الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغلاق الحدود، ترتيبات سنة 2003 و المجالس الوطنية للأمن

بودريس درهمان

2018 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


الترتيبات التي اتخذها المجلس الوطني الامريكي للأمن سنة 2003 و التي ألزمت الدول الامتثال لها صنفت العالم على اساس سلم منبسط متكون من ستة مربعات متناظرة في ما بينها، و هذه المربعات الست المصنفة وظيفيا و جغرافيا جعلت المملكة المغربية تنخرط في قضايا الاسلام السياسي و قضايا الشرق الادنى و الشرق الاوسط.
السلم المنبسط Echelle plate الذي اعتمده المجلس الوطني الامريكي للأمن سنة 2003 هو سلم مكون من ستة مساحات جغرافية و كل مساحة جغرافية من هذه المساحات متقابلة مع مساحة جغرافية وفق نظام وظيفي محدد سلفا يسعى الى تحديد و توجيه الاختصاصات.
المربع الجغرافي الذي حدده المجلس الوطني الامريكي للامن سنة 2003 و الذي يحدد تطلعات و انشطة المملكة المغربية يمتد من المملكة المغربية الى منطقة الشرق الادنى مرورا بمنطقة شمال افريقيا و الشرق الاوسط؛ هذا المربع الوظيفي كان يتناظر مباشرة مع مربع انشطة الارهاب و التهريب و هذا التناظر جعل المجلس الوطني الامريكي للأمن يدفع في اتجاه شبه اغلاق الحدود، حيث حدود المملكة المغربية شبه مغلقة مع دول شمال افريقيا بحكم الحدود المغلقة مع الجمهورية الجزائرية، و شبه مغلقة كذلك من الناحية الجنوبية مع دول الساحل.
هذا الاغلاق حرم المملكة المغربية من عمقها الافريقي و من موروثها الثقافي الفكري الذي كان يتحدد عبر التاريخ في القوافل التجارية و العلمية التي كانت تربط مناطق تامبوكتو تلمسان و فاس. وبفعل هذا الاغلاق المحكم أصبحت المملكة المغربية تعيش بداخل "مدواز" entonnoir".
الجمهورية الجزائرية أغلقت حدودها مع المملكة المغربية سنة 1994 كرد فعل على فرض هذه الاخيرة التأشيرة على مواطنيها و لكن هذا الاغلاق انطلاقا من سنة 2003 لم يعد قرارا سياديا محضا بل تحول الى امتثال لقرار مجلس الامن الوطني الامريكي المعتمد سنة 2003 و الذي كان يواكب الاستراتيجية الامريكية للحرب على الارهاب التي انطلقت مع هجمات شتنبر 2001.
و لكن حتى هذه الاستراتيجية المسماة »الحرب على الارهاب « التي تبنتها الادارة الامريكية سنة 2001 بدات تتخلى عنها سنة 2010 حيث انطلاقا من شهر مايو لهذه السنة قررت ادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التخلي عنها و التركيز على ما يوصف بالارهاب داخل الدول الممولة للارهاب.
منذ التاريخ الذي تبنى فيه المجلس الوطني الامريكي للأمن المنظور الذي يقوم على تقسيم العالم الى ستة مربعات جغرافية ذات اختصاصات وظيفية محددة بدأت في البروز في منطقة شمال افريقيا بالخصوص ظاهرة أسلمة المجتمعات و اسلمة الاجهزة الامنية الساهرة مبدئياعلى خدمة هذه المجتمعات. هذه الأسلمة الموجهة عن بعد حددت لها كوظيفة أساسية التحكم في دمج المجتمعات في النظام العالمي الاقتصادي و النظام السياسي القائم على التدبير المحكم و الفعال. كان هذا انذاك نظريا ووفق مبدأ حسن النوايا، أما اليوم فمع الوضع الجديد الذي ساهمت في صنعه السياسات الامنية للمجلس الوطني الامريكي للأمن فقد أصبح هذا الترتيب متجاوزا من طرف الادارة الامريكية نفسها.
الترتيب الذي اصبح متقادما و الذي ساهم المجلس الوطني الامريكي للأمن CNSE بشكل كبير في ترتيبه انطلاقا من سنة 2003من أجل اعادة بناء المنطقة و التحكم فيها، هذا الترتيب عملت الجمهورية الفرنسية هي الاخرى على مواكبته وفق منظورها الخاص انطلاقا من سنة 2005.
ترتيب سنة 2003 جعل منطقة شمال افريقيا و الشرق الاوسط بالإضافة الى الشرق الادنى تتناظر مع قضايا الارهاب - لدرجة يصعب فيها تحديد هل الارهاب هو منتوج محلي خالص أم هو فقط الية من بين الاليات التي يتم بواسطتها تحريك المناطق و تحفيزها على مضاعفة الجهود لمواكبة التحولات المتسارعة.
منطقة شمال افريقيا و الشرق الاوسط بالإضافة الى الشرق الادنى جعلها المنظور الامريكي تتناظر مع قضايا الارهاب أما منطقة القارة الافريقية منقوصة من شمال افريقيا و مصر فقد أصبحت تتناظر مع قضايا النمو الاقتصادي و الاستثمار التنموي، و هذا سبب رئيسي من بين الاسباب التي ساهمت في خفض نسبة النمو الاقتصادي في المنطقة المغاربية بالإضافة الى الجمهورية المصرية. عكس ذلك باقي المناطق الافريقية عرفت نسبة نمو مرتفع بحكم انشغال منطقة شمال افريقيا بقضايا الارهاب و قضايا الاسلام السياسي و انشغال باقي القارة الافريقية بقضايا التنمية و قضايا محاربة الفقر و الأمية.
الدفع بالمنطقة المغاربية الى التناظر مع قضايا الارهاب و قضايا الاسلام السياسي جعل بعض مصممي الانشطة الذهنية يزجون بالمواطنين في غياهب هذه القضايا الغير منتجة و المساهمة في عملية الافلاس الحضاري و الاخلاقي.
الترتيبات الدولية الجديدة لما بعد سنة 2003 دفعت بكل الدول الى تطوير اداء مجالسها الأمنية. المملكة المغربية هي الاخرى واكبت عمليا هذا التوجه الدولي الجديد عبر تخصيص الفصل 54 من دستورها لسنة 2011لهذا السبب.
من الضروري الاطلاع على تواريخ المجالس الامنية و مهامها السياسية و المؤسساتية بداخل دول الاتحاد الاوروبي بالخصوص؛ لأن الدول المتقدمة أولت اهمية كبرى لمثل هذه المجالس، فعلى سبيل المثال الجمهورية الفرنسية كانت السباقة في عملية التفكير و في عملية احداث مثل هذه المجالس، حيث مجلس الامن الداخلي الفرنسي أسسه الوزير الاول الفرنسي السيد جاك شيراك لأول مرة سنة 1986 و كان هذا المجلس دائما تحت وصاية الوزير الاول الفرنسي منذ تاريخ تأسيسه سنة 1986 الى حدود سنة 2002 حيث سيصبح بعد هذا التاريخ تحت الوصاية الفعلية للرئيس الفرنسي نفسه.
جاك شيراك هو من اسس مجلس الامن الداخلي الفرنسي سنة 1986 و هو من اعاد تنظيمه سنة 2002تحت وصايته.
جاك شيراك اصبح رئيسا للجمهورية الفرنسية سنة 2002 و أشرف على عقد اول اجتماع رسمي لهذا المجلس يوم 24 ماي 2002 و تتميز جلسات هذا المجلس بالسرية التامة لأنه يحدد السياسة الامنية للبلاد.
لقد سبق أن اشرت في مقال سابق الى ظاهرة الاستنساخ السياسي الديبلوماسي التي قام على اثرها الفرنسيون باستنساخ السياسة الامنية الامريكية و يتجلى هذا الاستنساخ في قيام الرئيس الفرنسي نفسه بتعيين كاتب عام على مجلس الامن الداخلي الفرنسي تماما كما يفعل الرئيس الامريكي الذي اناط له القانون الامريكي صلاحية تعيين كاتب الدولة في الامن و الذي يشتغل بجواره طيلة الفترة الرئاسية التشريعية
يوم 23 دجنبر 2009 تحت التأثير المباشر للتشريعات الامنية الامريكية سيقوم الرئيس الفرنسي بتغيير مجلس الامن الداخلي بمجلس الدفاع و الامن الوطني و هذا المجلس الجديد يحل محل المجلس الاعلى للأمن المنصوص عليه في البند الخامس عشر من الدستور الفرنسي. بموجب احداث هذا المجلس سترى النور السكرتارية الوطنية للدفاع و الامن الوطني و سيتم تعيين الكاتب العام من طرف الرئيس الفرنسي و سيتم وضعه الى جانب الوزير الاول.
لقد احتاجت فرنسا الى اثنا وثلاثين سنة من الممارسة المهنية لمجلسها الامني الداخلي حتى تستقر على اختصاصاته و تضعه الى جانب الوزير الاول و هذا معطى أساسي للتأمل و الاخذ بعين الاعتبار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!