الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انحدار الاقتصاد الاوروبي

جورج حداد

2018 / 11 / 23
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*


في اجواء "الحرب الباردة" الجديدة التي دشنتها اميركا، وعدم الاستقرار العالمي، يتابع الاقتصاد الاوروبي تراجعه. وقد سجل تباطؤ نموه في الثلاثة اشهر الثالثة من السنة الجارية. وتشير المعطيات الجديدة لمؤسسة الاحصاء الاوروبية "يوروستات" ان الناتج الداخلي القائم في منطقة اليورو قد نما بالكاد 0،2% على قاعدة الثلاثة اشهر و1،7% على القاعدة السنوية. اما النمو في الـ28 دولة الاعضاء في الاتحاد الاوروبي فقد بلغ 0،3% على قاعدة الثلاثة اشهر و1،9% على القاعدة السنوية. وهذا النمو الاقتصادي البطيء في منطقة اليورو هو الادنى منذ سنة 2014. وظهرت المعطيات المسبقة منذ شهر تشرين الاول، ولكن الان اصبح بالامكان رؤية الانهيار في بعض الدول.
ويبدو بشكل مؤثر وضع المانيا حيث يظهر انكماش في الناتج الداخلي القائم على قاعدة الثلاثة اشهر. وقد انكمش الناتج الداخلي القائم لالمانيا حتى 0،2% بالقياس الى الثلاثة اشهر السابقة وبلغ 1،2% على القاعدة السنوية، وهذا اقل من نسبة بريطانيا المهددة بـ"بريكسيت" (الخروج من الاتحاد الاوروبي).
ومثل هذه المؤشرات هي مقلقة، لانه منذ اقل من عام واحد، في الثلاثة اشهر الاخيرة من سنة 2017، كان نمو الاقتصاد الالماني 2،8% على القاعدة السنوية و0،5% على قاعدة الثلاثة اشهر. والمانيا هي الاقتصاد الاكبر في منطقة اليورو كما في مجمل الاتحاد الاوروبي. والانخفاض او الانكماش فيها سيكون له تأثيرات سلبية على الكتلة الاوروبية بمجملها. وآخر مرة كان قد انكمش فيها الاقتصاد الالماني على قاعدة الثلاثة اشهر كانت في الثلاثة اشهر الثانية لسنة 2014. واسباب انكماش الاقتصاد الالماني الان تعود الى مخاطر الحرب التجارية، وانخفاض استهلاكات الدولة، وتباطؤ الانتاج في صناعة السيارات.
اما في ايطاليا فهناك ركود على قاعدة الثلاثة اشهر ونمو طفيف بنسبة 0،8% على القاعدة السنوية. وتعاني البلاد مشكلات مع اللجنة الاوروبية بسبب خطط الحكومة الايطالية لان ترفع نسبة عجز الموازنة، كما ان روما لا تأخذ بالاعتبار التوصيات الصادرة عن بروكسل.
والاقتصاد الكبير الثاني في اوروبا هي فرنسا. وتشير معطياتها الى حدوث نمو لا يتجاوز 0،4% على قاعدة الثلاثة اشهر و1،5% على القاعدة السنوية. وفي المؤشر الثاني يبدو تأخر كبير، كما في المانيا. وللمقارنة، فإن نمو الاقتصاد الفرنسي في الثلاثة اشهر الاخيرة من السنة الماضية (2017) كان قد بلغ 2،8%. ومع ذلك يمكن اعتبار فرنسا احدى البقع المضيئة في الاقتصادات الاوروبية.
ان المحركات الاخرى للنمو تأتي من اوروبا الوسطى والشرقية. ويسجل النمو الاكبر في بولونيا حيث بلغ نسبة 5،7% على القاعدة السنوية. وتليها لاتفيا بنسبة 5،5%، ثم هنغاريا (المجر) بنسبة 5%، وسلوفاكيا بـ4،5% واخيرا رومانيا بـ4،1%. اما بلغاريا فلم يتجاوز النمو فيها نسبة 3% على القاعدة السنوية. اما نموها على قاعدة الثلاثة اشهر فبلغ 0،4%.
وقبل شهر فإن اللجنة الاوروبية (شبه الحكومة للاتحاد الاوروبي، ومقرها في بروكسل) نشرت توقعها الخريفي للنمو الاقتصادي. وحسب هذا التوقع فإن اقتصاد منطقة اليورو والاتحاد الاوروبي سيتباطأ في المدى المنظور. ويشير التوقع الى انخفاض النمو في منطقة اليورو من نسبة 2،4% سنة 2017 الى نسبة 1،9% في السنة القادمة و1،7% في سنة 2020. ومثل هذا التباطؤ سيحل في جميع الدول الـ27 التي ستبقى في الاتحاد الاوروبي بعد خروج بريطانيا. وتقول التوقعات لهذه الكتلة ان نمو الناتج الداخلي القائم لن يتجاوز 2،2% سنة 2018، و2% في السنة القادمة، و1،9% في سنة 2020.
وتفكر الحكومة الالمانية الان بتخفيض الضرائب بسبب التباطؤ الاقتصادي. وهذا ما يصر عليه وزير الاقتصاد الالماني بيتر ألتماير وهو ما صرح به للجريدة الالمانية Welt am Sonntag. وجاء تصريحه بعدما تأكد ان الناتج الداخلي القائم لالمانيا قد انخفض في الثلاثة اشهر الثالثة من السنة الجارية عن الاشهر الثلاثة التي سبقتها، وهو ما يحدث لاول مرة منذ سنة 2015. وترى وكالة الاحصاء الالمانية ان انخفاض الناتج الداخلي القائم لالمانيا انما يحدث بسبب هبوط التصدير، وهبوط انتاج السيارات، وBrexit (خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي) ومخاطر الحرب التجارية التي اعلنتها الولايات المتحدة الاميركية (ضد روسيا والصين وايران، كما ضد الدول والشركات التي لا تتقيد بالقرارات الاميركية لمقاطعة الدول "المغضوب عليها").
في النصف الاول من القرن الماضي رفع هتلر شعار "المانيا فوق الجميع". وامام تخاذل الحكومات الاوروبية حينذاك احتل النازيون بسهولة غالبية البلدان الاوروبية. وحين هاجم هتلر الاتحاد السوفياتي السابق (وقلبه روسيا) تحطمت النازية على صخرة المقاومة الروسية والسوفياتية، وتحررت اوروبا. ولولا روسيا لكانت اوروبا كلها لا تزال الى اليوم تعيش تحت الجزمة النازية. ولكان النازيون يستعبدون جميع رجال اوروبا وينهشون اعراض جميع نسائها.
واليوم يرفع ترامب الشعار النازي "اميركا اولا". ويتضح اكثر فأكثر ان الولايات المتحدة الاميركية هي المستفيد الاول والاكبر من التباطؤ المتواصل للاقتصاد الاوروبي بمجمله. والحكومات الاوروبية، في خنوعها ومسايرتها للسياسة الاميركية المعادية لروسيا (والصين وايران وغيرهما)، انما تخون شعوبها وتضرب مصالحها بعرض الحائط. والنهاية المنطقية لهذا المسار الانحداري لاوروبا هو تحويلها الى مستعمرة اميركية (انجلو ـ ساكسونية ـ ماسونية ـ يهودية). ولن ينقذ اوروبا سوى الانفتاح على روسيا.
ومرة اخرى، وبالوقائع والارقام، تتأكد المقولة القديمة "ان اوروبا مع روسيا هي كل شيء – ولكن اوروبا بدون روسيا هي لا شيء!".
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاضاءة على تهافت الرأسمالية العالمية
جورج حداد ( 2018 / 11 / 23 - 21:30 )
اتفق تماما مع التعليق الذي يشير الى نهب دول المتروبول للدول الاطرافية المفقرة والمنهوبة الى حد الجوع - ولكنه من واجبنا كجزء من اعداء الرأسمالية ان نضيء على تهافت النظام الرأسمالي بشكل عام - فالدول الرأسمالية المتقدمة تنهش بعضها بعضا وتعمل لنهب وحتى استعباد بعضها بعضا - وهذه هي طبيعة الراسمالية بشكل عام بصفته نظام معاد للانسانية جمعاء بما في ذلك شعوب البلدان الاوروبية والاميركية

اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس