الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تتعثر نهضتنا العربية الحديثة؟

سمير الأمير

2018 / 11 / 19
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لماذا تتعثر نهضتنا العربية الحديثة؟

بقلم سمير الأمير
من الممكن وبمنتهى السهولة أن نرهن إخفاقات النهضة بالنظم السياسية التى تعاقبت على المنطقة العربية منذ أمد بعيد و حتى الآن، لكن ذلك فى اعتقادى هو تبسيط مخل للأمر ، رغم كونه طبعا عاملا مهما ، إذ ساهم بقدر ملحوظ فى الحفاظ على تردى أوضاع النهضة التى يمكن أن تهدد " سلطوية وأبوية وسرمدية هذه البنى الفوقية " ولكن الأمر فى تقديري أشمل وأعم من تلك النظرة الجزئية، إذ لابد من التفكير بزاوية أوسع فى الشعوب ذاتها وفى ثقافاتها ومعتقداتها وفى التراجعات التى شهدتها كل مشاريع التنوير والتثوير عند أول مواجهة ، لندرك أن الدودة فى أصل الشجرة "كما يقولون "،وما كل تلك المؤسسات الحارسة والمحافظة على "التخلف" إلا نتاج وعينا نحن، هذا الوعى الذى بقى عند أدنى درجات سلم التطور حتى وإن بدا الأمر غير ذلك فالتناقض سمة ظاهرة ومختفية فى تكويننا النفسى والثقافى ،ولعلنا شهدنا أمثلة لمتدينين يتحولون لجبارين حين يقترب الأمر من مصالحهم ولدعاة اشتراكيين بشعين فى الاستغلال والقسوة حين يتحولون إلى رجال أعمال، ولدينا من يصدرون للناس أن حكم "العسكرتارية" بدأ فى مصر الحديثة بمحمد على أو بثورة يوليو ليخفوا حقيقة أن كل تاريخ ما يدعون أنه خلافة كان حكما عسكريا لقادة فاتحين ، منهم من ساهم فى قضية التقدم بشكل كبير ومنهم من كرس للأوضاع المتخلفة القائمة آنذاك ، وستندهش من هؤلاء الذين يطرحون " المدنية" فى مقابل " العسكرية" ، حين تجدهم يمجدون قادة تاريخيين كانوا عظاما وساهموا فى دعم قضية التقدم فى عصورهم،أى أننا لا نقيم الأمر موضوعيا ولكن عقليتنا درجت على إدانة " الهوية"،فالتشكيلى يرفض القيادة الثقافية القادمة من فضاء" الرواية" و المدرس يرفض أن يكون وزيره " طبيبا" أو "مهندسا" ، و لايقبل ضابط الشرطة أن يكون وزيره " مدنيا" أيضا، وطبعا فى حالة الفشل لا يرجعون ذلك لضعف برامجه ولكن لهويته ، أو لخلفيته المهنية،
أتصور أيضا أننا بحاجة ماسة إلى " تنمية الخيال" وهو ما يمكن التعبير عنه بكلمات تخص الماضى مثل " الذاكرة - التراث -الأسلاف "، ويمكن التعبير عن هذا الخيال أيضا بكلمات تخص الحاضر، مثل " التعلم – التأمل- استثمار الوقت – التنظيم" وبكلمات تخص المستقبل مثل " التوقع- التخطيط- التشوف- التحسب" وطبعا لا أستثنى من ذلك مثقفينا ولا الحكومات العربية التى ليست إلا المحصلة النهائية لإخفاقات ضاربة فى الماضى ولابتسار أسئلة النهضة أو للالتفاف حولها فى أكبر عملية لمنافقة التاريخ، ولعل أخطر ما في هذه العملية التلفيقية ما تركته من أثر على العقل العربى وأعاقت نموه ولا سيما فيما يتعلق بتصورات هذا العقل عن الدين والسلطة، إذ شكلت تلك العملية الممتدة عبر تاريخنا أساسا للخلط غير الموضوعى بين ما هو مقدس وما هو انسانى ، وفى ظنى أن عملية تدجين وإخضاع العقول لمتطلبات السيطرة التى فرضتها إرادة القادة المسلمين منذ معاوية بن أبى سفيان وحتى لحظة كتابة هذه السطور، فى ظنى أن تلك العملية المستمرة هى السبب الرئيس لهذا المرض الذى يوشك أن يحولنا إلى أمة من مدعى الطاعة ومحترفى الرياء وهو ما يحولنا إلى عبيد للأفكار الخاطئة التى سادت بسلطان الغلبة فأصبحت هى الدين وهى المقدس، أو للأفكار المتخلفة التى انتشرت بفضل فساد وفشل المشاريع السياسية القومية من جانب آخر، بينما تتوارى محاولات النهضة البائسة المترددة خلف هذا الركام من الرغبات الغير مقدسة لجماعات المتسلطين القبلية والدينية والسياسية وخلف توبة واستسلام وعجز واعتذار من حاولوا النهوض وربما خلف التشفى فيمن سقط شهيدا، وهو موقف يتوحد بالتخلف وبالقهر إيثارا للسلامة و للحياة فى حدها الأدنى، نعم لقد كانت هناك لحظات مضيئة فى تاريخنا ولكنها سرعان ما كانت تغرق فى تلك العتمة الهائلة التى ما إن كانت تتراجع مؤقتا حتى تعود وكأنها اكتسبت شراسة الأسد الجريح،
وطبعا من الممكن أن يعلق بعض الناس بأن الغرب وأمريكا وإسرائيل يشكلون سببا جوهريا فى حراسة تخلفنا ومنعنا من أن نتجاوزه وهو أمر صحيح جزئيا فقط ، لأن تلك الشعوب نفسها تعرضت لذات المؤامرات بل أشد ولكن التآمر عليها كان دافعا للمقاومة وليس للاستسلام كما هو حادث حصريا فى المنطقة العربية ،

ليس لدى كلاما يمكن أن يصلح برنامجا لإحداث نهضة وإن كنت أحفظ عن ظهر قلب ما اعتقدت يوما أنه صحيح فى ذاته من الناحية النظرية ، لكننى الأن أدرك أنه كلام لا يساوى شيء دون مرورنا كشعوب بخبرة قسوة هدم ما اعتدنا عليه وقسوة بناء ما نطمح إليه، غير أن الأجيال ممن سبقونا وحتى جيلى الذى ينهى عقده السادس ، لا تستطيع بحكم التعود على التعايش مع الأنماط والأنساق القديمة للتفكير ،أن تتحمل تكلفة تحررها من الأوهام التى أصبحت جزءا من حياتها " المادية" ولا يعنى هذا أن النهضة لن تمر من هنا ، ستمر حتما بشرط أن نعى أن ما نحن فيه ليس ظلما وليس باطلا لأنه نتيجة قعودنا ، أو نتيجة قصر نفس مقاومتنا ثم الهمدان والاستسلام ، وفى تقديرى أننا كجيل لم نعد نصلح لتلك المهمة وأننا لا يجب أن نغضب من رفض الأجيال الجديدة لمشاريعنا " الميتة" لأن هذه الأجيال ستتعلم حتما طرائق العصر وتجد طريقا لا نعرفه لنهضة تخالف تصوراتنا، وربما بعد أن تسقط الأوهام الموروثة ستنمحى وتسقط كثير من الأقنعة التى تستخدم فى صراعات البشر وتقسيمهم إلى متقدمين ومتخلفين وسيكون تجسير الهوة بين التقدم والرغبة فى التقدم أسرع مما نتصور بفضل ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التى أتاحت للشعوب فى الشمال والجنوب إمكانيات هائلة للمضى قدما فى مشاريع نهضتها بشرط توافر الإرادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - منذ معاوية بن أبي سفيان؟
Muwaffak Haddadin ( 2018 / 11 / 20 - 07:26 )
السيد سمير الامير
تحية
ورد في مقالتك النيرة ما يلي
وفى ظنى أن عملية تدجين وإخضاع العقول لمتطلبات السيطرة التى فرضتها إرادة القادة المسلمين منذ معاوية بن أبى سفيان
وأنا أتساءل لماذا استثنيت الخلفاء الراشدين، ألم ينتزع أبو بكر الخلافة انتزاعا ثم تولاها الثلاثة الآخرين بعده دون انتخاب،كما نعرفه اليوم
ولكن يجب أن أذكر ان مقالتك وضعت الاصبع على الجرح
موفق حدادين
عمان
20 /11/2018

اخر الافلام

.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي


.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن




.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح