الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الخامس 1

دلور ميقري

2018 / 11 / 20
الادب والفن


كان، إذاً، قد تعرف على المغرب، لأول مرة، من خلال سيرة " الخبز الحافي "، التي كانت على ما يبدو خيالية بقدر واقعيتها. أما خارج عالم الكتب، فإنه سيلتقي ببعض المغاربة، من الجنسين، ثمة في بلد المنفى؛ السويد، العائم فوق كتلة من جليد المحيط الشمالي. ثم انتهى به المطاف، أخيراً، ليحط في موطن الأطلس نفسه، المغمور طوال معظم العام بالشمس، فيعدّه منذئذٍ بلده الثاني. وهيَ ذي سنواتٌ خمس، تفصله عن ذلك اللقاء الحار بمَن ستصبح قرينته، وكان قد تم، لمحض الاتفاق، في الكافيه دو فرانس. في ذات المقهى هنالك، سبقَ أن التقى غالباً أبطالُ " السيرة المراكشية " بعضهم بعضاً على وقع إيقاعات طبول ساحة جامع الفنا، المنبسطة تحت مجالسهم على الترّاس بكل سحرها وعجائبها: " شيرين "، " فرهاد "، " سوسن خانم "، " مسيو غوستاف "، " تينا " و" سيامند "؛ لقد كانوا، قبل كل شيء، كتّاباً استمدوا تجاربهم الأدبية من هذه المغامرة، الممتدة على مدى ربع قرن تقريباً.. مغامرة مثيرة، يتعيّن عليه هوَ، " دلير "، إنهاءها ليسَ بوصفه محقق السيرة حَسْب، بل وأيضاً أحد شخصياتها، المرتبطين بعضهم ببعض ـ كما عقد اللآلئ، المنظوم في سلسال واحد، مسكوب من معدن خالد.
مع ذلك، كان يشعر بشيء من الإحباط، سببه الفشل في إنجاز مهمة إنهاء السيرة، والمتمثلة بمعرفة مصائر شخصياتها ممن بقوا في المدينة الحمراء. خيبته، كانت قد تفاقمت نتيجة فقدان أثر أكثرهم، لدرجة خيّل له أن ذلك كأنما جرى عن عمد. في حقيقة الحال، أنه كان سيشك كذلك بواقعية السيرة، لولا معرفته الوثيقة بالسيّدة السويدية، " تينا "، واجتماعه مؤخراً مع أخي صديقها الراحل، ثمة في هامبورغ الألمانية. هذا الأخير، شاءَ في المقابل مضاعفة يأسه من نجاح المهمة حينَ رفضَ بعناد تسليمه الأوراق الخاصّة بمساهمته في السيرة. على أنّ إشارات أخرى من " سيامند "، توحي بأن عناده لن يدوم مطولاً. لقد أخبره في آخر اتصال هاتفيّ، وبنبرته الساخرة المألوفة، أنه من الممكن توقع تنازله عن الأوراق: " ولكن ضمن ظرف محدد وطارئ، وهوَ أن يُفقدني الخمرُ صوابي! ".

***
بينما الحر يهدأ نوعاً في حجرته، كان الصخب بدَوره قد خفت حدّته، ثمة في الصالة الأرضية. بدا أنه تلاشى، أو يكاد، الخصامُ المتعلق بمنع الكنّة من مرافقة الأسرة إلى مدينة الصويرة. هكذا آبَ إلى أوراق السيرة، منتعشاً على أثر إفاقته من القيلولة ووضعِ جسده تحت الدش الفاتر. حينما كان عائداً من الحمّام، أرسل نظرة عابرة إلى البيت التحتاني عبرَ درابزين المنوَر، فحطت عيناه على عينيّ مُسبّب الخصام. فكم فاجأه بعد دقائق، حدّ الارتباك، ظهورُ امرأة الرجل وراء باب الحجرة مرددة اسمه بصوتها الناعم: إنّ " حسنة " ما كانت تأتيه بطعام أو شراب في حالة وجود زوجها في المنزل، وكان ذلك على الأرجح بتشديد من الأم. فكيفَ تغاضت هذه الأخيرة عن الأمر، ما لو افترضنا أنّ الأخرى أجازت لنفسها الاستهتار به كيداً بالزوج؟
لم يَعُد في مقدوره التركيز على أوراق السيرة، طالما ذهنه أنصرفَ إلى التفكير بمغبّة تصَرُّف المرأة الأخرق: " تباً لها من طفلة طائشة..! "، تمتمَ ساخطاً. في الواقع، لم يكن ثمة داعٍ لأيّ قلق من جانبه. فإنه غيرَ ملومٍ، بالطبع. عدا عن أنها ما كانت المرة الأولى، التي تحاول فيها الكنّة استفزازَ رجلها وإغاظته. والأهم، أنّ الصهرَ كان حائزاً تماماً على ثقة المعنيّ، وكذلك بقية أفراد الأسرة. بيْدَ أنه كان لا يُطاق، مجردُ تفكير " دلير " بكون ذلك التصرف في وسعه إثارة غيرة ابن حميه. ما لم يكن يحسب حسابه آنئذٍ، أنّ المرأة الخرقاء ستضعه في الغد أمام موقفٍ أكثر إحراجاً بما لا يُقاس من الأول.. من الأول، الذي لم يكن أولاً بحال من الأحوال!

> مستهل الجزء الثالث/ الفصل الخامس، من رواية " الصراطُ متساقطاً "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با