الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة: صراع على الاستحواذ

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2018 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


قبيل يوم واحد من أحداث غزة الأخيرة، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث للصحافيين، في ذكرى رحيل ابوعمار الذي تمت تصفيته دون أن يُماط اللثام حتى اليوم عن أي خيط، يكشف المتورطين في تغييبه. وما يثير الاهتمام أن خليفة ياسرعرفات، علامة فارقة في الانقسام الفلسطيني، خاصة بعد مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية لبنان، الى الشتات، وتطور مع اضطلاعه بدور محوري، في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية السرية التي افضت الى اتفاق أوسلو، وبقى كذلك عاملاً مؤثراً في تجذير الخلافات الفلسطينية، دون أن نغفل أدوار الآخرين. قال عباس قبل أيام كلاماً يثير مزيداً من التساؤل حول دوره ووظيفته، في إذكاء الصراع بين الفصائل الفلسطينية.
وفقاً للرئيس عباس، ثمة مؤامرة يديرها ترامب، ضد الشعب الفلسطيني، هي صفقة القرن. ومؤامرة أخرى من قبل نتنياهو. ويضيف بتشديد مخارج الحروف: " وهناك مؤامرة تنفذها حماس، لتعطيل قيام الدولة الفلسطينية ". لا سذاجة في قول كهذا، خاصة وأننا اعتدنا على توزيع الاتهامات شرقاً وغرباً، ليس على الساحة الفلسطينية فحسب، وإنما في العالم العربي برمته. وفي ذلك تعبر حقيقي عن خلاصة السياسات التي تتبعها رام الله، في مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وأيضاً في مواجهة الاستحقاقات السياسية والدستورية التي ينبغي على الفلسطينيين الإيفاء بها. والحديث هنا لا يخص حركة فتح وإدارة عباس، بقدر ما يطال جميع الأطراف بما فيها حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، كسلطة امر واقع لا يختلف عن الضفة الغربية، كشكل من أشكال اقتسام السلطة، قادت إليه الخلافات العميقة دون التوصل إلى حلول.
حديث الرئيس عباس، يُحمّل حركة حماس، كل المشكلات القائمة، بما فيها الفشل المزمن للمفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية، ويتحدث عن إعاقة قيام الدولة، وكأن اسرائيل والولايات المتحدة، وقوى دولية أخرى، لادور لها في تعطيل حلم قيام الدولة الفلسطينية، وربما لا يريد أبو مازن أن يستذكر أن رحيل أبو عمار، جاء تتويجاً لمنع تنفيذ اتفاقات أوسلو وواشنطن والقاهرة وغيرها من نتائج عملية السلام. لسنا ننزع عن حركة حماس سلبية السياسات التي تتبعها، داخليا وخارجياً ( القمع والفساد والتخندق مع إيران ). ولسنا في معرض الدفاع عنها. لكن اختصار أبو مازن لمعيقات حل المشكلات الكبرى بمثل هذه الصورة، لا يعبر فقط عن ضيق أفق، بل أيضاً عن مدى ارتباط عباس بمواقف وتوجهات إقليمية ودولية، تستهدف تجريم حماس، وتجريدها من سلطة حكم قطاع غزة. وهو بذلك يستجيب لتلك السياسات، الى درجة الشراكة التي يريد لها أن تتوجه زعيماً على بلد من خراب، بلا سيادة، ولا قرار وطني، بسبب الاحتلال، والتدخل المباشر للقوى الاقليمية الداعمة له.
يبتعد عباس في صراعه المزمن مع القوى الفلسطينية، عن الإنشغال بالتناقض الرئيس، الاحتلال الاسرائيلي، وحق تقرير المصير، الذي أزيح عرفات بسبب التمسك به، ليصل أبو مازن الى كرسي المقاطعة، حيث حوصر ياسر عرفات وعوقب، ومن ورائه الشعب الفلسطيني برمته. إنه صراع الاستحواذ على المكان والذاكرة معاً، يخوضه عباس بضراوة و بدعم اسرائيلي – عربي.
ربما هي المصادفة، التي جعلت من انتقادات عباس وتهديداته لحماس بـ "إجراءات حاسمة"، مقدمة لأحداث اليوم التالي في قطاع غزة. ويبرز الانقسام في الحياة السياسية الفلسطينية، حاجة ضرورية لاستمرار الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وارتداداته في المنطقة، وليس ثمة من يُذكي النزاعات الفلسطينية سوى أهلها في المقدمة، استناداً لقوى إقليمية ودولية نافذة للغاية في الحالة الفلسطينية المعقدة، تتجلى اليوم في الخلاف الغير قابل" للطيّ " بين فتح وحماس. وكل منهما يستعين بمنظومة من الارتباطات المثيرة للقلق، شان علاقة حماس بإيران، وعلاقة السلطة الفلسطينية باسرائيل وقوى أخرى.
والميزة الأساسية لتلك الارتباطات أنها لا تخدم القضية الفلسطينية، التي اختزلت في قضايا مستجدة، في الصراع على السلطة وفي المعابر، وفي المساعدات العاجلة، والشعب الفلسطيني هو الذي يتكبد الخسائر ويتحمل مشاق الحياة المريرة الناجمة عن سياسات اسرائيل العدوانية، ومشكلات القوى الفلسطينية فيما بينها. كان يمكن لسياسات اسرائيل تجاه الفلسطينيين، أن تحظى باهتمام جدي يقود الى إفشالها، لو كان هناك توجه للخروج من النزاعات الفلسطينية، والتي تمنح الكيان الاسرائيلي، كل الفرص لتنفيذ سياسات التهويد، وقضم الاراضي وبناء المستوطنات، واستكمال منظومة التشريعات القومية العنصرية، أي بما يجعل من قيام الدولة الفلسطينية أمراً بعيد المنال، في ظل تبنّ دولي – أمريكي، لاستراتيجيات دعم السياسات الاسرائيلية، منذ قيام الكيان الاسرائيلي 1948.
تتواصل معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، بسبب الحصار اسرائيل الخانق المتواصل منذ سنوات، بدءاً بسبب وصول حماس الى السلطة عام 1996، ومن ثم تطور هذا الحصار، ليشهد انخراط اطراف عربية مثل مصر، إضافة الى موقف الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية المؤيد لفرض ضغوطات على حماس، الى درجة القبول بالإجراءات الاسرائيلية والمصرية، ضد القطاع، وهو الوضع الذي يجعل من غزة منطقة متفجرة على الدوام، وشهدت السنوات العشرة الأخيرة عدة حروب وعشرات العمليات العسكرية والمواجهات االمباشرة، والمحدودة، بين اسرائيل وحماس في قطاع غزة، كان نتيجتها مزيداً من الدمار والويلات والخراب.
قاد فشل عملية خان يونس، الى تفجر أزمة سياسية في الحكومة الاسرائيلية، والى استقالة وزيرين أهمها وزير الحرب المتطرف ليبرمان على خلفية التوصل الى اتفاق تهدئة بدلاً من الذهاب الى عملية عسكرية واسعة. ولكنها على الجانب الفلسطيني، لم تشهد أي تطور يشير الى الاستفادة من التجربة، والمضي قدماً للخروج من عنق الزجاجة الذي يعلق فيه طرفا النزاع: حماس وعباس!
لقد تركت التطورات المأساوية في المنطقة، وحروب الردة ضد ثورات الربيع العربي، أثرها العميق على القضية الفلسطينية، واستغلت الظروف الاقليمية والدولية لتجعل من الحدث الفلسطيني ثانوياُ للغاية في الحياة العربية، لصالح بروز الاهتمام بالآني الذي يحدث لكل شعب في محيطه الأضيق جداً. مترافقاً مع سياسات عربية بالتراجع عن أولوياتها بشان القضية الفلسطينية، استجابة لسياسات البيت الأبيض وداعمي اسرائيل في المنطقة والعالم، وهو واحد من الأسباب الذي يجعل من إيران قادرة على التدخل أكثر فأكثر في المنطقة، والتغلغل فيها، بحجة الدفاع عن المقدسات الاسلامية، ومناصرة القضية الفلسطينية، بما يسمى بحلف الممانعة الذي أسقطت الثورة السورية دعاوته الكاذبة، وكشفت زيفه، وعريّ سياساته وتوجهاته.
ما يجري من حروب صغيرة ومواجهات وحصار في غزة، ونزاعات بين السلطة الفلسطينية وحماس، هو واحد من تجليات الصراعات الدولية في المنطقة، وأيضاً يأتي في سياق التصدي لإيران، والذي تدفع شعوب المنطقة ثمناً باهظاً فيها، دون أن تنال حقوقها في تقرير المصير، والأمن والحرية والسلام، ومثالهما الشعبان الفلسطينيي والسوري، في معاناتهما المريرة مع الاستبداد والديكاتورية، في ظل إرادة دولية داعمة للطغاة.
سوف تظل "اسرائيل " تعتدي على الفلسطينيين وتحاصرهم في غزة، وغيرها، طالما أن الوضع العربي يشهد تحولاً متنامياً نحو تراجع الدعم الجاد والمؤثر للقضية العربية العادلة، وفي تطور ملفت للعلاقات العربية مع اسرائيل. وسوف تبقى محنة الشعب الفلسطيني الإنسانية، قائمة بلا أفق للحل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع