الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة الإنسان المجوف فاقد الأبعاد

محمد بن زكري

2018 / 11 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1 : حسبنا الله و نعم الوكيل / شعار العبودية و العبيد
من الخصائص الملازمة للإنسان المتخلف حضاريا ، الذي يرتبط تخلفه - الاجتماعي و الثقافي - أصلا ، بدونية منزلته في المجتمع المنقسم طبقيا ، إلى مُلّاك و أجراء (وُلاةُ أمرٍ و رعايا) ، كإنسان مستلب الكينونة ، نتيجة لانتفاء التكافؤ بين الأعلى و الأدنى ، في العلاقات الاجتماعية القائمة ضمن ثنائية المتسلط / المقهور ؛ أن يتوسل الدعاء كأواليةِ عنفٍ لفظيّ ، يتوجه به سحريّا ، إلى قوى غيبية لا وجود لها إلا في وهمه ، يستجديها أن تنتقم له من المتسلط (الحاكم المستبد ، التاجر الجشع ، صاحب العمل المستغِل / بالكسر .. إلخ) ، و ذلك جرّاء شعوره بالعجز و الضعف ، و جرّاء استبطانه للدونية و احتقار الذات ، حيث إن الإنسان المتخلف ، لا يدرك الأساس الاجتماعي و المادي و الثقافي لوضعيته الوضيعة ، و نظرا لأن الإنسان المقهور ، قد جرّده المتسلط من كل شيءٍ حتى من إنسانيته ، التي لم يعد يستطيع تحمل عبء الدفاع عنها ، بإزاء ما يعانيه من ضروب القهر المادي و المعنوي ، إذْ لم يتركوا له من ملاذ غير الله ، يبثه العامة المفقَرون الشكوى و يستجدونه العون ، موكلين إليه مسؤولية الانتقام لهم من (الظالمين) ، يدعون عليهم بالهلاك ، و يتوسلون إلى الله أن يُنزِل عقابه الشديد بكل من ظلمهم و تجبّر عليهم ، بدلا من أن يقوموا هم بمهام التصدي للظلم ، بدءً من اكتشاف قواعده و قواه الاجتماعية ، و انتهاءً إلى القضاء عليه أو على الأقل الحد من آثاره و مظاهره الاجتماعية (الطبقية) اللاإنسلانية ؛ الأمر الذي ظل معه مئات الملايين من العوام المسلمين ، مستسلمين للدونية 1440 عاما ، يرددون مقولة الاستسلام و التواكل : " حسبنا الله و نعم الوكيل " ! ... لكن دونما جدوى !
و كمثال بسيط على تفشي ظاهرة " حسبنا الله و نعم الوكيل " ، فإن هذه العبارة قد وردت متكررة ما يربو عن 500 مرة ، ضمن أدعية استنزال غضب الله على مرتكبي جرائم تهريب العملة الأجنبية (الدولار و اليورو) و الغش و التلاعب بالأسعار ؛ تعليقا على خبر منقول عن ديوان المحاسبة ، تناقلته المواقع الالكترونية بمزيد من المعلومات الإضافية ، مفاده أنّ 54 شركة ، حصلت على اعتمادات مستندية ، بالسعر الرسمي للدولار (1.39 دينار) ، لغرض استيراد الأضاحي ، لم تلتزم أيٌّ منها بشروط التوريد .. لا كمّاً و لا نوعاً و لا سعرَ بيع للمستهلك ، و أن عشرات ملايين الدولارات - من مجموع مبالغ فتح الاعتمادات المستندية - قد تم تهريبها إلى الخارج أو تدويرها في مضاربات السوق السوداء بالداخل ، فضلا عما شاب عملية فتح الاعتمادات المستندية من ممارسات الفساد المالي و الإداري (الرشوة) و التزوير .
و من أمثلة أدعية الشعب المتخلف بنيويا و المستلب ثقافيا ، لاستنزال غضب الله بالمسؤولين الفاسدين و لصوص المال العام : وين بيمشو من ربي ، يلقوه يوم غدوة ، أنشالّا يصرفوه فَ الدواء ، يلقوه ؤ يتلقوه ، ربي يرفعهم ، ياكلو فَ الزقوم ، يمهل و لا يهمل ، مش رافعينه معاهم للقبر ، يقعد بعدهم ، توا ينفعهم يوم القيامة ، لا حول و لا قوة إلا بالله ، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر ، اللهم عليك بالظالمين ، مصيرهم بيموتو زيّهم زيّنا ، فَ الداء و الدواء .. و دائما تأتي دعوة : " حسبنا الله و نعم الوكيل " ، هي الأكثر استعمالا لدى جموع الشعب المقهور و المفقَر و المجوّع و منزوع الشعور بعزة النفس و الكرامة الإنسانية ؛ تعبيرا عن تَمثُّله التام للدونية ، و استسلامه ذليلا أمام قوى الاستبداد و التسلط الطبقيّ (الحاكم - وليّ الأمر ، صاحب العمل ، التاجر) ، مكتفيا بالدعاء و استعداء الله على المتسلط المستبد فاسد الذمة ! .
و ذلك هو الفرق بين الشعوب الحية و بين الشعوب الميتة ؛ ففي دول أوربا ، حيث مظلة الضمان الاجتماعي تشمل الجميع ، و حيث العمل حقٌّ مكفول لكل مواطن .. و ليس مِنّةً مِن الحكومة أو مِن أيِّ أحد ، و مبلغ إعانة البطالة (تعويض نقدي شهري عن البطالة غير الاختيارية) ، هو أعلى من مرتب وزير في عهد القذافي ، رأينا عشرات الآلاف يتظاهرون ، احتجاجا ضد سياسات التقشف و ضد ممارسات الاستغلال الراسمالي . أما هنا حيث الجوع و الإفقار المنظم و البطالة (المشرعنة بالقانون) ، فيزحف البشر الديدان على بطونهم ، تدوسهم نعال الكحام الكومبرادور .. و لا يخرجون في تظاهرة صامتة ، ضد أسيادهم الجدد ، مكتفين بترديد شعار العبودية و العبيد : " حسبنا الله و نعم الوكيل " ! .
فكم هي مثيرة للغضب ، بقدر ما هي مثيرة للاشمئزاز ، عبارة : " حسبنا الله و نعم الوكيل " !
و لطالما ظلت هذه الجماهير الرثة المغيبة عن الوعي ، تردد مقولة الاستكانة و المذلة : " حسبنا الله و نعم الوكيل " ، فلا شيء سيتغير ، من واقعها البائس و أوضاعها المعيشية المتدهورة إلى الحضيض .
طالما ظلت هذه الجموع منزوعة الإحساس بالكرامة ، تجترُّ مقولة العبودية : " حسبنا الله و نعم الوكيل " ، فسيظل الطغاة و اللصوص في أمان و سلام ، يتمتعون برغد العيش ، و يكدسون الثروات ، و يستحوذون على السلطة .
طالما ظل ملايين المُفقَرين المحرومين المداسين تحت النعال ، يتمثلون بآية استبطان التعاسة و العار : " حسبنا الله و نعم الوكيل " ، فسيظل الاستغلاليون الحُذّاق ، المستحوذون على السلطة و الثروة ، يسرحون و يمرحون و يُفسدون في الأرض ، و يرفهون على أنفسهم باعتلاء نساء الفقراء ، و هتك أعراض بناتهم و تعهيرهن .. تحت طائلة الحاجة ، بينما يظل هؤلاء الأغبياء يرددون مقولة الدياثة : " حسبنا الله و نعم الوكيل " .
فلا أمل في استعادة وعي المستَلبين تاريخيا ، من غيبوبة العقل المخدر .
و لا أمل في إقناع من استبطنوا العبودية تاريخيا ، بأنّ الحرية قيمة إنسانية عليا ، تسمو فوق كل القيم .. و لا حريةَ لمن لا حقوقَ مواطَنةٍ و عيشٍ كريمٍ ، مكفولة له بقوة القانون .
لا أمل .. و الحال أنه حيثما ألقيت السمع و البصر حولك ، لا تقرأ و لا تسمع غير مقولة الجماهير الرثة ، و شعار حثالة البشر : " حسبنا الله و نعم الوكيل " !

2 : ما أسعد الحكام بنعمة الإسلام !
شعب ، يأكل و يشرب و ينام و يتناسل كالبهائم و الزواحف و الحشرات ، و لا شيء أكثر من ذلك ! فقط هو يحمد الله على نعمة الإسلام !
شعب ، حرموه من ثروة بلاده ، و حرموه من حق الرعاية الصحية ، و حرموه من حقوق الضمان الاجتماعي ، و حرموه من الأمان ، و حرموه حتى من حق الصراخ . و المهم عنده بعد كل ذلك ، هو نعمة الإسلام !
شعب ، أفقروه ، و جوّعوه ، و استنزفوا مدخراته ، و أصلوْه نار غلاء الأسعار ، و منعوا عنه السيولة النقدية ، و استوردوا له الغذاء المسرطن و الدواء المغشوش ، بل استوردوا له الهواء في الحاويات .. بسعر الصرف الرسمي . و لا زال يتحمل الصفعات على وجهه و قفاه .. حامدا الله على دوام نعمة الإسلام !
شعب ، أذلوه ، و حرموا أبناءه و بناته من حق العمل ، و فرضوا على شبابه - من الجنسين - البطالة .. دونما تعويض بطالة ، حتى اضطر خريجو كليات الطب و الهندسة للعمل غرسونات في المقاهي ، و اضطرت الخريجات للعمل في الدعارة .. تحت ضغط الحاجة و سدا للرمق . و لا زال هذا الشعب يثغو كالأغنام في الزريبة .. يحمد الله كثيرا على نعمة الإسلام !
في بريطانيا و فرنسا و إسبانيا و اليونان .. تظاهرات ضد تدابير التقشف الحكومية . و في ليبيا شعب مُجوَّع مُفقَر .. يجد العزاء عن جوعه و فقره و هوانه ، في نعمة الإسلام !
في البرازيل و فنزويلا و إيران .. مسيرات احتجاجية ، ضد الغلاء و سوء الأحوال المعيشية . و في ليبيا إفقار و تجويع و تركيع ، و استسلام تام .. و دامت نعمة الإسلام !
في تونس و السودان .. مظاهرات جماهيرية حاشدة ، رفضا لزيادة سعر الرغيف . و في ليبيا زاد سعر الرغيف عشرة أضعاف ، و لا وقفة احتجاج واحدة ! فنعمة الإسلام تكفي ، و تُغني حتى عن الرغيف !
أغرب شعب في العالم هو الشعب الليبي (هل هو شعب أم قطيع ماعز ؟) ، فقد بلغ به التبلد و فقدان الشعور بالكرامة ، درجة الفرح بخفض قيمة الدينار الليبي ، بما يقارب 200% أمام الدولار ، نتيجة لفرض رسم ضريبي على مبيعات النقد الأجنبي ، لمجرد توفر السيولة النقدية في البنوك ! و انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء ! فانطلقت التسابيح الغبية في الجوامع و المقاهي و على صفحات الفيسبوك ، ترفع الصوت عاليا بحمد الله ، الذي تدخّل في مضاربات السوق السوداء .. فشجّ رأس جورج واشنطن حتى سقط مغشيا عليه ، في ميدان الساعة ، خلف بنك الصديق الكبير المركزي ! و الحمد لله دائما و أبدا على نعمة الإسلام .
و رغم كل ما فعلوا بهذه الجماهير الرثة (القطيع) ، فلا زالت تردد مقولة الاستكانة و المذلة : " حسبنا الله و نعم الوكيل " ! و لا زالت سادرة في الغيبوبة ، تردد هراء : " اللهم أرِهِم الحقَّ حقا فيتّبعوه ، و أرِهِم الباطلَ باطلا فيجتنبوه " ! شاكرة الله على نعمة الإسلام !
و لا زالت الجماهير الرثة المغيبة عن الوعي ، تدعو الله أن ينوب عنها في محاسبة و معاقبة الحكام الفاسدين ! و لا زالت تنتظر أن يأتي لها الدعاء بالفرج ! و .. (الخير جاي) ! و الأمل معقود على الدعاء و نعمة الإسلام ! .
و لا زالت الجماهير الرثة الخانعة (تستجدي) الله أن يتحول إلى معارض وطني صلب المراس ، فيعارض بالنيابة عنها السلطة الاستبدادية الفاسدة العميلة ! و لا زالت تنتظر من الله ، أن يثور بدلا منها و يغضب و يخسف الأرض بكراسي الحكام الفاسدين الفاشلين اللصوص ! أما هي (الجماهير الرثة) فليس لها من دور غير أن (ترشو) الله ، فتحمده على نعمة الإسلام ! .
و لا زالت الجماهير الرثة الاتكالية الغبية (القطيع) ، لا تستوعب دروس التاريخ ، تعلق الآمال على هداية الله للانتهازيين و المرتزقة و العملاء و أثرياء السطو على المال العام ، الذين أوصلتهم - بغبائها - إلى كراسي السلطة ! و لا زالت تأمل أن يهدي الله الميليشيات المستقوية بسلاحها ، فتتخلى عن السلاح الذي رفعها من الحضيض إلى القمة ! ببركة نعمة الإسلام !
و لا زالت قطعان الأغنام ، تثغو في الحظائر ، بانتظار أن ترأف الذئاب بحالها .. فتزودها بكفايتها من العلف ! معتمدة على سحر مفعول الدعاء و نعمة الإسلام !
جماهير رثة ، تتوهم في نفسها المعرفة ، و تدعي العلم ، لكنها لا تتعلم من أخطائها ، و (مثقفون !) ببغاوات لا يختلفون عن أي غوغاء ، تبلد العقل الدوغماتي يرسم لوحة الانهيار باللون الأبيض ، و الجميع ينتظر المعجزة ! فما أقسى أن يعيش المرء وسط الأموات !
و ليس مستغربا أن هذه الجماهير الرثة ، عدوةَ مصالحها ، المحقونةَ بجرعاتٍ زائدة من مخدر " حسبنا الله و نعم الوكيل " ، تنسى حديث نبي الإسلام : " أعقلها و توكل " . و لا يستغرب منها ، و قد ذلت و استكانت ، أن تقابل كل الشرور ، التي يُنزلها بها الحاكم المستبد و التاجر الجشع و الراسمالي - صاحب العمل - المتسلط ، بموقف الاستسلام و حمد الله على نعمة الإسلام ، متناسية مغزى الآية القرآنية : " إن الله لا يغير ما بقوم ، حتى يغيروا ما بأنفسهم " ! .. فما أسعدَ الحكام بنعمة الإسلام !
فهل المشكلة هي مشكلة الجماهير الرثة ، أم هي مشكلة (نعمة الإسلام) ؟ أم هي علاقة التفاعل السالبة تاريخيا بين العنصرين ، في أسوأ تَجسُّدِ فهمٍ مشوّه لمقولة : الدين أفيون الشعوب ، المفرغة من مضمونها الإنساني ، و المنتزعة من سياقها النصيّ : " الدين هو تنهيدة الإنسان المسحوق ، هو قلبُ عالَمٍ لا قلبَ له ، و هو روحُ وضعٍ اجتماعيّ منزوع الروح ، إنه أفيون الشعوب " . تعزية لإنسانٍ مستلب ، يعيش في المجتمع المنقسم رأسيا ، بفعل قوانين الفرز الطبقي الحاد ، مغتربا عن ذاته ، منفيا خارج أبعاد كينونته الإنسانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام


.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-




.. #shorts - 14-Al-Baqarah