الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الاسلام ضد الرأسمالية من حيث المبدأ!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2018 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


هل الاسلام يدعو أن يكون الناس سواسية في الرزق والكسب المالي ومستوى المعيشة!؟؟؟هل الإسلام مع الشيوعية أم الاشتراكية أم الرأسمالية!؟؟.. ما هي فلسفة الإسلام في الاقتصاد والإنتاج وتوزيع الثروة!؟.

صحيح أن الاسلام يقول أن الناس سواسية كأسنان المشط وأنه لا فرق بين عربي وأعجمي وأسود وأبيض إلا بالتقوى ولكن هذا فيما يتعلق بأمرين :
الأول: المساواة في الكرامة الآدمية وحقوق المواطنة ..
والثاني المساواة أمام القانون والقضاء ...
ولا يصح هنا خلط الأوراق والادعاء أن الاسلام يدعو للمساواة (المطلقة والتامة) بين الناس في الرزق المادي بحيث يكونوا سواسية في المعاش ومستوى المعيشة والملكية والثروة الخاصة!!... الاسلام يدعو للعدالة والكفالة الاجتماعية لا للشيوعية .. فالشيوعية تقول (من كل مواطن حسب طاقته ولكل مواطن حسب حاجته!) وتقول (إن الادخار الزائد عن حاجتك هو حاجة انسان آخر) ويجب على الدولة أن تأخذ ما يفيض عن حاجتك من انتاجك وتعطيه لذلك المحتاج غصبًا عنك، شاء من شاء وأبى من أبى!... بينما الاسلام يقول (لكل انسان ما سعى) أي (من كل انسان حسب طاقته ولكل انسان حسب جهده واجتهاده وانتاجه) فلا يمكن المساواة بين من أنتج عشرة أقلام بيده ومن أنتج قلمًا واحدًا !!... الاسلام يقر بالسوق الحرة القائمة على الملكية الخاصة والتجارة والتنافس على الربح من حيث المبدأ فهذا هو الوضع الطبيعي الناتج عن الفطرة الانسانية والاسلام دين الفطرة، وهذه الأمور التي أقرها الاسلام أي حب التملك والملكية الخاصة لوسائل الانتاج كامتلاك الفرد أو مجموعة افراد لمصانع أو مزارع والسعي لتنمية الثروة عن طريق المشروعات التجارية التي تستهدف الربح هو أساس الرأسمالية كما وصفه الفكر الشيوعي والماركسي، ولهذا فإن الاسلام يقر مشروعية النظام الرأسمالي من حيث المبدأ ويقر أن السوق الحرة الرأسمالية الحرة هي الأساس الطبيعي للاقتصاد ولكنه لا يتركها تعمل على هواها بدعوى أن (السوق عاوزه كده!!) و(دعه يعمل ودعه يمر فهو حر!) بل إن الاسلام - بعد هذا الاقرار بمشروعية السوق الحرة وفتح باب التنافس العادل والحر لكسب المال والثروة كما في كسب العلم والمعرفة - نجده يعمل على ضبط هذه السوق الحرة وهذا التنافس الطبيعي وتهذيب هذا الحب الفطري للتملك ولتنمية الثروة لدى البشر وذلك عن طريق توجيهاته التربوية الاخلاقية وتشريعاته الحقوقية بحيث لا يقع التظالم بين الناس ولا يتسبب هذا التنافس في الحاق الضرر بالمجتمع ككل، وبحيث تصبح السوق الحرة، التي تعمل وفق قانون العرض والطلب أو الطلب والعرض!، سُوقًا عادلة مفيدة للمجتمع ككل لا سوقًا أنانية مجنونة أنانية متوحشة منطلقة كالفرس البرية بلا لجام تحطم كل ما في طريقها!، تحطم المجتمع وتحطم البيئة الطبيعية وتدمر فطرة الانسان!... كما أن الاسلام - مع سماحه بالتنافس الاقتصادي بين الناس على الكسب وتعظيم الثروة - يضع على عاتق المجتمع المسلم ودولته الوطنية الخادمة والناظمة له وجوب تحقيق أمرين:
(1) الأول: هو (مبدأ العدالة) بحيث يحصل كل من شارك في الانتاج على نصيبه العادل المناسب لحجم مساهمته في خلق هذا الانتاج العام أو الخاص، فللرأسمالي (صاحب العمل والمشروع) حقه، وللعامل اليدوي والاداري والفني حقه سواء شارك بجهد عضلي أو عقلي ومكتبي، وللدولة الحارسة لنظام السوق حقها، وللفقير المحروم حقه!.
(2) والمبدأ الثاني هو (مبدأ الكفالة) أي سعى المجتمع لضمان حياة كريمة لجميع افراده ابتداءً من توفير (الحاجات الضرورية الأساسية) للمواطنين وتطلعًا - إذا أمكن - نحو توفير (الحاجات الكمالية).. فيكون من مُهام الدولة المسلمة باعتبارها خادمة المجتمع العمل على رعاية وتوفير هذه الحاجات الأساسية للافراد ولو في حدها الأدني، فهي تأخذ جزءًا من أموال الاثرياء القادرين على انتاج وتعظيم الثروة وترده على الفقراء المحرومين والعاجزين عن تنمية ملكيتهم وتحسين أحوالهم المعيشية، بحيث لا يكون هناك فقير ولا محروم في المجتمع بل يتحقق حد الكفاية للجميع... وهذه الفلسفة الاجتماعية التي تقوم على هذين المبدأين (العدالة) و(الكفالة) هي فلسفة الاسلام في انتاج الثروة وتدوير المال وتوزيع وتفتيت الثروة بشكل يحقق العدل والخير العام للمجتمع بشكل عام في الوقت الذي يحاول فيه الأفراد تنمية ثرواتهم الخاصة، فالثروة الوطنية - ثروة الأمة - لأي مجتمع تتمثل في نوعين من الثروة هما: (الثروة العامة) التي تشرف عليها الدولة وهي ليست مملوكة ملكية خاصة وبعضها غير قابل للتملك الخاص أبدًا وبعضها قابل للتخصيص + (ثروات الافراد الخاصة) التي يشرفون عليها بأنفسهم، فيكون على الدولة السعي لتنمية الثروة العامة بينما على الأفراد تنمية ثرواتهم الخاصة وبهذا تنمو ثروة الأمة ككل (الثروة الوطنية والقومية) وهو ما تم تطبيقه في أوروبا الغربية وما اتجهت إليه الدول الشيوعية السابقة حاليًا كما في روسيا والصين أي:
(1) السماح للرأسماليين بحرية تنمية ثرواتهم لأن ذلك يعني تنمية الثروة الوطنية ككل كما يعني خلق فرص عمل للعاطلين عن العمل.
(2) ايجاد نظام عادل لتوزيع الثروة بطريقة راشدة وعادلة بحيث يستفيد من (النشاط الرأسمالي) للأفراد - افرادًا وشركات - المجتمع ككل!.
الاسلام ليس شيوعيًا قطعًا إذا كانت الشيوعية تعني المساواة التامة في الرزق والأجر بين البشر بالرغم من اختلاف جهودهم كمًا ونوعًا!.. فهذا ظلم وليس عدلًا!.. ومع ذلك فإن الاسلام لا يقر الرأسمالية المتوحشة الأنانية (الطليقة) التي تحدث عنها (ماركس) والتي كانت سائدة في الغرب مع الثورة الصناعية قبل اضطرار الغربيين إلى أنسنتها وتهذيبها ولجمها خوفًا من (الغول الشيوعي) الذي كان يزحف نحوهم ببطء وبشكل مخيف!.. فالاسلام يقر حق الأفراد في السعي لتنمية ثرواتهم بكل الطرق (المشروعة) عن طريق الادخار والاستثمار التجاري وزيادة الانتاج الزراعي والصناعي أو حتى عن طريق الانتاج الأدبي والفني .. انتاج السلع وانتاج الخدمات وممارسة المهن الاحترافية... ويقر أن نتيجة الفوارق الفردية (الطبيعية) في (المواهب) سيكون هناك اختلافًا في (المكاسب) مما يعني وجود تفاوت في الرزق بين البشر ولكنه تفاوت ينبغي أن يكون ناتجًا على أساس العدل مع توفير المجتمع لجميع افراده الفرص في التعلم والعمل والنشاط الاقتصادي .. مع مراعاة حقيقة واقعية لا يمكن الا الاقرار بها فالدولة بجهدها الارادي الواعي يمكنها اتاحة الفرص المتساوية لكل المواطنين في كسب العلم والمعرفة وكسب المعاش وتنمية المال.. ولكن لا يمكن المساواة بين الفرص في كل شيء في واقع الحياة!.. هذا أمر صعب المنال إن لم يكن من المحال!.. فطفلة ولدت بجمال متواضع وأخرى بجمال باهر، وهذا طفل ولد في عائلة فقيرة أو محدودة الدخل وذاك ولد في عائلة ثرية تقطر ذهبًا !.. هذا ولد ابنًا لوزير وذاك ولد إبنًا لغفير!... ولكن بالرغم هذه الفوارق الفردية والاجتماعية الواقعية فإن الفتاة متواضعة الجمال تتفوق في الحياة على رفيعة الجمال!.. وابن الغفير قد يتفوق على ابن الوزير في العلم والعمل وقد يتفوق عليه أيضّا في مستوى المعيشة!.. المهم أن تكون الفرص للترقي وتطوير الذات وتحسين المعاش متوفرة وبهذا يمكن تحقيق العدل النسبي العملي الممكن بين الناس لا وفق التصور المثالي والطوباوي والمطلق وغير الممكن للعدل!.
- قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}(الزخرف:32).
- وقال: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ؟}(النحل:71).
- وقال: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}(الاسراء:21) .
فالتفاضل بين الناس في الدنيا ووجود درجات وطبقات اجتماعية مختلفة هو أمر طبيعي يخدم حركة التقدم العمراني والنمو الحضاري، التفاضل الفردي في المواهب والمكاسب أساس التكامل الاجتماعي، وهو سنة من سنن الله في خلقه بشرط أن يكون أساسه التعادل من جهة، ومن جهة أن تكون هذه الدرجات والطبقات مفتوحة وليست مغلقة تحتكرها فئة اجتماعية مقدسة كما كان في الهند قديمًا، بل طبقية مفتوحة وعادلة بحيث من يجدّ ويكد بجهد اليدين وعرق الجبين من أفراد المجتمع بغض النظر عن أصوله الاجتماعية يصعد إلى الأعلى في

(*) كما ذكرت في مقالات سابقة أن الشيوعية هي تصور مثالي طوباوي للوضع الاجتماعي العادل.. ولكن هذا الوضع المثالي واقعيًا غير قابل للتطبيق العملي فإذا جاء بعض الثوريين الراديكاليين وأرادوا تطبيقه بالقوة على اعتباره قمة العدل تكون النتيجة هو احدث شر أكبر من الشر السابق الذي ثار هؤلاء ضده وبهدف تغييره!.. الشيوعية مثال يلهب العقول والقلوب نحو الارتقاء أكثر وأكثر نحو المزيد من العدل .. هكذا أنظر عليها!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس