة بوجود غريب في ظهرانيهم. في ذلك اليوم، المقرر فيه أن يحزموا حقائبهم استعداداً للسفر صباح الغد إلى الصويرة، أبلغهم الابنُ الكبير فجأةً بان امرأته ستبقى في المنزل. ويبدو أن هذه ثارت وتحدّته، وكان ذلك سبب المشكلة.
" لقد صدّعنا رأسك، أليس كذلك؟ "، خاطبت الأمُ صهرها السوريّ مبتسمة وخجلة. بعد قليل، تحلقوا جميعاً حول مائدة الغداء وكان التوتر ما ينفك يلوح على وجوه البعض. مكان الصهر على المائدة، كان محدداً مذ أن أضحى بمثابة أحد أفراد العائلة. " أميل " الصغير، كان قد دأبَ على محاولة الاستئثار بالمكان في أثناء وجوده لديهم. عندئذٍ وفيما والدته تتجاهل الموقف، فإنّ الجدّة تنتهر الغلام صارخة به أن يترك المكان. هكذا موقف، تكرر في يوم المشادة ولو بطريقة مختلفة. كون " لوحا " متوتراً بعدُ، لم ينتبه لنظرات الآخرين الواجمة وهيَ تحدق فيه. وإذا بامرأته تقول له بنبرة شديدة: " تنحَ قليلاً كي يجلس الرجل! ". بدَوره، ألقى عليها نظرة خاطفة قبل أن يُخلي مكانَ الضيف. هذا الأخير، دارى ارتباكه بينما كان الآخرُ يغادر الأريكة: " أبقَ، أبقَ.. ليسَ ثمة مشكلة! "، نطقها بعجالة ولهوجة. لقد تأثّر " دلير " ولا ريب بما جرى، طالما أن المرأة تعاملت مع زوجها كما لو أنه غلامٌ غرير. وكان الرجل جديراً بالشفقة، لما أبتلع تصرفاً جديداً تبعَ الأول مباشرةً: من مكانها على الأريكة المجاورة، تزحزحت " حسنة " رويداً حتى كادت ركبتها تلتصق بركبة الضيف. وزادت بأن راحت تسكب في صحنه من طبق السلطة، مبتسمة بلطف في وجهه. يدها البيضاء والرقيقة، كانت تقوم بعملها في غاية النعومة وكأنما تتمتع بلمس شيءٍ عزيز.

***
ذكرنا في مكان ما، أنّ مواطناً سورياً آخر كان قد حظيَ فيما مضى بالحلول في المنزل بصفة خطيب " حياة ". وكان يماثلها في العُمر، هذا الشابُ المتجاوز الثلاثين، القادمُ من حلب؛ المدينة الكبرى، العريقة القِدَم. الشاب، ويُدعى " حدّو " بحَسَب تحريف اسمه، سرعان ما أثبتَ أصالةَ انتمائه للعاصمة الاقتصادية لبلاد الشام. إذ جاء مراكشَ للعمل في صناعة الأسنان، مدفوعاً بنجاح بعض مواطنيه ممن يمارسون نفس المهنة. فلم يمضِ عامان إلا وورشته تزدحم بالزبائن، المحتاجين لأسنان سليمة كي يتمكنوا من كسر العظم وامتصاص نخاعه. في حقيقة الحال أنّ الأوساط الفقيرة في المدينة الحمراء، وأيضاً المتوسطة، كانت دوماً تشتكي من جشع أطباء الأسنان المحليين علاوة على رداءة عملهم.
" حياة "، كانت إحدى أولئك الزبائن، ويلوح أنها لفتت نظرَ " الطبيب " لمزايا معينة. إلا أننا نستبقُ وصفَ الفتاة، بأن نتعرف على ما لدى صاحبنا من مزايا. وفق شهادة امرأة محقق هذه السيرة، كان أول ما يلفت النظر في الشاب هوَ قصر قامته وجسمه الرعبل. بينما ملامحه على شيء من الاعتدال ولونه أبيض؛ أي شأن الكثير من مواطنيه. في المقابل، كانت تتسمُ عموماً بالمبالغة، هيئةُ مَن ستصبح خطيبته غير الرسمية: طول فارع، بدن نحيل، صدر أعجف وكفل هزيل. بشرتها أيضاً ذات لون قاتم باهت، ولكنه ملائم لجزة شعرها المجعدة والمنفوشة. فيما قسمات سحنتها حادة بارزة، وبالأخص فمها بصف أسنانه العليا الناتئة بشدّة. مع ذلك، كانت لها قوة شرسة تفوق ما لدى بعض الرجال، وأثبتت ذلك منذ صغرها في معارك الزقاق والمدرسة سواءً بسواء.
في الفترة نفسها، التي دُعيَ فيها " الخطيبُ " للإقامة في منزل الأسرة بهدف توفير أجار شقته والمصاريف الأخرى، كانت كنّتهم تستقبلُ شقيقتها الكبيرة لأجلٍ غير معلوم. هذه الأخيرة، ولنقُل أن اسمها " ميرا "، كانت في ذلك الوقت ما تفتأ على ذمة شخص شرس وحشاش. في واقع الأمر، أنّ الزوج هوَ مَن دلّ " لوحا "، صديقَهُ وجاره، على شقيقة امرأته وكان سنّها آنذاك لا يتجاوز الخامسة عشر. الشقيقتان، كانتا تتمتعان بملامح جميلة وادعة وعذبة، وفوق ذلك، بشرة عسلية ناصعة وشعر ناعم فاتح اللون. الكبيرة فيهما، كانت تتميز أيضاً بالدهاء والجسارة وبعض الوقاحة. ما سيظهر عليها من التبذل والانحلال لاحقاً، ونعني في فترة إقامتها بمنزل حَمي شقيقتها، أحيلَ إلى معاشرتها ذلك الزوج قرابة العامين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا