الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقطع من سمفونية الكمنجات الكردية

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2018 / 11 / 21
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في أوائل عشرينيات القرن الماضي، وصل مع أول فصل الصيف، الرَّحالة والصحفي النمساوي (ليوبود فايس) إلى جبال كردستان في طريقه إلى إيران، ومن ثمَّ متجهاً إلى أفغانستان. كان شاباً يافعاً في تلك الأيام، فقد ولد في إحدى المقاطعات النمساوية عام 1900، وها هو يروي لنا بلغة حيَّة موحية مغامراته، ومشاهداته ضمن كتاب حكى فيه سيرة حياته، ألّفه عام 1952، وصدرت ترجمته العربية عن دار الجمل في ألمانيا عام 2010 في أزيد من خمس مئة صفحة، تحت اسم "الطريق إلى مكة" وقد شكَّلت مطالعته متعة حقيقية لي لما فيه من صدق ونزاهة وجرأة. بل وأكثر من ذلك كأنك تُشاهد ملحمة روائية على شاشة عرض سينمائية أجاد المصور والمُخرج رسم تفاصيلها الصغيرة الباذخة.
1
في باكورة الفجر، بدأت قافلة العربات والبغال والمشاة في التحرك باتجاه جبال كردستان، الطريق صاعداً نحو أرض الرعاة الشقر طوال القامة، وصلت القافلة في الضُحى إلى قرية كردية من الخيام، تقع بين سفوح تلال خضراء، الخيام مصنوعة من شعر الماعز تُشدُّ بأطناب متينة على أعمدة من خشب أشجار قوية، جوانب الخيام صُنعت من قشِّ مجدول، جداول الماء تتدفق على مقربة من الخيام، تجمعت على حواف الماء طيور بيضاء، وحطتْ على صخرة في وسط الماء مجموعة من طيور اللقلق تنقر أجنحتها بمتعة، رجل يرتدي سترة يميل لونها إلى الأزرق الدمشقي يتجه في خطوات حثيثة نحو الخيام، امرأة تحمل جرة فخار على كتفها تدنو من الماء بثوبها الأحمر الفضفاض الطويل، يشفُّ الثوب عن سيقان طويلة مشدودة مثل أوتار الكمان، حين وصلتْ الماء مال غطاء رأسها الأحمر فمسَّ طرفه الماء وكأنه تيار من الدِّماء ينسكب في الماء الجاري.
جلستْ على حافة الجدول بصحبة رجل عجوز أربع فتيات في شرخ الشباب تُشبه صفّ كمنجات في فرقة سمفونية، كلّهنَّ ظريفات الجمال، فيهنَّ ذلك السحر الخاص، طبيعيات بلا افتعال نتيجة حياتهم الحرة بين أحضان الطبيعة. كان جمالهن من ذلك النوع الذي يعتدُّ بذاته إلا أنه عفيف وطاهر، فَخَارٌ واعتدادٌ لا يُدارينه، ولكنك تُدركه من الخجل والتواضع الذي يغلب عليه. كانت أجملهنَّ ذات اسم موسيقي رنان «شيرين» جبهتها مغطاة حتى حاجبها الرقيق بوشاح أحمر وجفناها مصبوغان، من تحت الوشاح تدلت من أُذنيها سلاسل فضّية رقيقة، في كل لفتة من رأسها كانت السلاسل تُصدر صوتاً معدنياً رقيقاً يتناغم مع خرير ماء الجدول.
2
استمتع الجميع بالحوار الذي تبادلوه بالرغم من عائق اللغة وندرة المفردات المفهومة، إلا أنها أدت غرضها بكفاءة عالية، كُنَّ نساء فطريات لم يذهبن أبداً خارج نطاق قبيلتهن، وكُنَّ يفهمن بسهولة ما يُراد قوله، وغالباً ما كُنَّ يجدن الكلمة التي تتعثَّر في النُطق. سألهم الرَّحالة النمساوي عن حياتهم وما يقمن به من أعمال، أجبن:
نطحن الغلال بالرحى، نخبز الخبز في التنور، على جمرات وقيد الجبال، نحلب الماعز، نخضّ اللبن في قُرب من جلد الماعز من أجل استخراج الزبدة، نغزل بمغازل يدوية صوف الأغنام، وننسج الأبسطة والسجاجيد الفريدة النادرة الثمينة، التي لن ترى ما يُشبهها في أنحاء العالم كلها، ونحبل ونلد أطفالاً، ونهب الراحة والحب لأزواجنا. وفي الشتاء مع اشتداد البرد وهطول الثلج وندرة الكلأ والعشب على سفوح الجبال، ننتقل مع خيامنا وقطعان مواشينا إلى السهول الأكثر دفئاً، إلى ما بين النهرين بالقرب من نهر دجلة، وحين يعود الدفء تدريجياً مُعلناً قدوم الصيف برطوبته وهوائه اللافح في السهوب، نعود إلى جبال كردستان، إما إلى الموضع ذاته، وإما إلى موضع غيره في منطقة القبيلة.
يقول ليوبود فايس، سألتُ الرجل العجوز: ألم ترغب العيش في منزل من الحجر، وأن تملك قطعة أرض تفلحها؟ هزَّ الرجل العجوز رأسه ببطء، ثمَّ قال على مهل: كلّا، إذا توقفت المياه بلا حركة في البركة، فاعلم أنها ستفسد وتتعكر وتتعفن في النهاية، أما حين تكون متحركة ومتدفقة فإنها تظلُّ نظيفة ونقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انطباعات بائسه الم يذكرن شيئا عن الاغوات قتلة المل
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2018 / 11 / 22 - 07:01 )
الم يذكرن شيئا عن الاغوات -فليس عندنا اكراد -عندنا اقطاعيين اغوات قادرين بفعل تقاليد المجتمع الرعوي الاقطاعي المتوحش ان يقودوا تابعيهم اسهل من قيادة الخرفان حتى ان الدولة العثمانية المتوحشه -تخوفت-عن ابادة الارمن وهم بالملايين فكلفت الاغوات طبعا بفلوس وحسب الراس وكذالك فعل الاغوات في 1933 في ابادة المسيحيين العراقيين بغية هيمنة الاغوات على اراضيهم في سهل نينوى وهل تعرف كيف تحولت دهوك المسيحية التاريخية الى برزتنية واقراء على الوردي لترى ان محمد علي حينما يعانده سلطان القسنطينية ولا يرد عليه يدفع الخاوه لاغوات الاكراد فينزلوا رعاتهم المتوحشين لاحتلال السليمانيه-ثم الم تعرف ان الرقم القياسي في الخيانة الوطنيه مستفا البراز قتل مئات الالاف من شباب الجنوب والفرات الاوسط ومنذ 1945 وفي جميع الانطمه الملكيه والجمهورية والبعثفاشية والى الان وتحالف مع اسفل السافلين من الشاه الى اسرائيل سيدتهم الدائمه ومع الاميركان-اقراء عزيزي الكتب التي كتبت مثلا من قبل العميل الصهيوني محمود عثمان ورحلاتهم لاسرائيل قبل 2003 الكتاب والكتب والرحلات من زمان-عزيزي اكتب في الادب والنضال ولاتقترب من مدح الخيانات ت


2 - الصديق العزيز الدكتور صادق الكحلاوي ما كنتُ أحسبُ
عبدالرزاق دحنون ( 2018 / 11 / 22 - 12:07 )
الصديق العزيز صادق الكحلاوي ما كنتُ أحسب أن هذه المعلومات التي سجَّلها الرَّحالة والصحفي النمساوي ليوبود فايس في كتابه عن طريق رحلته إلى جبال كردستان عام 1920ستفتح عندك جرحاً عميقاً بهذا الحجم كنتُ أقرأ ما جاء في وصفه وأحسب الرجل صادقاً فيما وصف.
وأما عني شخصياً فأصدقائي من الكرد كثير فيهم الشاعر والمُغني والرسام والنحات والروائي والمسرحي والممثل والصحفي والثائر وفيهم الحداد والنجار والمعمار والمزارع والراعي وفيهم الشيوعي والاشتراكي والليبرالي وفيهم الأطفال و الصبايا والشباب والعجائز والشيوخ أفرح لفرحهم وأحزن لحزنهم وقد زرتهم كثيراً في أعيادهم في القامشلي أركب الحافلة من مدينتي إدلب في الشمال السوري إلى حلب إلى الرقة إلى دير الزور إلى الحسكة ومنها إلى القامشلي لأُشاركهم أفراحهم...أما عن الذين تحدثتَ عنهم أنتَ في كلماتك من لصوص ومستغلين و أغوات ونصَّابين فأنا لا أعرفهم ولا أريد أن أعرفهم...مع تحياتي القلبية الصادقة لك.


3 - اضد تعاليم سيدنا المسيح؟
حسام السعد ( 2018 / 11 / 22 - 17:53 )
لى من يدعي بنفسهِ دكتور، إنسان غريب وصريح وصف طبيعة كردية أفهذا ازعجك؟ لماذا غيرت مفهوم الكتابة واضفت لهاطابع العنصرية والكراهية لوصف منظر من مجموعة ناس يزاولون حياتهم الطبيعية مذ مئات السنين من كاتب مثقف غير عربي أضاف رسم صورة ممعنة بكلمات من اجمل ماقيل في بلاغة التعبير للإحساس الإنساني ٠-;- اما انت يامن يدعي بنفسه مثقف، لماذا لم نسمع عن كتبك او إطروحاتك او محاظراتك العلمية ؟ لماذا العنصرية ؟ اذا كنت من يدعي بنفسه كبير المثقفين وتعلق كَخريج متوسطة فانَ في الأمر شكُ، اسلوبك في الكتابة دلالة على شخصيتك؟ الحقد والكراهية قد تشبعت بها نفسيتك فاني ادعو من الله لرحمتك وسامحك الرب

اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة