الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيكولاي بوخارين: تنظيم الجيش وهيكل المجتمع (مقال مترجم)

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2018 / 11 / 14
الارشيف الماركسي


هذه الترجمة الكاملة لمقال "تنظيم الجيش وهيكل المجتمع" للسياسي والمفكر السوفييتي نيكولاي بوخارين
نقلا عن النص الإنجليزي من موقع: Marxists Internet Archive
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتحدد تنظيم الجيش دائمًا من خلال الهيكل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يُبنى عليه. وهذه المؤسسة بعيدة كل البعد عن أن تكون ثابتة أو جامدة؛ فعلى العكس من ذلك، دائمًا ما يمكن تتبع تطور — وهو التطور الذي كثيرًا ما يمكون ثوريًّا — الأشكال التي يجري تبنيها من هذه المؤسسة بدقة. ومن السهل فهم الأسباب الأساسية لذلك. يتشكل المجتمع، بأشكاله التاريخية المتغيرة، وفي أية مرحلة، وفقًا لمبدأ واحد، والذي يُمثِّل — في أجزائه المختلفة — "نمطًا" واحدًا؛ وهو دائمًا النمط نفسه. إن أساس المجتمع الذي تسود فيه العبودية هو العلاقات الطبقية بين ملاك العبيد و "الأدوات البشرية" المحرومة من جميع الحقوق. يتزامن الغياب القانوني لجميع الحقوق مع الاستغلال الاقتصادي. وتأتي بنية الآلة السياسية مماثلة لـ"البنية الاقتصادية" للمجتمع. وفي العصور التي هددت فيها ثورات العبيد وجود ملاك العبيد، كان الجيش يتألف من "مواطن حر"، فيما جرى استبعاد العبيد؛ حيث "كانوا لا يستحقون حمل السلاح".
دعونا نأخذ مثالًا أقرب إلينا؛ أي المجتمع الرأسمالي. إن الأساس الاقتصادي للمجتمع الرأسمالي هو العلاقة بين مالك وسائل الإنتاج؛ أي الرأسمالي، والعامل الأجير الذي ليس لديه ممتلكات. يعكس النظام السياسي هذه الحالة بصورة إما لا يملك فيها العمال حقوقاً متساوية مع الرأسماليين، سواءً من حيث المبدأ أو في الواقع، أو يملكون هذه الحقوق من حيث المبدأ، ولكن ليس في الواقع. وفي الحالتين، يحكم الرأسماليون، ويطيع العمال. يمكن العلاقات نفسها في الجيش؛ فالعناصر التي تمثل المستغلِّين في النظام الاقتصادي تصبح القادة؛ فيصبحوا في الجيش هم الآمرين، وينظمون أنفسهم في ما يسمى فيلق الضباط. من هذا المنظور، فإن المصنع الرأسمالي، وكل مؤسسة من مؤسسات الدولة الرأسمالية، وكل فوج من الجيش الرأسمالي، يُبنى على المبدأ نفسه؛ فعناصر الطبقات أصحاب المراتب العليا في المصنع هم أيضًا أصحاب المراتب العليا في الفوج، أو في أي مكتب حكومي. وعلى العكس، فإن عناصر الطبقات التي توجد في أسفل التسلسل الهرمي في المصنع تقع أيضًا في أسفل التسلسل الهرمي في الفوج، أو في أي جهاز من أجهزة الدولة.
من السهل أن نفهم لماذا نجد، في هذا الشكل من المجتمع، هذه الوحدةَ المميزة للبنية؛ فهي الشرط الذي لا غنى عنه للاستقرار النسبي لنوع المجتمع قيد الدراسة. وبدون هذه الوحدة، فإن المجتمع، كنظام واضح من العلاقات الاجتماعية، سوف ينهار. يؤدي ذلك إلى أن أي نظام اجتماعي معين سوف يكون أكثر استقرارًا، كلما زادت الوحدة بين مكونات تصميمه البنيوي الداخلي؛ أو بعبارة أخرى، كلما زاد تكييف "البنية الفوقية" السياسية — أو غيرها من البنى الفوقية — مع الأساس الاقتصادي.
هذا هو المعيار الضروري للتصدي لمشكلة تنظيم الجيش. قبل قليل من ثورة أكتوبر، كان من الحقائق الأساسية أن الانضباط اختفى من الجيش. لكنه اختفى تمامًا مثلما اختفى الانضباط الرأسمالي من أي مصنع. توقف العامل الذي كان في المستوى الأدنى في المصنع عن طاعة الرأسمالي. وطالبت الطبقة العاملة بحقوقها، وكانت في المقام الأول السيطرة على المصانع ثم إدارتها، ولم تَعُدْ — ولم يَعُدْ باستطاعتها أن — تعمل بعد الآن في طاعة المستغل وتحت إشرافه. ولكن، مثلما لم يَعُدْ العامل قادرًا على العمل مع الرأسمالي وطاعته في المصنع، لم يَعُدْ بإمكانه العمل معه وطاعته في الجيش؛ ومن ثم انهار الجيش ممزقًا أشلاء. وتظهر تجربة الثورتين المجرية والألمانية — وكذلك الثورة الروسية، وبشكل عام، للثورة العالمية التي تنمو متجهةً نحو النضج — إلى حد بعيد أن النوع الرأسمالي من العلاقات بين البشر ينهار في الوقت نفسه على جميع الأصعدة. وهذا هو السبب في أن الأمل في الحفاظ على الجيش بنظامه القديم وهم عقيم، واقتراح لا معنى له إطلاقًا.

دعونا ننظر الآن في الجانب الآخر من المسألة.
ما الذي يجب أن يكون عليه تنظيم الجيش عندما تتأسس الشيوعية بالكامل؛ أي عندما يصبح هناك تنظيم أخوي من العالم الحر؟ الرد واضح: لن يكون هناك أي تنظيم؛ لأنه لن يكون هناك أعداء "خارجيون" أو "داخليون"؛ فلن تكون هناك دول، ولا طبقات، بل إنسانية نقية وبسيطة.
لكن بين الشيوعية العالمية وديكتاتورية البروليتاريا؛ كمسار للشيوعية، ستكون هناك سلسلة من المراحل الوسيطة. فيمكننا أن نتصور، على سبيل المثال، حالة كالتالي؛ في جميع أنحاء أوروبا، تكاد تكون الشيوعية قد ترسخت تماما؛ فقد انتظم الإنتاج الاجتماعي، وتلاشت الطبقة الرأسمالية منذ فترة طويلة أو تغيرت، أو جرى استيعابها؛ فاختفت الطبقات، وأصبح سكان أوروبا مواطنين ببساطة في مجتمع اشتراكي. ولكن في آسيا وأفريقيا، تطورت الرأسمالية؛ فالطبقة الرأسمالية سلحت نفسها؛ وتبنت سياسة إمبريالية مثل سياسة الطبقة الرأسمالية الأوروبية التي سقطت. من الواضح إذن أنه في هذه الحالة، يلزم وجود شكل من أشكال التنظيم العسكري في أوروبا. أي شكل؟ هنا أيضًا الرد واضح: يجب أن يكون التنظيم العسكري للمجتمع الشيوعي — الذي اختفت فيه الطبقات، ولكن يجب عليه محاربة الرأسماليين الأجانب — هو الميليشيا الاشتراكية التي يشكلها الشعب بأكمله. هذا هو الشكل الأكثر حرية وكمالًا للتنظيم العسكري؛ فهو مبنيٌ على الوعي العميق بالتضامن بين أعضاء النموذج الاشتراكي للمجتمع؛ متساوون، ومندمجون نفسيًّا فيما بينهم، وليسوا منقسمين بأي شكل من أشكال التمييز الطبقي. ونادرًا ما يلعب ما نسميه الانضباط الإلزامي أي دور في مثل هذه القوة العسكرية.
يجب تمييز جيش دكتاتورية البروليتاريا عن هذا النوع من التنظيم العسكري؛ فهذا النوع ينتمي إلى المرحلة التاريخية التي تؤدي إلى الشيوعية، ولكن ليس الشيوعية بعد.
هنا، ليس الأساس هيكلًا اجتماعيًّا يستلهم نهج مجتمع بلا طبقات، بل هو هيكل اجتماعي—سياسي يستلهم نهج البروليتاريا.
لم تُقْمَع الدولة، بل أصبحت ديكتاتورية البروليتاريا هي الحاكمة. وكذلك لم تختف الطبقات تمامًا من المشهد أمامنا، بل إن أمامنا حالة من الحرب الأهلية واضحة بشكل أو بآخر، وفي الوقت نفسه خفية بشكل أو بآخر، أو حتى أمامنا صراع اجتماعي يتقدم في صمت إلى صدارة المشهد. في مثل هذه الظروف، لا يُعَدُّ تنظيم ميليشيا شعبية أمرًا مناسبًا؛ فهي لا تتوافق بأية حال مع الأساس الاقتصادي، أو مع نمط الدولة السوفييتية. ويعلن برنامجنا على نحو ملائم أن "الجيش الأحمر، كأداة لدكتاتورية البروليتاريا، يجب بالضرورة أن يكون له طابع طبقي واضح؛ أي يجب أن يتكون بشكل حصري من البروليتاريا والقطاعات البروليتارية لسكان الريف المتحالفين معها".
وحتى في جيش من هذا النوع، إذا لم يكن التجانس الطبقي قد اكتمل، بما يتناسب مع الفارق بين البروليتاريا — وهي القائد الواعي للثورة بأكملها — وأيديولوجية صغار الملاك لسكان الريف، فسوف تكون سيادة البروليتاريا مضمونة ويجب أن تكون كذلك في المقام الأول من خلال فيلق من الضباط البروليتاريين (من الضروري أن نضع في اعتبارنا عند تشكيله ما سماها برنامجنا "واحدة من المشكلات الأساسية")، وفي المقام الثاني من خلال انضباط ثوري حديدي، تجعله تلك المرحلة المعينة من التطور أمرًا لا غنى عنه. أولئك الذين يعرفون تاريخ الثورة الفرنسية يعرفون كيف جرى تنظيم الجيش الثوري.
ومن المؤكد أن تشكيل الجيش يجب أن يكون مصحوبًا بتدريب عسكري شامل لجميع البروليتاريين وشبه البروليتاريين، بتضمين المنهج الدراسي للمدارس مواضيع مرتبطة بهذا التدريب. وفي المراحل الأولى من تطور الديكتاتورية، يجب أن يحمل التدريب العسكري العام بالطريقة نفسها طابعًا طبقيًّا، وأن يصبح "عامًا" فقط بما يتماشى مع المرحلة التي وصلت إليها عملية دمج الطبقات. إن التصميم العملي للطبقات التي يجب تدريبها هو مسألة لباقة سياسية تمليها بالكامل طبيعة اللحظة، ودرجة تحول الطبقات ومدى استيعاب البروليتاريا لها.
فقط في مثل هذه الظروف، سيكون نظام ديكتاتورية البروليتاريا مستقرًّا، وسوف ينتصر الجيش الأحمر.
وغني عن القول أن الجيش هنا ليس "خارج السياسة"، بل على العكس، إذ يجب أن تتخلله الأفكار الشيوعية بشكل كامل، وأن يقوم جهد التدريب واستكمال التعليم العسكري للجيش الأحمر على أساس دمج الوعي الطبقي وعلى التعليم الاشتراكي.
إن عبارة "منظّر الإمبريالية الألمانية" كلاوسفيتز: "الحرب هي استمرار السياسة، فقط بوسائل أخرى"، أصبحت حقيقة بديهية. لكن لا يزال الأمر أقل دقة مع هذا الاختلاف، الممثل في أن سياسة الإمبريالية قد خلفتها سياسة الشيوعية المنتصرة، التي تُعَدُّ الجيوش الحمراء لديكتاتورية البروليتاريا أداتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا