الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الخامس 2

دلور ميقري

2018 / 11 / 21
الادب والفن


كما سبق القول، بدأت مغامرته المغربية حينَ كان بعدُ في السويد، من خلال تعرّفه هنالك على بعض مواطني بلد الأطلس. قبل ذلك، في موسكو، كان من بين زملائه في معهد اللغة عدد من المغاربة المنتمين لأحزاب يسارية. " زهراء "، وكانت إحدى أولئك الطلبة، التقى بها في حجرة بالمسكن الجامعيّ تقيم فيها زميلة كردية وأخرى يمنية. لفتت نظره فوراً، بما كان من ميلها إلى المزاح والمرح، لدرجة أنه دُهش لما علمَ بعزمها على دراسة الأدب الروسيّ. وكانت فتاة جميلة، فضلاً عن ذلك، بوجه حنطيّ متورد بالصحة وبدن متفتح الأطراف. ولكن شعرها الفاتح اللون، الناعم، كان قصيراً على طريقة قصّة الغلمان. في مساء اليوم التالي، بادرت " زهراء " إلى المجيء لحجرته وكان يتقاسم السكنى فيها مع زميل سوريّ. وبينما كانت تنقل بصرها فوقَ عدد من لوحاته الكاريكاتورية، الملصقة على الجدار بإزاء سريره، راحَ هوَ يتأمل سحنتها المليحة القسمات. ثم ما لبثت أن ثبتت فيه عينيها الخضر من وراء النظارة الطبية، لتقول له بإعجاب بيّن: " رسوماتك متقنة، وقد حسبتها لأول وهلة نسخاً من أعمال ناجي العلي "
" هل هوَ معروف ثمة، في بلدك؟ "
" نعم، بالطبع. نحن في المغرب نتابع كل ما يتعلق بالفلسطينيين، إن كان فناً أو أدباً، وذلك بسبب اهتمامنا الشديد بقضيتهم الوطنية "، أجابته بلهجتها المميّزة. وأردفت ضاحكة، طالبة منه أن يرسمها كاريكاتورياً. إلا أنه أقترح عليها إنجاز بورتريت بقلم الرصاص والفحم، مؤكداً أنه لن يستغرق أكثر من ساعة. على الأثر، لاحَ الضيق على سحنتها حينَ طلب منها أن تنحّي جانباً النظارة الطبية. قالها بنبرة جدية، فيما كان يُعدّ دفترَ الرسم ذا الأوراق الكبيرة الحجم والسميكة. الرسم المنجز، كان موفقاً حتى أنه أضحى صباحاً موضوعَ حديث الفتاة لزميلاتها على طاولة الفطور في بوفيه المسكن. فيما بعد، رافقت " زهراء " إلى حجرة صديقها السوريّ فتاةٌ أردنية من أصل فلسطينيّ. هذه الأخيرة، وكانت ذات ملامح ذابلة شاحبة، جاءت تحمل ألبوماً لمواطنها، الكاريكاريست الشهير: " أريدك أن تنتقي بنفسك لوحة مناسبة، كي تنسخها لي بريشتك البارعة! "، قالتها مع ابتسامة فاترة. وإنها هيَ، صاحبةُ الوجه الكئيب، مَن راحت في فترة لاحقة تشيع في المسكن حكايةً شائنة عن رفيقة حجرتها، المغربية، وكيف ضبطتها في وضع حميم مع الزميلة اليمنية تلك.
عقدٌ كامل كان قد تركه وراء ظهره، آنَ أجتمع " دلير " في العاصمة الروسية بأحد أبطال السيرة المراكشية. آنذاك، لم يكن يُدرك ماهية ذلك الشاب ذي اللحية الشقراء، المغطية جلّ وجهه الكئيب، والمقدَّم له باسم " فرهاد ". في وقت آخر، وبفضل السيرة ولا غرو، علم حقيقة الشاب علاوة على أشياء ضافية عنه؛ وبشكل خاص، حقيقة كونه صديقاً للفتاة السويدية " تينا ".

***
لغرائب الاتفاق، أن العقدَ الموالي سيشهدُ هذه المرة تعرّفه على امرأة مغربية تحمل أيضاً اسمَ " زهراء ". هيَ من مراكش؛ سمراء بملامح متناسقة، وقامة قصيرة ممتلئة.
أحياناً، كان يلمحها في مركز الضاحية السويدية، التي يقطنها كثيرٌ من الأجانب عرباً وعجماً. ولأن شرفة شقتها الأرضية كانت مطلّة على ملعب الأطفال، فإنه كان يراها ثمّة وهيَ مستمتعة بإزعاج جيرانها بصخبٍ من الأغاني العربية، المتدفقة من جهاز ستيريو. ثمّ تعرّفَ عليها لاحقاً في صالة الغسيل، ليعلم منها بعضَ تفاصيلٍ تخصّ حياتها: لقد سبقَ وانتقلت من ستوكهولم على أثر طلاقها، تاركةً ابنها الصغير بعهدة والده.
ذات يوم، صادفَ أن كان " دلير " عائداً ظهراً إلى شقته، الكائنة أيضاً في الدور الأرضي. رآها جالسةً قدّام باب شقة جارته السويدية، المسلمة ذات الحجاب والمقترنة بأجنبي من شمال أفريقيا: " صديقتي ليست في بيتها، على ما يبدو "، قالت له وهيَ تتناهضُ بخفّة. حينما فتحَ بابَ شقته، دعاها للدخول على سبيل المجاملة. فدلفت خلفه دونما تردد، ثمّ سارت أمامه باتجاه الصالون. ولأنّ الوقتَ كان صيفاً، فإنه فتحَ بابَ البلكون مقترحاً على الضيفة الجلوس في الجنينة المنمنمة، الملحقة به. يتعيّن القول، بأنهما في لقاءات سابقة، هنا وهناك، كانا يتبادلان أحاديثَ عادية غير حميمة. على ذلك، فإنها فاجأته عندما أبدت استعدادها لمساعدته في تدبير زوجة مناسبة من موطنها. ثمّ أردفت ببساطة، أنها موجودة: " هيَ صديقتي، بيضاء شقراء وجامعية..! "، قالتها فيما كانت تُخرج موبايلها كي تبحث عن صورة الفتاة المعنيّة.
مضى ما يزيد عن الشهر، منذ آخر لقاءٍ جمعه بجارته السمراء. في الأثناء، كان " دلير " قد تعرف على أحد كرد تركيا بمناسبة مساعدته له في تركيب صحن ستالايت. كان رجلاً ساذجاً، على الرغم من أنه في حدود الخمسين وافتتحَ المطعمَ تلو الآخر. والكلام هنا عن سذاجة الفكر، المُدعّمة بمَكرٍ متأصّل في المنبت. في إحدى المرات، وخلال قعدتهما على البلكون في الشقة، حدّق الأخ بعينيّ " دلير " وسأله ما إذا كان يعرف مَن دعاها " زهرة ". ثم أردفَ، أنه رآها مرةً تجلس هنا في البلكون. أجابه المضيفُ بلهجة غير مكترثة: " كانت طليقتي في ذلك اليوم تجلب الأطفال، وبما أن الأخرى جارة قديمة فإنها جاءت كي تسلّم عليها! ". قال له متنهّداً، أنه بدَوره كان يعرف تلك الجارة السمراء. ثمّ ما عتمَ أن راحَ يسرد حكايته معها، مختتماً إياها بالقول وهوَ يهز رأسه متأثراً: " ياو، لم أظفر منها بطائل. اشتكتْ أنّ موبايلها قديم، فاشتريتُ لها أحدث موديل. اشترطت عليّ أن أشتري لها ذهباً، فجلبتُ لها عيار 24 من اسطنبول..! ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا