الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحالف سائرون من منظور ماركسي

شابا أيوب شابا

2018 / 11 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


التحالف السياسي بين الأحزاب هو إتحاد مؤقت بين حزبين سياسيين أو أكثر ويشمل أحياناً قوى سياسية أو شخصيات إجتماعية غير منضوية تحت أحزاب، لتحقيق هدف سياسي مشترك او برنامج معين يصعب تحقيقه والحصول عليه بشكل منفرد أو حتى وإن إستطاع حزب بمفرده لتحقيقه، حيث تزداد قوة الانجاز بتجميع اكبر ما يمكن من القوى لضمان نجاحه. مثلاً هدف الإطاحة بحكومة لا تلبي مطالب الشعب، أو تغيير نظام سياسي فاسد ويضطهد شعبه، أوالدخول في تحالف إنتخابي من أجل تغيير السياسات التي تعيق تطور البلد، والغير قادرة على إنقاذ البلد من الأزمات التي يرزح تحتها، أو تمرير قانون ما.
إن لجوء الأحزاب والقوى الإجتماعية الأخرى المختلفة الى التحالف هو إعتراف بعدم قدرة كل حزب منفردا على تحقيق الهدف الذى من أجله أنشى التحالف، ويتطلّب بالضرورة تسويات مع تقديم تنازلات إعلاءاً للمصلحة العامة، والتى تقود الى تحقيق الأهداف العامة المطلوبه مع مراعاة الإستقلالية الفكرية والسياسية والتنظيمية لكل طرف من أطراف التحالف.
كما يقتضى أي تحالف سياسي يُراد له النجاح، التوقيع على ميثاق عمل يُنظّمْ المهام والواجبات ويحفظ الحقوق، مع مراعاة المرونة المطلوبة التى تقتضى أن يكون لكل طرف فى التحالف كامل الحرية والاستقلالية فى إتخاذ القرارات الداخلية المتعلقة بنشاطه المستقل، بما فيها الاستمرار فى التحالف من عدمه. لان لا يجوز التعويل على النيات الحسنة فقط. مرونة مقيدة بلائحة مكتوبة و واضحة ، تكون هى الحكم الذى يمكن من خلاله تقييم المسارات عموماً والخاطئة منها خاصة ، والبت فى أى خروقات، من أى طرف، فى الكيان المتحالف. (1) كما يجب مراعاة مصالح كل طرف حليف، دونما إملاءات من طرف على طرف، أوهضم حقوقه أو استخفاف به.
غير أننا عندما نتناول مسألة التحالفات يجب أن نميز بين التحالفات التكتيكية و التحالفات الإستراتيجية .فالأولى قد تفرضها متغيرات الصراع الطبقي في طور معين من أطواره لكنها في جميع الأحوال تكون مبنية على قاعدة برنامج الحد الأدنى المشترك، بمعنى أنها تستهدف تحقيق هدف مباشر يقدم مشروع الطبقة العاملة خطوة الى الأمام ، كمحاصرة عدو مشترك قوي أو إزاحته من ساحة الصراع الطبقي أو تهيئة الشروط للدخول وسط قاعدة اجتماعية لها مصلحة في التغيير أو إن طبيعة هذه التحالفات تكون مشروطة و مؤقتة و تنتهي سواء بانتهاء تحقيق ذلك الهدف أو لإخلال أحد الأطراف بالتزاماته. أمّا التحالفات الإستراتيجية، مثل تحالف العمال و الفلاحين و الطبقات الشعبية، فهي تحالفات مبنية على برنامج الحد الأقصى وعلى قراءة طبقية واضحة لكنها هي الأخرى بالرغم من طبيعتها الإستراتيجية فهي مشروطة ومؤقتة. صحيح أنها تستهدف تحقيق الأهداف الإستراتيجية لكن قد تفرض شروط الصراع الطبقي ضرورة حلها خصوصا عندما يتجه طرف أو الأطراف المتحالف معها نحو إيقاف تقدم المشروع الثوري.
أن النهوض الجماهيري قد يفرض على الأحزاب الشيوعية واليسارية عموماً ضرورة عقد تحالفات معينة مع تيارات سياسية غير شيوعية وغير يسارية بغية تحقيق أهداف معينة لصالح الطبقة العاملة والجماهير الشعبية .
لننظر في مواقف بعض الماركسيين الأوائل من قضية التحالفات
قال انجلز في تقييمه لانتفاضة فيينا بأربعينيات القرن 19 : "....إن مصير أي ثورة تقوم على اتحاد طبقات مختلفة، على الرغم من أن هذا لدرجة معينة يعتبر دائما شرطا ضروريا لانتصار الثورة ، هو أن لا يعيش طويلا. فبمجرد أن يحرزوا النصر على عدوهم المشترك، ينقسم المنتصرون الى معسكرات متعادية ويوّجهون أسلحتهم الى صدور بعضهم البعض " (2 )
وهذا ما حصل فعلاً مع ثورة 14 تموز 1958 في العراق. إذ سرعان ما تفككت جبهة الإتحاد الوطني التي تشكلت عام 1957 من الشيوعيين والقوميين العرب والبعثيين والديمقراطيين وشخصيات وطنية ومستقلين يمثلون الطبقة العاملة العراقية والبرجوازية الصغيرة وفئات واسعة من البرجوازية الوطنية، بعد إنجاز الهدف المشترك (إسقاط النظام الملكي العميل لبريطانيا والمدافع عن مصالح الإقطاعيين وكبار شيوخ العشائر والمعادي لمصالح الشعب، وإعلان النظام الجمهوري)، وذلك بسبب إختلاف المسارات والتوجهات بين أطرافها بعد إنتصار الثورة. ولم تأخذ القيادة العراقية ممثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم مأخذ الجد تنبيهات وتحذيرات أصدقائه المخلصين من كبار ضباط الجيش ومن قوى سياسية وطنية حريصة على بقاء وإستمرار منجزات الثورة كالحزب الشيوعي العراقي، من المؤامرات التي كانت تُحاك ضده وضد سلطته وضد الجمهورية الفتية، والتي وقفت ورائها المخابرات البريطانية والأمريكية وعملائهم بالداخل وبالتعاون مع شيوخ الإقطاع. الخطأ لا يكمن في تشكيل الجبهة ولا في قيام الثورة، وإنما في الإخفاق في حمايتها من أعدائها بسبب ضعف اليقظة والحذر من جانب القيادة.

وبالرغم من أننا لسنا على أبواب قيام الثورة، يطرح الزعيم الصيني ماوتسي تونغ حول الثورة وعند الإعداد لها التساؤلات التالية:
مع من نتحالف، بأي مضمون و وفق أي شروط؟ من هم أصدقاؤنا ؟ من هم أعداؤنا ؟
”...إن الحزب الثوري هو مرشد الجماهير. فإذا قادها في الثورة إلى طريق خاطئ فلابد أن تفشل الثورة. ولكي نضمن عدم قيادة الجماهير في الثورة إلى طريق خاطئ ولنكفل النصر للثورة، ينبغي لنا أن نهتم بالاتحاد مع أصدقائنا الحقيقيين لنهاجم أعدائنا الحقيقيين. وعلينا لكي نميز بين هؤلاء و أولئك، أن نقوم بتحليل عام للمركز الاقتصادي لمختلف الطبقات في المجتمع الصيني ولموقف كل منا تجاه الثورة . (3 )

وإستنادا إلى نظرة ماو إلى الجانب الطبقي، فإن القاعدة الإجتماعية للتيار الصدري هي في أغلبها من الفئات المسحوقة والمهمشة، ولها مصلحة في القضاء على نظام المحاصصة الطائفية والإثنية و محاسبة الفاسدين وسُرّاق المال العام، وإستعادة هذه الأموال الى خزينة الدولة للمساعدة في إعادة إعمار ما خرّبته الحكومات السابقة قبل وبعد 2003، فهي بهذا الشكل أو ذلك قريبة من أهدافنا المرحلية والمُلحّة في محاسبة أعدائنا الحقيقيين من السياسيين الفاسدين والمستقوين بالميليشيات المسلحة، والذين وضعوا أنفسهم في خدمة الأجندات الخارجية وهي كذلك رصيد إحتياطي غداة قيام الثورة إذا ما توفرت ظروف قيام الثورة، فلا ضرر من التعاون وحتى التحالف معها شرط أن يلتزم قادتها بالبرنامج ذو الطابع الوطني، والذي يهدف إلى إستعادة هيبة الدولة وفرض سلطة القانون وتنفيذ المطالب الأساسية للشعب وتقليص النفوذ الأجنبي . ومتى ما يتنصّل أحد الأطراف المؤثرة في التحالف من تحقيق هذه الأهداف أو ينقلب عليها، على الحزب الشيوعي الإنسحاب من التحالف والإنتقال الى المعارضة.
وحين زحفت قوات اليابان لغزو الصين ، رفع الحزب الشيوعي الصيني شعار الجبهة الوطنية المتحدة مع الكيومنتانغ، وهو حزب قومي صيني (بالرغم من أن الكيومنتانغ أباد أزيد من 80 بالمائة من قوات الجيش الأحمر التابع للحزب الشيوعي ) وعقد معه تحالف (أي أن أعداء الأمس يمكن أن يصبحوا حلفاء اليوم). وقد أوضح ماو آنذاك المسألة على الشكل التالي : " عندما تحدث تبدلات في الوضع الثوري، ينبغي أن تقابلها تبدلات في التكتيك الثوري وفي أساليب القيادة. إن مهمة الامبرياليين اليابانيين وعملائهم والخونة هي تحويل الصين الى مستعمرة ، بينما مهمتنا نحن هي تحويل الصين الى بلد مستقل حر محافظ على وحدة أراضيه "( 4).

إن مسألة التحالفات كما تظهر ذلك التجربة التاريخية ، تستدعي بالضرورة كما أشرت الإقدام على تنازلات من جانب المشتركين في التحالف. و لأنها تفرض التنازل والمساومة فإنها شكلت إحدى القضايا الكبرى في تاريخ الصراع الفكري والسياسي داخل الحركة الشيوعية العالمية، حيث برز وسط تطور هذا الصراع خطان تحريفيان : خط يميني لم يستطع فهم شروط التحالف ولا فهم مجال التنازلات، ورهنْ سياسة الحزب المعبر عن الطبقة العاملة بالبرجوازية وأحزابها، و آخر يساري غالبا ما اتجه الى رفض كل تحالف ما دام هذا الأخير يفرض التنازل والمساومة، وهو ما جعل سياسة هذا الخط تؤدي الى عزلة الحزب وعدم قدرته على قيادة الجماهير الشعبية الساخطة على الطبقات المسيطرة والدفع بقضية الثورة نحو الأمام .
لقد صاغ لينين في خضم صراعه ضد الخطين اليميني و اليساري نظريته حول التحالفات آخذاً بتعاليم ماركس ومدافعاً عنها بحزم حين قال: لا مجال إطلاقا للقيام بالتنازلات الفكرية والايديولوجية، وأنّه أعلن الحرب على كل من يذهب الى تقديم التنازلات الفكرية، التي تعني عمليا انحراف فكري يفقد الحزب هويته ومضمونه الطبقي. يؤكد لينين في مسألة التحالفات على مجموعة من النقاط. (5 )
1 – أن يكون تحالفا طوعيا وحُرّاً من طرف جميع المتحالفين.
2 – لكل طرف الحق في الخروج من التحالف وقتما يشاء.
3 – لا يجب في أي حال من الأحوال أن يقيد هذا التحالف يد الثوريات والثوريين للدعاية لمشروعهم الفكري والسياسي.
4 – أن التحالف لا يجب أن ينفي ضرورة ممارسة النقد والصراع ضد الأطراف المتحالفة.
5 – أن يخدم التحالف قضية البروليتاريا ومشروعها المجتمعي .

لكن لماذا تعتبر التحالفات أمرا ضروريا لا غنى عنه؟ و لماذا لا يمكن أن تقود البروليتاريا الثورة دون سلسلة من التحالفات؟
يقول لينين إن البروليتاريا ليست خارج المجتمع أو خارج الطبقات ، بل هي طبقة وسط مجتمع محاطة بالعديد من الطبقات الأخرى التي بدورها تعرف تناقضات عديدة، والبروليتاريا نفسها طبقة " منقسمة في داخلها الى فئات أكثر تطورا أو أقل تطورا ، و منقسمة حسب مناطق الاستيطان ، و المهنة و الدين أحيانا ....ومن كل هذا تنشأ ضرورة مطلقة ، ضرورة لجوء طليعة البروليتاريا وقسمها الواعي أي الحزب الشيوعي ، الى المناورة والاتفاق والمساومات مع مختلف مجموعات البروليتاريين ومع مختلف أحزاب العمال و صغار أصحاب الملكية. وجوهر القضية كله في معرفة كيفية تطبيق هذه الخطة، لأغراض الصعود بالمستوى العام لوعي البروليتاريا وثوريتها وقدرتها على النضال والانتصار ، لا النزول بذلك المستوى " .(6 )
هكذا طرح لينين المسألة، منتقدا بشكل ضمني الانحراف اليساري الذي يرفض التحالفات بدعوى أنها تفرض تقديم التنازلات، والانحراف اليميني الذي يصر على عقد التحالفات حتى وإن كانت تجعل من البروليتاريا ذيلا للبرجوازية.
بالنسبة للإنحراف اليساري والذي يَعتبِرْ، أن التحالفات تُشكِّلْ خطرا على البروليتاريا، إذ أنها بنظره تفرض تقديم التنازلات وتستدعي القيام بالمساومة، كتب لينين في صراعه ضد الخط اليساري الذي ظهر وسط الشيوعيين الألمان في نهاية العقد الثاني من القرن الماضي قائلا :
"... إن الانتصار على عدو أشد بأسا لا يمكن إلا ببذل أقصى الجهود، ولابد أثناء ذلك من الاستفادة كل الاستفادة، وبمنتهى الاهتمام واليقظة من أي " صدع " فيما بين الأعداء مهما كان ضئيلا، ومن أي تناقض في المصالح بين برجوازية مختلف البلدان، وبين مختلف الزمر والفئات البرجوازية في داخل كل بلد. وكذلك الاستفادة من أية إمكانية مهما كانت ضئيلة، لكسب حليف جماهيري، و ليكن حليفا مؤقتا و متذبذبا و مزعزعا، ولا يركن إليه وبشروط. ومن لم يفهم هذا الأمر فهو لم يفهم ولا حرفا واحدا في الماركسية وفي الاشتراكية العلمية الحديثة بوجه عام. ومن لم يثبت عمليا، خلال مدة طويلة نسبيا وفي أوضاع سياسية متنوعة نسبيا، قدرته على تطبيق هذه الحقيقة في العمل، فإنه لم يتعلم بعد كيف يساعد الطبقة الثورية في نضالها من أجل تحرير البشرية الكادحة جميعها من الاستثماريين " (7).

ويمكن فهم قبول الحزب الشيوعي العراقي بالدخول في تحالف سائرون في إطار هذا الفهم اللينيني بعد التصدّع والإنقسام الذي حصل في جبهة الإسلام السياسي الشيعي، وإتخاذ السيد مقتدى الصدر موقفاً مناوئاً للمحاصصة الطائفية والإثنية، ومن الفساد والمفسدين، والمطالبة بحقوق االفئات المسحوقة، وإحترام القرار العراقي المستقل وعدم القبول بتدخل دول الجوار في شؤونه الداخلية، وهي مواقف تصب في مصلحة الطبقة العاملة العراقية والجماهير الشعبية.
هكذا وضع لينين المسألة من الناحية المبدئية العامة. لكن اليساريين المتطرّفين لا يستطيعون فهم هذه الموضوعات اللينينية، وهم أبعد ما يكونوا على تطبيقها وبالتالي فإنهم غير قادرين على قيادة نضال البروليتاريا الثوري.

كما إنتقد لينين الإنتهازية اليمينية بسبب خوفها من ممارسة النقد والصراع الواضح داخل التحالف بدعوى ضرورة الحفاظ على التحالف، حتى وإن كان ذلك على حساب تطور وعي البروليتاريا والجماهير، حتى وإن كانت ممارسات الأطراف المتحالفة تذهب ضد مصلحة الجماهير.(8)

وبرأيي الشخصي، أن عدم مراعاة هذا الشرط والنقطة الثالثة الواردة أعلاه، أو التغاضي عن هذين الشرطين من جانب قيادة الحزب الشيوعي العراقي، كان واحداً من أهم الاسباب التي أدت الى فشل تحالف الحزبين الشيوعي والبعث بعد التوقيع على ميثاق العمل الوطني في تموز 1973، وذلك حين إتخذ حزب البعث من نفسه قائداً للجبهة، وحين رضخت قيادة الحزب لضغوطات البعث في تجميد نشاطات منظمات الحزب المهنية كإتحاد الطلبة العام، وإتحاد الشبيبة الديمقراطي وغيرها... وكذلك مَنعْ نشاط الحزب في الجيش والقوات المسلّحة، وحصر القبول في الكليات الجامعية على الطلبة البعثيين فقط في قطاعات التربية والرياضة والفنون. ويُعدْ هذا الموقف تخلّياً عن إستقلالية الحزب التنظيمية والدعائية، ومحاولة من البعث لتحجيم دور الحزب بين الجماهير. كان على الحزب أن يفكر بالإنسحاب التدريجي من الجبهة في وقت مبكر حين لم ينجح في إقناع البعث بأن هذه الإجراءات تُعد خروج على بنود الميثاق، وتمس بإستقلالية الحزب. وكان من نتائج هذه السياسة أن تلقى الحزب الشيوعي العراقي ضربة موجعة بعد غدر وإنقلاب البعثيين عليه منذ نهاية 1978 وبداية 1979، حين سعي حزب البعث على تصفيته في وقت عصيب لم يكن الحزب مهيئاً للدفاع عن قواعده وأعضائه ومُؤازريه.

أمّا أنطونيو غرامشي (1891- 1937) القائد الشيوعي الإيطالي والذي يُعتبر مجدداً للماركسية ومخلصاً لها
، فقد رفض عبادة ماركس كمعصوم من الخطأ، فماركس من وجهة نظره، كما قال في العام 1918 "ليس مسيحاً خلّف وراءه سلسلة من الحكايات ذات المغزى الأخلاقي التي تحمل ملزمات صريحة وقواعد غير قابلة للتغيير على الإطلاق، خارجة عن مقولات الزمن والفضاء. إن الملزم الصريح والوحيد، والقاعدة الفريدة هي ؛ يا عمّال العالم اتحدوا. وما عدا ذلك تفاصيل قابلة للاجتهاد والنقاش العلمي"(9).
وعلى هذا الأساس ، قام غرامشي بالتنظير للتحالف بين البروليتاريا والفلاحين، بين العمال الصناعيين والزراعيين. ومَنْ يقوم بتوطيد مثل هذا التحالف هم الطليعة المثقفة. وفي أفق هذه النظرة لطبيعة وكيفية التحالف أسس غرامشي لمفهوم (الكتلة التاريخية) حيث يشكّل المثقفون "الاسمنت العضوي الذي يربط البنية الاجتماعية بالبنية الفوقية ويتيح تكوين كتلة تاريخية".(10)

ويصف المفكر الراحل محمد الجابري (11)، الكتلة التاريخية بأنها "ليست مجرد جبهة بين أحزاب، بل هي كتلة تتكون من القوى التي لها فعل في المجتمع أو القادرة على ممارسة ذلك الفعل، ولا يُسْتَثنى منها بصورة مسبقة أي طرف من الأطراف، إلاّ الطرف أو الحزب الذي يضع نفسه خارجها وضدها وضد أهدافها، كما أن هذه الكتلة لا تلغي الفصائل والأحزاب والحركات السياسية والمجتمعية، ولا تقوم مقامها، ذلك لأن ما يجعل منها كتلة تاريخية، ليس قيامها في شكل تنظيم واحد، بل انتظام القوى والأطراف المكونة لها انتظاماً فكرياً وسياسياً ومجتمعياً " حول الاهداف الوطنية التحررية والديمقراطية، والعمل الموحد من أجل تحقيقها".(12)

إن الظرف الذي يمر به العراق كدولة محتلة وفاشلة، وينخر فيها الفساد في كل مؤسساتها، وتفشي الفساد بين المواطنين أنفسهم، وفي ظل غياب الخطط الإستراتيجية للنهوض بالإقتصاد الوطني وإنقاذ البلد من الأزمة البنيوية التي يدفع ثمنها المواطن البسيط، تفرض على قوى اليسار العراقي وعلى رأسهم الحزب الشيوعي العراقي والشيوعيين العراقيين المنتمين إلى أحزاب أخرى توحيد جهودهم والوقوف صفا واحدا بوجه العابثين بمصير الوطن وشعبه ومصير الأجيال القادمة، واضعين إختلافاتهم الفكرية والسياسية وإتهاماتهم جانباً، والتعاون مع الأحزاب والقوى اليمقراطية، وكل من يمد يده بصدق مهما كان إنتمائه الفكري والعقائدي للخروج من هذه الأزمة العميقة والشاملة، التي تسبَّبَ بها اللصوص والساسة الفاشلون الذين جاء بهم المحتل الأمريكي، والتي تهدد مستقبل بلدنا ووحدة أراضيه ونسيجه الإجتماعي. وينطبق هذا على كل الدول العربية الواقعة تحت الإحتلال الأجنبي وتعاني من الحروب الأهلية، والمهددة سيادتها ووحدة أراضيها وشعبها إلى الإنقسام، كسورية وليبيا واليمن والسودان والأراضي الفلسطينية. وتأتي المصالحة الوطنية بين فتح وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية على رأس مهمات حركة التحرر الوطني الفلسطيني لمواجهة غطرسة الكيان الصهيوني والغدر الأمريكي، والتقليل من مخاطرهما على مصيرالشعب الفلسطيني ومصير شعوب المنطقة برمّتها.

المصادر
(1) إضاءات حول مفهوم التحالفات السياسية بين الأحزاب .. بقلم: شهاب الدين عبدالرازق عبدالله محمد
(2) انجلز : الثورة و الثورة المضادة في ألمانيا ص 56، دار ابن خلدون
(3) خالد المهدي ماو تسي تونغ حول مسألة التحالفات: مع من، بأي مضمون و وفق أي شروط؟
(4) حول تكتيك مناهضة الامبريالية اليابانية ، ( ص 237)
(5) لينين مرض الشيوعية الطفولي
(6) لينين مرض الشيوعية الطفولي ص 80
(7) لينين مرض الشيوعية الطفولي ، ص 74-75
(8) لينين ما العمل
(9) سعد محمد رحيم – ما بعد ماركس / جرامشي .. لوكاش – الحوار المتمدن – 16/2/2011.
(10) سعد محمد رحيم
(11) محمد عابد الجابري (1936 )، مفكر وفيلسوف من المغرب، له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية. كرّمته اليونسكو لكونه “أحد أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار”
(12) محمد عبد الجابري – الكتلة التاريخية بأي معنى؟ - الانترنت: موقع الجابري http://www.aljabriabed.net.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار