الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزهر يحارب الدولة؟

سليم صفي الدين

2018 / 11 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ نحو عام مضى، استمعت بالصدفة إلى محطة القرآن الكريم، وُجِّهَ لأحد أئمة الأزهر سؤال أغرب من الخيال: عندما يختلف الزوجان على تسمية المولود، فمن يحق له تسميته؟! الأغرب من السؤال كانت الإجابة التى استفاض فى التقديم لها هذا العالم الجليل -الذى لا أتذكر اسمه- وبعد سؤاله لله التوفيق والسداد، كأنه سيناقش رسالة دكتوراه فى علم الأحياء مثلاً، أو الفلسفة، نطق بالإجابة أخيرًا: من حق الرجل تحديد الاسم، ونقول له، دع الزوجة لتختار جبرًا لخاطرها (كل الشكر على المنحة والتعطف على المرأة). ومنذ أيام قليلة صرح الشيخ سعيد نعمان، عضو لجنة الفتوى بالأزهر، بأن "تنظيم الأسرة" مخطط يهودى، يسعون من خلاله لهدم الدولة المصرية، وأضاف نعمان خلال مداخلة ببرنامج آخر يقدمه الإعلامي وائل الإبراشى، عن زواج القاصرات، أنه إذا ثبت بالسونار أن الجنين أنثى وزوّجها والدها برجل، وهى لا تزال فى بطن أمها صارت زوجته، وله حق الدخول بها بعد كبرها، وأضاف من الشعر بيتًا يفيد أنه ليس من الضرورى أن تحيض الفتاة حتى تتزوج.

إذًا لتسقط الدولة فى دعواتها المستمرة للمواطنين إلى ضرورة تحديد النسل، فماذا تكون الدولة أمام ما قاله عالم جليل يتحدث باسم الله! حتى لو وصل تعداد السكان فى مصر إلى 100 مليون، وبلا شك الدولة بقيادة النظام الحالى تنفذ مخططًا يهوديًّا ضد مصر! هذا ما صرح به عضو لجنة الفتوى وليس أنا! قد يئول بى ما أكتب إلى تهمة ازدراء الأديان، وهو فى حقيقته ازدراء للعلماء الذين يزدرون مصر ونساءها ليل نهار، جهرًا بكل أريحية وسلاسة، وتكافئهم الدولة بميزانية تصل إلى أكثر من 12 مليار جنيه!

لا تجديد ولا تغيير ولا فكر غير التخلف والرجعية، والتمسك بقيم وأخلاقيات ومفاهيم جار عليها الزمن لدى الأزهر، منذ طفولتى وفى أثناء فترة اقترابى من التيار السلفى، كنت أسمع عن (الحرب على الإسلام)، وعندما فكرت علمت أن الإسلام لا حرب ضده إلا من هؤلاء الذين يُشِيعون الدين لدرجة التفاهة، الأسماء دينوها، ودخول الحمام والخروج منه أصبح ينظمه الدين، والتفكير والسؤال محددان بحدود الدين التى حددها "فقهاء الأزهر" رضيت عنهم البيرقراطية، والدوجمائية، والحرب ضد كل ما هو متطور وحديث.

القضية لم تقف عند مصر وما فعلوه بها، عبر سنوات من التحجر والإرهاب الممارس بعناية ودقة ضد كل مفكر، بل امتد إلى خارج حدودها، فالمقصد حماية الدين (لا أعرف من ماذا، غير أنى أرى أن الخوف من النقد والتحديث هو وهم سينهدم بكل سهولة). العام الماضى، عندما طُرحَت فى دولة تونس قضية الميراث وأحقية المرأة فى المساواة فيه مع الرجل، استضافت قناة BBC الشيخ محمود عاشور عالم الأزهر (لا أعلم فى أى علم) عبر الأقمار الصناعية، المناقشة كانت حول تشريع الميراث فى القانون التونسى (لا أعرف فى الحقيقة ما شأن المبجل عاشور بتونس)، وبلا ريب رفض القانون، بل وضمنيًا كفَّر تونس عن بكرة أبيها.

أعود للدكتور نصر حامد أبوزيد، الذى كشف النقاب عن تلك الأفكار، وطرح فى جملة بسيطة كل المقصد وغاية المقصود، فقد قال: "أسلمة الآداب والفنون والثقافة دعوة لا تقل خطورتها عن أسلمة العلوم، فكلتاهما تنتهى إلى مد سيطرة رجال الدين على كل مجالات الحياة، إنها تنتهى إلى محاكم التفتيش التى تدين -بل تجرم- كل اجتهاد إنسانى فى كل مجالات المعرفة، فتصمه بالانحراف والضلال والإلحاد، لا لشىء إلا لأنه لا يتوافق مع فهم رجال الدين للنصوص الدينية ومع تأويلاتهم لها" الأمر لم يتوقف عند هذا، بل امتد للدولة ككل، ففى المداخلة سالفة الذكر نفسها للشيخ محمود عاشور، سألته المذيعة: "ماذا لو اتخذت السلطة فى مصر قرارا بالمساواة فى الميراث"، فرد ردًّا قويًّا وقاطعًا: "مايقدروش".

إذًا المسألة لم تتوقف عند الفكر والثقافة والسينما والغناء، بل وصلت إلى كل مناحى الحياة فى الوطن، فالنظام لا يستطيع أن يتخذ قرارًا غير موائم للأزهر لأن "العالم" الأزهرى قال "مايقدرش"، والمفكرون يتم إخراسهم يوميًّا بكل أشكال الإرهاب الفكرى، ثم يرفعون بعد كل هذا شعار "الأزهر منارة العلم والفكر وناشر السلام".. أى علم وعن أى سلام يتكلمون؟

أتذكر دعوة الدكتور يوسف زيدان إلى تعليق الدراسة فى الأزهر لمدة عامين، ولا أرى أن هذا حلّاً، إنما تقليص ميزانية الأزهر، والحد من ظهور رجال الدين فى البرامج التلفزيونية، ورفع ميزانية التعليم والبحث العلمى والثقافة، ما يحدث تغييرًا حقيقيًّا فى بنية الخطاب الثقافى فى مصر على نحو فَعّال؛ الدولة باتت فى خطر حقيقى يشكله -بكل تأكيد- من يتهم الدولة بأنها تتبنى مشروعًا يهوديًّا هدفه هدم مصر، حينما تحاول الدولة تنظيم النسل.. فهل اتهام الدولة اليوم، سيتحول غدًا إلى حرب حقيقية بتجييش الناس ضدها باسم الإسلام؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س