الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريدة منفردة

دلور ميقري

2018 / 11 / 17
الادب والفن


منذ أن شبّ على قوائمه، دأبت الفرسُ الأم على تعليم مهرها الأسحم ما يحتاجه للبقاء على قيد الحياة في هذا المرعى، المحاط بحوز للسباع المفترسة. أشارت له مراراً إلى جهة الهضبة، المسكونة من لدُن تلك الوحوش: " لن تقتربَ أبداً من الحوز، مهما أغرتك خصوبة الأرض هنالك. إن سببَ نجاتنا دائماً، هوَ كوننا كتلة متراصة في قطيع واحد ". وبالفعل، كان المهرُ قد خاض عدة تجارب مع السباع المهاجمة، أكّدت كلها صدق قول الأم.
إلا أن ما كان يُغري الفرسُ الأسحم، في واقع الحال، لم يتصل بالمعدة وإنما بالفضول. كان يغبط دوماً تلك المخلوقات، لأنها من مكانها المرتفع كان في وسعها رؤية عالم ما وراء المرعى. إلى أن كان يوماً، قبعت فيه شمسُ الربيع الدافئة فوق ذلك المرتفع وكأنما تدعو المهرَ لتأثّر خطواتها. ألقى نظرة حذرة على أمه، الغافية بدِعَة فوق العشب النامي بوفرة، ثم ما لبثَ أن مضى إلى الجهة المحظورة. كان يرتقي بصعوبة مسالك الهضبة الوعرة، أين برز حولها الصخرُ الجلمود والجذور الميتة وبراعم الأغصان الغضة. فجأة، وعلى حين غرّة، مسّ أنفه شعورٌ غامض بالخطر المستطير. فاستحث خطوه إلى أن وصل إلى منبسط الهضبة، آمناً مطمئناً نوعاً. من ذلك المكان العالي، ألقى نظرة شاملة على مشهد مهيب ترامى حوله حتى الأفق البعيد. كان يتأمل البحيرة الفسيحة، المتصلة بالنهر العظيم، حينَ أحسّ ثانيةً بالخطر. في هذه المرة، أجفلَ مع صدور خشخشة خفيفة من أيكة أشجار كثيفة، وما عتمَ أن أطلق قوائمه للفرار لا يلوي على شيء. أنحدر عبرَ مسالك الهضبة من الجهة المؤدية للبحيرة، الأقرب إلى موقفه، فيما زمجرة مرعبة تعدو خلفه بإصرار. ما أن مست المياه جسده المرهق، اللامع بما كساه من العَرق، إلا واستعاد رباطة جأشه. توغل في البحيرة إلى أن غمرت مياهها رقبته. كان السكونُ شاملاً البقعة بأسرها، لا يتناهى منه سوى تغريد الطيور على الأشجار المنحنية على صفحة المياه. عندئذٍ حَسْب، ألتفت إلى الضفة كي يرى من هوَ خصمه. أدهشه ألا يجد كائناً قط يتحرك هنالك. في اللحظة التالية، دهمه ألمٌ شديد من وخزة في قدمه. غطس برأسه في الماء، ليفهم جلية الأمر، وإذا بعينين جاحظتين ترمقانه بنظرة منتصرة. أنتفض على الأثر، وراحَ يحاول سحب نفسه من البحيرة. لسعد طالعه، أن التمساح كان هوَ الآخر يافعاً. قبل وصول بقية الضواري من أسرة التمساح، كان المهرُ الأسحم قد نجح بتخليص قدمه وذلك بوساطة ضربة موفقة من قائمته الأمامية.
لما آبَ إلى المرعى، كان الهرجُ يعمه. السبع، يبدو أنه عوّض خيبته في اصطياد المهر الأسحم، وذلك بمهاجمة القطيع. ضحية الهجوم، لم تكن سوى الفرس الأم: لقد تفقدت في خلال المعمعة مهرَها دونَ جدوى، مما جعلها تفقد حذرها وتنفصل عن باقي أفراد القطيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي