الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظرفية التاريخية المعاصرة في العالم العربي وأهمية العامل النقدي

فارس إيغو

2018 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


إن الظرفية التي تعيش فيها المنطقة العربية ظرفية حساسة وخاصة، وهي مستمرة منذ حملة نابليون بونابرت لمصر عام 1798، مروراً بالفترة الاستعمارية ثم الاستقلالات السياسية، وهي لا يزيدها الزمان إلا تعقيداً، وبالتالي، تحتاج الى وقفة والى مصاحبة في التفكير وفي النظر وفي النقد؛ إذن، هذه المنطقة الحساسة من العالم مع التواريخ المُثقلة المحفورة في الذاكرة والمخيال، والمعاشة يومياً بواسطة النصوص المقدسة (القرآن والحديث)، هذه المنطقة ليست ككل مناطق العالم، نظراً لما عرفته من تحولات ومحطات تاريخية كبرى، كلها تشكل منعطفاً في تاريخ هذه المنطقة، فيبدو تاريخ هذه المنطقة، كمسار لولبي، في كل منعطف في هذا المسار هو فاتحة لمنعطف أكثر تعقيداً، وأكثر تركيباً.
إذا حاولنا أن نستعرض بعض التواريخ الكوارثية التي مرت على العالم العربي منذ الحرب العالمية الأولى عام 1914 ـ 1918 وسقوط السلطنة العثمانية ثم الخلافة، وصولاً الى الربيع العربي عام 2011، يمكننا أن نستعرض بعض المحطات التاريخية الكبرى: سايكس بيكو 1916، وعد بلفور 1917، تقسيم المشرق العربي بين الوصاية البريطانية والفرنسية 1920، ثم نكبة فلسطين والنزوح عام 1948، الهزيمة الكبرى لجيوش ثلاثة دول عربية هي الأردن ومصر وسورية عام 1967، وأخيراً وليس آخراً كارثة احتلال النظام العراقي السابق للكويت عام 1990، والكوارث اللاحقة التي نتجت عن هذه الكارثة الكبرى الى يومنا هذا؛ ولا ننسى أيضاً الحادي عشر من أيلول 2001 والتي شكلت فاتحة قيامية للقرن الواحد والعشرين.
نحن أمام حالة تاريخية فريدة من نوعها، تحتاج مقاربة وقراءة خاصة تتميز بالتركيب، بالنظر الى التعقيد الشديد الذي يلف الوضع في المنطقة، والتي تستلزم أكثر من مدخل واحد للوصول للفهم، بل يجب مضاعفة المداخل ما أمكن للوصول الى قراءة وفهم وضع المنطقة اليوم في تاريخها المركب.
هذا الوضع التركيبي والمعقد يدفعنا الى التواضع المعرفي، والنظر الى مختلف التحليلات والمقاربات الفكرية والسياسية الأخرى بصورة منفتحة على النقاش والحوار والتواصل، والعمل الدؤوب للوصول الى بعض النقاط المشتركة، التي يمكنها أن تشكل الركيزة الأساسية لبناء برنامج الحد الأدنى، يكون بمثابة عقد اجتماعي جديد وقابل للتطوير المستمر على ضوء التغيرات التاريخية، وعلى ضوء تطور الوعي بالحرية والمسؤولية لدى الأفراد والتشكلات الاجتماعية والسياسية والدينية؛
إن المشاريع الإصلاحية والتغييرية مهما كانت أهميتها وقيمتها ليست ملكاً لأحد، بل هي تصبح ملكٌ للمجتمع بمجرد أن تقدم نفسها على أنها فاعلٌ تغييري في المجتمع وتصبو الى إصلاحه وتطويره، فهي قد خرجت من الدائرة الخاصة الى الدائرة العامة، وبالتالي، فالمجتمع وحده من يملك سلطة التقييم والتقويم والمسائلة والمحاسبة والمراجعة.
لقد ترسخ عند الناس أن النقد هو طريقة هدامة، وكلما أثيرت مفردة النقد إلا وتحيلنا الى الهدم أوالى الجانب السلبي أي النقض؛ في حين أن عملية النقد كما تبلورت في الدراسات الفلسفية، سواءٌ في المجال التداولي العربي الإسلامي أو في المجال التداولي الغربي، عملية النقد هي عملية استخلاص الأفكار الحية والكشف عن الأفكار الميتة؛ في حين أن المراجعة هي مؤشر على يقظة الوعي للتسديد والتقويم؛ فمن هذا المنطلق فعملية النقد تصب، في الحقيقة، في صالح كل التيارات في الفضاء الثقافي العربي لأن النقد يلعب دور المرآة التي تعيد لتلك التيارات صورتها كما تظهر في تمثلات الوعي الأخرى والمغايرة في صورتها الإيجابية والسلبية؛ وبالتالي، فإن عملية النقد والمراجعة، هو حق المجتمع الديموقراطي يمارسها كيف يشاء ومتى يشاء.
إن التيارات الإسلامية التي تعتبر الأكثر بروزاً منذ ما سمي بالنكسة عام 1967، لا يمكن إنكار أنها قوى اجتماعية وازنة، وهي ممتدة في الزمان والمكان، فهي ليست كما يعتقد البعض ظاهرة حداثوية حصرياً، بل إن تاريخ بدايتها الذي يعقب مباشرةً قرار إلغاء الخلافة عام 1924(1)، يشير الى امتداداتها الأيديولوجية الراسخة في التراث السياسي والفقهي والكلامي الإسلامي؛ أما امتداداتها المكانية، بمعنى ظهورها في كل البلدان ذات المجتمعات التي فيها أغلبية من المسلمين، وكذلك ظهورها في وسط الجاليات المسلمة في الغرب، إشارة الى مأزق وجودي لم نستطع الخروج من نتائجه منذ اللقاء مع الحضارة الأوروبية الجديدة، أي منذ حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798 ، والسؤال الذي لم يلقى جواباً شافياً الى يومنا هذا، أي سؤال: لماذا تأخرنا، ولماذا تقدم غيرنا؟
وإذا كنا كعرب ومسلمين في مركب الحداثة الغربية، التي مضى على انطلاقتها خمسة قرون، فالأمر قسراً، وليس خياراً واعياً ومشروعاً، أو لنقل لم يصبح بعد خياراً. في المقابل، لا يمكن أن نكون بالإكراه والقسر حداثيين فاعلين ومشاركين وفي صناعة منتوجات الحداثة مادياً وعلمياً وفلسفياً؛ أولاً، لأننا لا ننتج الحداثة بل نستهلكها سلعاً ورموزاً. ومن جملة ما نستهلكه منها، التنظير لها والقول فيها أو الكشف عن أحوالها وتحولاتها، أو نقدها، أو تجاوزها.
ربما آن الاوان لكي ننتقل من سؤال النهضة الشهير الذي مضى على صياغته حوالي القرن تقريباً: لماذا تأخرنا ولماذا تقدم غيرنا؟ الى طرح سؤالٍ جديد وهو: ما السر وراء اخفاقنا المزمن؟ هل لعقدة نفسية أصابت الانسان العربي فأصبح يرتضي بالشفقة وبوضعية الضحية الدائم، أي أصبح مازوشيا يستلذ لحالة الاخفاق والدونية. هل لدينا جينات ثقافية للتخلف تلاحقنا حتى في بلاد المهاجر المتقدمة فنحملها معنا مسببين لأهلها وناسها المتاعب والمشكلات.
أم أن الامر عائدٌ لنخبنا الدينية التي تدغدغ مشاعرنا وعواطفنا بخطاب "كنتم خير أمة، وبنيتم حضارة عظيمة بفضل الدين ونشرتم المعرفة والحكمة على العالم كله، بينما كانت أوروبا تنوء تحت ظلمات العصور الوسطى وأوحالها، وأن الغرب، لولا الارث العربي الاسلامي، لما نهض من كبوته وانحطاطه". أو أن اللائمة تقع على مثقفي هذه الامة الذين لم يتوقفوا عن نفخ الشعارات الكبيرة والرنانة في الحرية والتقدم والاشتراكية ومناهضة الامبريالية وهم أول من يخونونها.
أم أن التخلف هو اجتماع كل هذه الاسباب التي تنتهي بسد كل أفق للتغيير الجذري في عالم العرب المعاصر.


(1) إن قرار إلغاء الخلافة هو قرار سياسي وتاريخي؛ سياسياً من قبل الزعيم مصطفى كمال أتاتورك عام 1924، وتاريخياً لأن الخلافة العثمانية أدخلت المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية التي حكمتها السلطنة، الى مآزق أخلاقية واجتماعية كبرى دفعت الى نهاية صلاحيتها التاريخية، ودخولها في مرحلة الاضطرابات والانتفاضات المتكررة من طرف المحكومين وكذلك الصراعات المستمرة داخل دوائر السلطة والقرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان