الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جولة من العدوان انتهت.. ولكن

وسام الفقعاوي

2018 / 11 / 14
القضية الفلسطينية


بقلم: د. وسام الفقعاوي*.
بجهود مصرية ودولية تم تثبيت ما أطلق عليه وقفاً "لإطلاق النار"، مع أن هذه الصيغة لا تنطبق على واقع الحال القائم، على اعتبار أن مبرر وجود المقاومة أصلاً هو مقاومة الاحتلال ووجوده، وفي الوقت نفسه، الدفاع عن شعبها وذاتها، في مقابل عدوان الاحتلال المستمر والمتصاعد بين حين وآخر. بمعنى أن استخدام هذه صيغة وقف "لإطلاق النار" يضعنا في موقع متكافئ مع العدو وقدراته، دون لحظ الفارق الكبير في موازين القوى المختلة تماماً لصالحه، بحيث ينطبق علينا القول: بأن الكف تناطح المخرز، أو الصدر العاري يواجه قذيفة المدفع، أو الرأس المكشوف في مواجهة الصاروخ، بحيث كانت المعادلة تتطلب وقفاً للعدوان بما في ذلك من إقرار بمسؤولية العدو، وضرورة تحمل نتائج ذلك. فهذه الصيغة تعني صراحةً وضمناً العودة لتثبيت اتفاق التهدئة الذي كان يتطور باستمرار أو ما سمي بالهدوء مؤخراً، وليس هذا فحسب، بل والبناء عليه من قبل أطراف الوساطة والعدو الإسرائيلي معاً للوصول إلى مبتغاهم.
فكما هو معروف في أبسط حسابات السياسة، لا حرب عسكرية دون أهداف سياسية، حتى في توغل القوة الخاصة الصهيونية، شرق خان يونس مهما تظللت المهمة، بأنها كانت بأهداف قتالية أو استخبارية، بالمحصلة الحصاد كان يجب أن يكون بالنسبة للعدو على الجبهة السياسية، من خلال النيل من المقاومة وإضعافها، والنيل والإضعاف سيصب بالضرورة في صالح الأهداف السياسية الإسرائيلية، التي تعمل دائماً في سياق الانضباط للاستراتيجية الصهيونية الأشمل، التي تهدف في المحصلة إلى تعظيم منجزاتها وضمان استمرار وتقدم مشروعها. وعليه لا يمكن فصل العدوان الذي تصاعد بعد كشف القوة الإسرائيلية شرقي خان يونس، وإن بدا العدو مربكاً أو متردداً أو متآكلاً في قوة ردعه، إلا أن له حساباته السياسية في المحصلة، والمضمر منها أكثر من المعلن، وهذه الأهداف بالتأكيد لن يستطيع تحقيقها، من خلال قوة نيرانه التي استهدفت البشر والحجر والشجر وحدها، بل من خلال من يقوم بالمهمة نيابة عنه أيضاً، تحت عناوين متعددة: وقف إطلاق النار، اتفاق التهدئة، الحل الإنساني، الإنعاش الاقتصادي، والتي قد تبدو مختلفة، لكنها في محصلة حسابات السياسة تؤدي إلى ذات النتائج التي يراد تحقيقها تحت شعار: الأمن مقابل الغذاء، أي الأمن لإسرائيل ومستوطناتها المحيطة في قطاع غزة، مقابل الغذاء والإنعاش الاقتصادي للقطاع وسكانه، مع استمرار مفاعيل فصله عن الجغرافيا الفلسطينية، خاصة وأن التقارير الاستراتيجية الإسرائيلية، سواء الصادرة مؤخراً عن مؤتمر هرتزيليا أو معهد الأمن القومي الصهيوني، أخرجت أو اقتطعت قطاع غزة تماماً من تلك الجغرافيا، وتبحث له عن حل منفرد، بسلطة محلية وإدارة دولية وعربية.
لقد توقف العدوان، بعد أن تدخل "الوسطاء الدائمين" وغير الضامنين للنتائج بما يتعلق بنا نحن الفلسطينيين، لكنه لم يتوقف بسبب جهود الوساطة وحدها، بل لأن هناك حسابات سياسية واستراتيجية إسرائيلية هي من حددت وقفه بالأساس، أبرزها:
أولاً: أن العدو الإسرائيلي لم يكن "يرغب" بالأساس في الدخول بعملية واسعة أو حرب شاملة ضد القطاع، كما بدا واضحاً من طبيعة ومستوى مهمة القوة الخاصة، أو ما تبع اكتشافها من هجمات بقيت محسوبة تماماً، كما مستوى قدرتها على التأثير في الوضع الداخلي في قطاع غزة، من خلال استهداف المباني السكنية ومقرات الأجهزة الإعلامية والأمنية والمصالح الحيوية لحركة حماس بالتحديد.
ثانياً: يعتبر العدو أن الجبهة الرئيسية الأكثر أهمية وسخونة بالنسبة له، هي جبهة الشمال، حيث بات يقف كل من: "إيران وسوريا وحزب الله"، على الحدود الشمالية لفلسطين، والتي تتطلب تهدئة جبهة الجنوب، وضمان استقرارها، كي يتفرغ لها وللمخاطر الكامنة والمستقبلية منها.
ثانياً: يعتبر العدو الإسرائيلي أن مشروعه الرئيسي، بالتوازي مع فصل غزة عن الجغرافيا الفلسطينية، هو ابتلاع الضفة الغربية بما فيها القدس، من خلال استكمال مشروعه التهويدي والاستيطاني، بالترابط مع عمليات الوصل بين "المدن" الاستيطانية فيها، والفصل في ذات الوقت بين التجمعات الفلسطينية، بما يضمن له السيطرة على أكبر مساحة من الأرض، بأقل عدد من السكان، وهذا يتطلب عدم توحيد الحالة الفلسطينية الوجدانية منها، كما الجغرافية، تحت سقف صد العدوان والمقاومة، حتى لو كان بأضعف الإيمان "التضامن".
ثانياً: الحسابات السياسية الإسرائيلية الداخلية، سواء لجهة قدرة الجبهة الداخلية على تحمل أكثر من تهديد وخطر في ذات الوقت: الشمال، والداخل، والجنوب، أو لجهة الاختلافات داخل أقطاب الحكومة الإسرائيلية: ليبرمان – نتنياهو – بينت، أو لجهة ملفات الفساد المرفوعة بوجه نتنياهو، أمام القضاء الإسرائيلي والتي لا يرغب بتركيم فشل محتمل فوقها، أو الانتخابات النيابية القادمة.
رابعاً: تصاعد وتائر التطبيع الرسمي وغير الرسمي بين العديد من النظم العربية، والذي اتخذ أشكالاً سياسية ودبلوماسية وثقافية ودينية ورياضية عديدة، حيث أن تصاعد العدوان والانزلاق نحو حرب شاملة، سيؤثر على هذا التطبيع ووتائره، خاصة في حال تصاعدت الحالة الشعبية الرافضة للعدوان والمتضامنة مع غزة، وتأثيرها على أنظمتها المطبعة، ولو من باب "حفظ ماء الوجه المؤقت"، لهذه الأنظمة أمام شعوبها، وهذا ما لا يرغب به العدو الإسرائيلي، كما نتنياهو شخصياً، الذي يعتبر أن التطبيع من أهم "الانتصارات" التي حققتها دولته وهو شخصياً خلال هذه المرحلة.
خامساً: لا يريد العدو ولا يرغب في الوقت ذاته، قطع سياق استكمال تطبيقات ومفاعيل "صفقة العصر" الأمريكية - الصهيونية، من خلال إعادة طرح ملف القضية الفلسطينية على بساط البحث الأممي، حال تدهورت الأوضاع واتسع مدى وصدى العدوان، وهذا يعني ضرورة أن يبقى ملف القضية الفلسطينية، كما كان في التسوية ملفاً حصرياً أمريكياً، وأن يكون أيضاً في التصفية ملفاً حصرياً أمريكياً.
سادساً: في سياق الشراكة الأمريكية – الصهيونية، فإن الملف الرئيسي في المنطقة بالنسبة لهما إلى جانب الفلسطيني، وبما لا يقل أهمية عنه، هو الملف الإيراني، المطلوب أن يبقى حاضراً كعدو رئيسي للأنظمة الرجعية في المنطقة، وليس العدو الإسرائيلي فقط، الذي يسعى لبناء تحالف عربي تحت مسمى "الناتو العربي" ضد إيران الذي سيكون بالزعامة الإسرائيلية على الأغلب، لاستكمال حلقات إطباق الحصار عليها والمقاطعة لها، على طريق إخضاعها.
إجمالاً، لنا أن نقول أن المقاومة حققت إنجازاً نفخر ونعتز به في سياق صدها للعدوان، وقد تكون فرضت معادلة مختلفة عما سبق من حروب وعدوانات ضد القطاع، ولكن الأهم في أي سياق يجب النظر إلى هذا الإنجاز دون تضخيم له أو تقليل منه، باعتباره جولة من جولات الصراع المديدة والمستمرة مع هذا العدو، والمطلوب البناء عليها من خلال تطوير أداء الغرفة المشتركة لقوى المقاومة، وتعزيز وحدتها السياسية والميدانية، من خلال بناء جبهة مقاومة موحدة نشطة وفاعلة ومثمرة، والإقدام خطوات سريعة نحو طي صفحة الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، على أساس استراتيجية وطنية موحدة وشاملة؟ أم سيستغل ذلك من أجل تعظيم المكتسبات الحزبية والفئوية لهذا الفريق أو ذاك، وأقصد هنا بالذات حركة حماس التي تقبض على زمام الحكم في القطاع؟
ما سبق من أسئلة يتطلب من حركة فتح أيضاً، مغادرة قيادة الحالة الفلسطينية، بمنطق الإقطاعية التي يبدو أنها تعززت بفعل عوامل التفرد والهيمنة والاستئثار التي وصلت لأن تصبح إقطاعية شخصية، إلى جانب الكف عن الرهان الخاسر على نهج التسوية ومفاوضاتها مع العدو، فالأجدى والأجدر أن تجري المفاوضات والتسوية في إطار الحوار الوطني الفلسطيني الشامل، كي نعيد لشعبنا الثقة بنفسه، وببرنامجه الوطني التحرري، وبمنظمة تحريره التي باتت بحاجة ماسة لإصلاح وتحديث قبل فوات الآوان، وكل ذلك، رهن قدرتنا على امتلاك زمام المبادرة فكرياً وعملياً، بمستوى امتلاكنا إلى حدود واضحة زمام المبادرة في ميدان التصدي للعدوان، وأي مبادرة أهم من تغيير واقع الحال، إلى ما هو أفضل؟!
*أكاديمي ورئيس تحرير بوابة الهدف الإخبارية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي