الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأغنية المصرية وتحولات الواقع

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2018 / 11 / 14
الادب والفن


يشكل تطور الأغنية المصرية خلال السبعة عقود الماضية، نموذجاً لتتغيرات التي حدثت في المجتمع المصري اجتماعياً واقتصادياً. فقد حدث في منتصف هذه الحقبة عمليه تبادل لتمكن الطبقات، بين الطبقة الوسطى والدنيا. ترتب عليه تبادل بين مركزية أو فلنقل ديكتاتورية الذوق الغنائي، وبين شعبية أو فلنقل ديموقراطية التذوق الغنائي.
ليس صحيحاً ما اعتدنا ترديده من أن فترة محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم كانت ارتقاء بالذوق الفني، فلو كان هذا صحيحاً لما أعقبها ما نعتبره انهياراً وتدنياً بعدها. فيما هو الحقيقة بغض النظر عن مقارنة القيمة الفنية، يعد ثورة أو انقلاباً قام به أهل القاعدة على أهل القمة.
ما حدث في الجزء الأول من تلك الفترة هو سيطرة الطبقة الوسطى على إنتاج واستهلاك الفنون، مدعومة بالسلطة المركزية، المسيطرة على النافذة الوحيدة لتسويق الفن، ممثلة في الإذاعة والتليفزيون. بحيث يمكن تسمية هذا الجزء "جمهورية الموظفين". التي تغلبت لغتها الرسمية فاقدة الحياة كالزهور البلاستيكية، وقيمها المفارقة لواقع حياة وروح غالبية المصريين، الذين مثلتهم رموز مثل عايدة الشاعر ومحمد عبد المطلب ومحمد قنديل وشفيق جلال وغيرهم، لكن في ظل هيمنة تيار الطبقة الوسطى الموجه مركزياً، الذي استخدم العربية الفصحى يبكي بها على "الأطلال"، ويتعالى على لغة الشعب المصري الذي لا يفهم هذه الفصحى، التي إذا حدثته بها يقول لك "كلمني عربي"، فالفصحى بالنسبة له لغة أجنبية. . كيف أرادوا من شعب أن يتغنى بلغة لا يفهمها؟
علاوة بالطبع على المعاني السقيمة التي تغنى بها شعر الفصحى، واعتبرها نفاق الطبقة الوسطى رقياً وسمواً. فهناك من يبكي على الأطلال، ويتحدث عن ريم على القاع بين البان والعلم، ومن يمشي على الأشواك أو في شارع الضباب، ومن ينادي حبيبه بعدما صار الورد لون الجراح وشدو البلابل نواح. ومن جاء لا يعرف من أين لكنه أتى.
عندما تحرر سوق الأغنية من سيطرة المركزية بظهور الكاسيت، وجدت الطبقة الدنيا ممثلة في الحرفيين متنفساً لها تعبر فيه عن نفسها. وعن المعاني التي تستشعرها وتستهويها حقيقة دون نفاق مجتمعي وأخلاقي، وباللغة التي تتكلم بها بالفعل في حياتها اليومية. ولتتحرر الأغنية من نفاق ذوي الياقات البيضاء ومشاعرهم البلاستيكية المصطنعة. لهذا فشلت رموز استمرارية سيطرة ذات النوعية من الأغنية، أمثال هاني شاكر ومحمد ثروت وعلي الحجار. وظهر أحمد عدوية بأغنياته الشعبية التي اكتسحت السوق، غير مكترثة بلعنات الطبقة الوسطى ونفاقها، وهي ذات الفترة التي بدأ فيها تدني المستوى الاقتصادي للطبقة الوسطي، وبزوغ عصر الحرفيين القادرين على دفع ثمن شريط الكاسيت، فيما ظل ما تستطيعه الطبقة الوسطى محصوراً في الاستماع المجاني للإذاعة والتليفزيون.
نعيش الآن عصر القواعد الشعبية، المسيطرة على سوق الفن، والمسيطرة في ذات الوقت على الإمكانيات المادية التي يتيحها الاقتصاد غير الرسمي، فيما تتدهور نسبياً الأحوال الاقتصادية للطبقة الوسطى المشكلة من الموظفين. وقد التحقت قطاعات منها بطبقة الحرفيين كسباً للرزق. إما كمصدر أساسي للرزق، أو كعمل إضافي يرمم به هزال راتبه الوظيفي.
هي إذن الديموقراطية الحقيقية تمارسها الجماهير بفرض خيارها الخاص أياً كانت قيمته في ساحة الغناء. ومنه لابد أن تجد طريقها يوماً لفرض خياراتها على سائر مناحي حياتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفن القديم تخلّى عن(جرن الكبّة)واعتمر قبعة الشباب
ليندا كبرييل ( 2018 / 11 / 15 - 05:01 )
الأستاذ القدير كمال غبريال

تحية طيبة

رؤية في الفن تستحق التأمل، وأعتقد شخصيا أن لها نصيبا وافرا من الصحة والدقة

التمرد في الفن كأي تمرد في مجال آخر عبارة عن هزّة عنيفة تتحدى واقعا يتّسم بالجمود أو الثبات، وقد قامت نخبة من الفنانين الشعبيين بالتحرر من صرامة شكلية لم تكن تعبر عن مشاكل الطبقة الدنيا من الشعب، ورفضت اللغة (العاجيّة)، ووجِهت بالاستنكار والرفض
ولكن ظهرت نماذج فنية جديدة اصطبغت بالابتذال والسخافة
وهذا ليس بغريب؛ فكل حركة ثورية لا بد أن يشوبها الارتباك والنقص، إلى أن تأخذ الظاهرة الجديدة شكلا يحدد طابع العصر الذي وُلِدتْ فيه
وستتكرر التجارب ولا يبقى إلا القادر على التحدّي والمعبّر عن خلجات النفس الإنسانية

ما تفضلتَ بطرحه يصحّ أن نعممه على التجارب الفنية عند شعوب أخرى
كل الأغنيات التي كان على رأسها ( جرْن كبّة) حجري ــ كما نقول في بلدي ــ ، تواضعتْ واعتمرتْ موديلات جديدة من قبعات الشباب

لكني ما زلت أحن بشدة إلى أغنيات أيام زمان
ولا أصبر على سماع مغنّ من عصر الهوجة أكثر من ثوان معدودة

ستذهب قلة صبرنا في خبر كان، وسيتولى صبر جيل الشباب بدفع الأغنية الحديثة إلى قمتها
احترامي


2 - تحية وملاحظات مع الشكر
نجيب سرور ( 2018 / 11 / 16 - 18:20 )
شكراً أستاذ كمال علي مقالك الكريم . تعليق بسيط
أولاً : فترة عبد الوهاب وأم كلثوم ارتقاء بالنسبة لمن بعدهم , وليس سيد درويش
ثاانيا : ذكرت عايدة الشاعر . قبل عبد المطلب ومحمد قنديل وشفيق جلال .. والأفضل وضعها مع ليلي نظمي . كطرب شعبي خفيف أغلبه من الفلكلور
بينما الثلاثة أصوات كبيرة فنيا وغناء يعلو علي بساطة الفلكلور
ثالثا : قلت : هاني شاكر ومحمد ثروت وعلي الحجار. وظهر أحمد عدوية بأغنياته الشعبية التي اكتسحت السوق
بينما عدوية ظهر قبل هؤلاء وأغانيه الشعبوية اكتسحت في التوزيع أغاني عبد الحليم
رابعاً : قلت عن أغنية قصيدة الأطلال , كان فيها استعلاء علي الشعب .. بينما تلك القصائد الكلثومية ترقي بالشعب العاشق لأم كلثوم لدرجة السعي لمعرفة الكلمات الفصحي الغامضة - لا كل العامية ولا كل الفصحي . الفصحي عند - أحمد رامي - مترجم رباعيات الخيام , وعند ابراهيم ناجي في الأطلال . تختلف عن الفصحي عند أحمد شوقي - كمثال
وأنت من جيلي . لعلك عرفت بسطاء شعبيين ويحفظون قصائد أم كلثوم - كالأطلال ورباعيات الخياتم وغيرها - . وينتظرون حفلاتها بشغف
شكراً أستاذ كمال .. استمتعت بقراءة مقالك
تحياتي


3 - انزلاق
عبد الله النديم ( 2018 / 11 / 20 - 15:19 )
اندهشت عندما وجدت عنوان مقال عن الأغنية للأخ كمال غبريال .. ! موضوع خارج مجال كتاباته
لذا لم أفاجأ بأن تكون النتجة أن يضع مطربة درجة رابعة مثل - عايدة الشاعرة - في صف واحد مع مطربين عمالقة من مطربي الدرجة الأولي : عبد المطلب ومحمد قنديل وشفيق جلال
بدون تعصب للغة العربية الفصحي - ولا لأية لغة - اللغة ليست تعالياً علي الشعب اذا كانت هي الوسيلة الوحيدة التي ستوصل لنا الجيد
لولا غناء أم كلثوم بالفصحي.. لما سعيت لقراءة رباعيات الخيام بأكملها . والتعرف بشاعرها .. وكذلك الحال بالنسبة لقصيدة الاطلال - جعلتني أقرأ شعر - ناجي - بالكامل .. وأيضاً الحال بالنسبة للشوقيات
في الثمانينيات اتهم البعض صحفياً كبيراً بالاستعلاء علي الشعب لمطالبته بتدريس الكمبيوتر في المدارس .. ! وقالوا ان مشكلة الشعب هي الحصول علي رغيف الخبز وليس الكمبيوتر
وفي هذه الأيام وجدنا من يحاربوا التعليم التجريبي للغات . التابع لوزارة التعليم - والذي يدرس الانجليزية كلغة أولي منذ سنوات الحضانة .. و فيه ارتقاء بالتعليم . لكنهم سارعوا بايقافه ! ربما اعتبروا ذلك استعلاء علي الشعب ! كما اعتبر الكاتب , الغناء بالفصحي استعلاء
كلا


4 - من أنا ؟
محمد قنديل ( 2018 / 11 / 21 - 14:30 )
يا اكمال بك .. أنا المطرب محمد قنديل .. من الواضح انك لا تعرفني .. ومع ذلك تكتب في الغناء والأغاني ! .. لم تجد في ذاكرتك الغنائية اسم مطربة أخري تضعه مع اسمس سوي - عايدة الشاعر - !!؟؟
أنا لي نشيد وطني من أهم وأشهر الأناشيد الثورية والوطنية , طالما سمعه كل جيلك . هو : احنا ما بينا وبينك تار يا استعمار .. وأغنية طالما تغني بها شعب مصر بأكمله في الخمسينيات : ع الدوار , راديو بلادنا يجيب أخبار
هل يوجد مواطن مصري لم يتغني بأغنيتي : يا رايحين الغورية هاتوا لحبيبي هدية - طوال ما لا يقل عن ربع قرن . ومنذ عام 1950 ؟
هل يوجد مصري . لم يتغني بأغاني لي وقت ظهورها مثل : أبوسمرة السُكرة , و- جميل وأسمر - , و - وصبّح يا جميل يا جميل صبّح - ؟؟ وغيرها وغيرها من عشرات الأغاني
؟؟ .ألم تستمتع صباحاً بأغنيتي : الصبح بدري ؟
أي مصري ذاك الذي لم يستمتع برائعة غنائية لحنها لي الملحن الكبير محمود الشريف - تلات سلامات يا واحشني - وغناها بعدي وبعشق , مطربون شباب ..!؟. لو كنت سمعتها يا - كمال - يا ابني . , لما جمعتني مع - عايدة الشاعر-, في مقال !! يا عيب الشوم
ما كان عشمي فيك كدا يا كمال بيك يا ولدي


5 - تابع ما قبله : من أنا ؟
محمد قنديل ( 2018 / 11 / 21 - 19:54 )
كان يكفيني أقول لك بس : انني كنت الصوت المفضل عند سيدة الغناء - أم كلثوم - .. تقوم انت يا واد يا كمال بيك يا وله . تحط اسمي - محمد قنديل - مع عايدة الشاعرة .. !! معلش يا ابني . كل واحد يتكلم حسب ثقافته الغنائية
وما عليّ بحق الشاعر أحمد شوفي . هو يرد عن نفسه . علشان انت سخرت من قصيدته التي بدأها ب - ريم علي القاع بين البانِ والعلمِ - واضح انك كمان لا تعرف ان - أحمد شوفي - في كل قصيدة تبدو مديحاً : يدس كذا - خبيئة - علمانية - والحِدِق يفهم - كما يقول المصريون - كمان اقرأ قصيدة شوقي - أرسوطاليس -, أو قصيدتة -توت عنخ آمون - أنتجاهلهما لأنه ما كتبهما بالعامية , ونقول الفصحي تتعالي ؟! لا .. نفهِّم الناس .. وليس عيب - شوقي - ان السنباطي لم يلحن القصيدتين . اقرأهما لتعرف قيمة - شوقي -, زي ما جهلت قيمتي أنا أفضل صوت سمعته كوكب الشرق
عموما يا كمال بك .. حصل خير . وأنا موش زعلان , و عشان ما تزعلش مني . أهديك أغنيتي : سماح يا أهل السماح
https://www.youtube.com/watch?v=Taw3W2thsig
وعلشان نبقي اصطلحنا 100 % . . اسمع أغنيتي : تلات سلامات
https://www.youtube.com/watch?v=oJG_L9iIjQM
وشكرا

اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد