الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قنابل أمريكا توقض القائد(*)..

محمد عبعوب

2018 / 11 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


المقال قديم لم ينشر .. يرجع الى عام 1986

العملية الأمريكية القرصنية الأخيرة ضد ليبيا والتي استهدفت مراكز محددة قالت عنها السلطات الأمريكية انها مراكز لإدارة الإرهاب و وتدريب الإرهابيين، تلك العملية كشفت لنا على الساحة الليبية حقائق كانت غائبة على صانعي القرار في هذا البلد، وأحدثت صدمة للسلطة لم تكن تتوقعها وهي تحلم انها تستند على قاعدة شعبية صلبة قادرة على ترجمة شعارات الزيف والمجملة التي ترددها الى أعمال وقت الشدة..
في هذا البلد الذي يتحكم فيه ويديره العقيد معمر القذافي عن طريق مجموعة من المنافقين والنفعيين و الوصوليين يسميهم " اللجان الثورية "، في هذا البلد اتسعت الهوة والثغرة بين القائد والشعب، فمنذ بداية عقد الثمانينات بدات تظهر للوجود هذه الثغرة التي كانت مختفية تحت غطاء دولارات نفط السبعينات..
القائد يحلم ويرفع الشعارات التي لا يمكن إلا ان نصفها بانها مثالية، ويصور له عقله وخياله انها سهلة التحقيق، والشعب منهمك في تحسين احواله المعيشية و اقتناء السيارات والدارات وما تنتجه التقنية الغربية ، ويجامل قائده بالهتافات الحماسية الجوفاء.. واستمرت هذه اللعبة بين القائد الحالم والشعب النهم الراكن الى الهدوء والاستسلام، استمرت لتوسّع الهوة بينهما، فالقائد مستمر في أحلامه دون ان يلتفت الى هذ الثغرة، والشعب مستمر في صبره وسكونه، وهو يحلم بأن تعود أيام رخاء السبعينات بأي طريقة كانت، المهم طريقة اللاعنف ..
كلما تعرض النظام لأزمة داخلية او خارجية ، تنهال على القائد الحالم برقيات التأييد من أعضاء اللجان الثورية المنافقين لتحول دون انتباهه الى الوضع الخطير الذي تسير نحوه البلاد، فيخرج القائد ليلقي خطابا حماسيا كله انعكاس لبرقيات التضليل ، تلمس فيه الضلال و الاغراق في احلام خيالية لخوض ثورة عالمية تتبع افكاره الممثلة في الكتاب الاخضر.. ويحلم هذا القائد الذي يمكن ان نسميه الضحية، يحلم بانه قائد قادم لتخليص العالم ، وان افكاره ستسود العالم ، وكانه لا يعلم ان دولارات النفط ورائحتها النفاذة هي التي استقطبت حوله مجموعة من تجار السياسة الذين وجدوا فيه مرتعا خصبا للثراء وتحقيق مآربهم الشخصية..
استمر هذا السيل او الدفق من الاحلام والذي يقابله على مستوى الشعب انتظار ممل ورتيب للقادم الذي سيخلصهم من هذا القائد الحالم ويعود بالبلاد الى الواقع، وتعود الحياة الباذخة التي تكرست في عقولهم التي لم يطلها البناء والتنمية وبقيت متكلسة ..
فجأة وبدون توقع جاءت امريكا من وراء المحيط الاطلسي لتضع حدا لهذا الحلم ، وتوقض القائد الغارق في احلامه وتنبهه الى حقييقة وضعه الذي حجبته عنه اللجان الثورية او تجاهله هو ولم يعره اهتماما .. في ساعة مبكرة من فجر الثلاثاء 15 ابريل الجاري تتسلل حولى 30 طائرة امريكية الى سماء طرابلس وبنغازي لتقصف بيت القذافي ومراكز حيوية اخرى ، وكأنها اتت لتقول له : استيقض أيها القائد من احلامك الوردية و عش واقعك كما هو.. واستطاعت هذ الطائرات بفضل التقنية الامريكية المتقدمة وبفعل الروتين العسكري المعقد الذي خلفته إجراءات امن القائد في ليبيا، استطاعت اجتياز غابات الصورايخ واجهزة الرادار الشرقية والغربية لتضرب وبكل دقة اهدافها المحددة في المدينتين وتعود الى قواعد انطلاقها..
- ماذا توقع القائد من الشعب؟؟
كان القائد يحلم بان الجماهير ستصمد وستطالب بالخروج لحمل السلاح، وان المدن ستتظاهر ضد امريكا العدو التقليدي للقذافي.. لكن الجماهير سفهت أحلامه وأظنُها كانت تنتظر بعد الغارة مباشرة نبأ وفاته واستيلاء رجل جديد على مقاليد الأمور.. لقد كانت تدور في خلد الموطن العادي أن امريكا ستخلصه من هذا النظام الذي حرمه من نعيم العيش والحياة الباذخة ونعمة النفط التي حولها القائد الى سلاح ومشاريع زراعية فاشلة او غير اقتصادية.. لقد فر سكان المدن وتركوا بيوتهم ومقتنياتهم، طالبين النجاة بأرواحهم تاركين طرابلس لتكون مسرحا للمعركة التي سينتهي فيها القائد المنبوذ.. لقد ذهبت هتافاتهم وشعاراتهم وبرقياتهم أدراج الرياح ، ولم يتجسد منها شعارا واحدا على الارض ، بل هناك من كان يرددها متهكما وهو يغادر المدينة لاجئا في المزارع والجبال، حالما بأن المنقذ قد جاء على أجنحة طائرات الـ 111 f ليخلصه من شبح القذافي المرعب!!
عندما التفت القائد لم يجد حوله من تلك الجماهير أحد! لقد بقي وحيدا، حتى بعض افراد حرسه الخاص هربوا طالبين النجاة، ولم تخرج تلك الجماهير لتهتف باسمه وتردد الشعارات الثورية المحببة الى قلبه وتشتم امريكا ورئيسها راعي البقر!! لقد بقي القائد وحيدا ، ولم يجد حوله سوى نفر قليل من حرسه الخاص ومستشاريه المقربين .. لقد خذلته الجماهير وتركته يواجه الموت وحيدا، وأظن انه كان يتوقع هذا الموقف، لكنه كان يحلم على الأقل بمظاهرة ضد امريكا.. الا ان الجماهير فضلت الترقب عن بعد وعدم المغامرة ، فالأمر اصبح حقيقة و واقعا ولم يعد كما كان من قبل هتافات و شعارات جوفاء..
لقد ارعب هذا الموقف القذافي و اسقط في يده وانتبه الى الهوة الخطيرة التي اصبحت تفصله عن الجماهير و وجد انه دخل مرحلة اللاعودة وان عليه ان يعول بكل جدية لضمان بقائه بعد ان تيقن من فقدانه لقاعدته الشعبية ، واصبح يبحث في كل مكان عن جهة تؤمن له بقائه على رأس السلطة، و اصبح مدفوعا للارتماء في أحضان الدب الروسي الاحمر الذي يعرف القذافي جيدا ان الدخول معه في حلف سهل، وان الخروج من ظله مستحيل، وانه لن يتوانى عن ابتلاعه عندما يخطئ ولو عن غير قصد في تنفيذ بنود التحالف التي ستكون قاسية وثقيلة على نفسه وستحرمه من تحقيق حلمه كقائد عالمي مرموق مثل لينين وماركس وعبدالناصر و لينكولن وديغول..

عشرة أطنان من القنابل هزت اركان نظام بذل قائده على مدى 16 عام من الجد والتعب و أنفق بلايين الدولارات في بنائه واحكام السيطرة على مقاليد الامور في البلاد!! تلك حقيقة خطيرة ومعطية مثيرة للرعب والحسرة .. لقد أفنى هذا النظام 16 عاما وبلايين الدولارات دون ان يبني جبهة داخلية قادرة على الصمود في وجه هجمة عسكرية لم تتعدى ساعات محدودة!! تلك فضيحة تارخية في وجه النظام ..
لقد كدس هذا النظام ملايين الاطنان من السلاح والعتاد، وبنى عشرات المصانع و آلاف الوحدات السكنية و مد الطرق واستصلح آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية ، لكنه لم يبذل ذرة من الجهد في بناء الانسان القادر على الحفاظ على هذه المكتسبات والمؤمن ليس بمبادئه ، بل على الاقل بان هذ الارض له و يجب الاّ يغادرها إلا وهو جثة هامدة.. إن المواطن في هذا البلد لم يفقد الثقة في قائده فقط ، بل فقد الثقة حتى في نفسه وفي مستقبله و اصبح تفكيره منحصرا في دائرة ذاته فقط وقد نمى هذا الشعور مع مرور الزمن وبفعل تقوقع النظام حول نفسه واستهتاره بالجماهير ونبذه لها، فزاد إغراق المواطن في الذاتية وفقد الشعور بالوطن، وغرق في السعي وراء المادة وكسب أسباب الحياة.. فالمواطن الذي تذوق طعم الرخاء خلال فترة السبعينات نسي او تناسى قسوة الحياة وشظفها في الستينات بل اصبح يتعوذ منها ولا يطيق مجرد الحديث عنها.. فلماذا يعود الى تلك الحياة وأرضه تحوي من النفط ما يغرق العالم؟!!
لقد مات الشعور بالوطن و بالحياة الواقعية لدى المواطن الليبي وأصبح بدون هوية وبلا هدف .. هدفه سيارة من آخر طراز ودارة حديثة وأثاث وأجهزة الكترونية وجواز سفر وطواف حول العالم ، و لتحقيق هذه الأحلام أصبح مستعدا لكل الاحتمالات حتى ولو ترك بيته و أرضه كما حدث عشية الغارة الأمريكية على طرابلس وبنغازي..
طرابلس 29/4/1986م
---------------------
هذا المقال التحليلي دونته مساء يوم 29 ابريل 1986م بعد أيام من العدوان الأمريكي على طرابلس وبنغازي، دونت فيه رؤيتي في تلك الفترة للخلفيات السياسية والاجتماعية لردود أفعال النظام و المواطن إزاء هذا العدوان، وذلك من خلال مهنتي كمحرر اخبار بوكالة الجماهيرية للأنباء. واحتفظت بالمقال لنفسي ضمن أوراق أخرى تحوي خواطر و أراء مختلفة لا تسمح الرقابة بنشرها، بل إن مجرد وقوعها في يد مخبري السلطة وقتها كان كفيلا بإلقائي في غياهب السجون..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن