الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القفزة الإيمانية لذوي السجلات الإجرامية

محمد الفقي
محمد الفقي (1970) كاتب عربي من مصر.

(Mohamed Elfeki)

2018 / 11 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك مشهد لافت في فيلم جاك أوديار (نبي، 2009) A Prophet (1). وهو مشهد مهم لأنه يؤدي إلى تحول في حبكة الفيلم. مالك (طاهر رحيم)؛ المجرم والقاتل، والذي يقضي عقوبة لست سنوات في السجن بسبب اعتدائه على رجل شرطة، يخرج من السجن في إجازة لمدة يوم واحد -وهو امتياز يمنح لبعض السجناء في السجون الفرنسية- لتمضية نهار بالخارج على أن يعود للسجن في المساء.
يستغل مالك يوم الحرية في السفر إلى مرسيليا ومقابلة زعيم مافيا مخدرات فرنسي من أصل جزائري اسمه إبراهيم الأطرش (سليمان دازي) لعقد صفقة مخدرات معه، لصالح زعيم عصابة مالك في السجن؛ اليميني المتطرف كاره المسلمين والأجانب سيزار (نيل آرستروب). ونحن نعرف أن الأطرش يكره سيزار وعصابته، ويُحمّلهم مسؤولية قتل أصدقائه المجرمين، بل ولديه شكوك قوية حول تورط مالك نفسه في قتل أحد أفراد عصابته داخل السجن. يقله إذن في سيارته، على أحد الطرق السريعة، ناوياً قتله في الطريق. يعترف مالك في السيارة أنه قام بالفعل بذبح صديق الأطرش في السجن، فيوجه الأطرش سلاحه إلى مالك موشكاً على إطلاق النار على رأسه.
في هذه اللحظة يشاهد مالك إشارة على الطريق السريع تنبه السائقين إلى وجود غزلان بالمنطقة. ويتذكر، في ومضة خاطفة، حلماً سبق أن حلم به؛ عبور غزالة للطريق فجأة. فيقول للأطرش، الذي يصوب سلاحه إلى رأسه، أنهم على وشك الاصطدام بغزالة. لماذا قال مالك ذلك؟ لا نعلم. قد يكون حدس، أو حيلة أخيرة للمناورة وكسب لحظة إضافية في الحياة. المهم أن السيارة في اللحظة التالية تصدم فعلاً غزالة وتقتلها. لكن الأكثر أهمية، في الحقيقة، هو رد فعل الأطرش نفسه على ما حدث؛ القاتل المحترف زعيم مافيا المخدرات العصبي والعنيف.
يبهت الأطرش وتتبدل نظرته فوراً لمالك. يطلق عليه لقب (النبي)، ولا يكتفي بمجرد العفو عنه –وهو قاتل صديقه-، بل ويتفق معه على التعاون في العمل الإجرامي المشترك في تجارة المخدرات، وفي التخلص من عصابة سيزار اليمينية المتطرفة.
استعداد الأطرش للإيمان بالأساطير والخرافات بهذه السهولة، بل وتغيير خططه ومجرى حياته بناءً على ذلك، قد يدهشنا. كما قد يدهشنا أيضاً ما نراه من سلوكيات شديدة المحافظة لذلك المجرم العتيد داخل أسرته، والتي لا تختلف كثيراًعن سلوكيات أي متشدد ديني. وربما اندهشنا أيضاً إذا علمنا، يوماً، أن الأطرش، أو أياً من أفراد عصابته، قد اقترف عملاً إرهابياً باسم الجهاد أو قتال الكفار. إن الأطرش لا يختلف كثيراً عن أميدي كوليبالي أو سعيد كواشي، أو غيرهما، في هذه القفزات الإيمانية المفاجئة السريعة، والتي يمكن أن تبدو لنا لأول وهلة كأنها مناقضة لسلوكهم الإجرامي المعروف.
إن حبكة الفيلم مبنية على وقائع وأحداث حقيقية شهدها كاتب السيناريو بنفسه داخل السجون الفرنسية. فالعدد الكبير من المجرمين المتدينين، والذين يتصرفون كعصبة تحمي وتساند بعضها البعض، هو واقع حقيقي داخل السجون الفرنسية. والعمل الإجرامي الذي يستمر في الداخل، في تجارة المخدرات، والاحتفاظ بأموالها لدى بعض شيوخ المساجد المتطرفين خارج السجن، وتجنيد المتطرفين، وقتل الخصوم، كل ذلك أيضاً هو واقع حقيقي داخل جدران السجون الفرنسية. كان، ومايزال مستمراً إلى اليوم.

القفزة الإيمانية للأشقياء والمجرمين
نلحظ، من الخبرة والتجربة المشتركة، أن عدداً كبيراً من المجرمين، صغارهم وكبارهم، غالباً ما يحملون بداخلهم بذور تزمت ديني قابلة للنمو إن هي وجدت التربة الملائمة. وبإمكاننا أن نعثر على وصف ممتاز لتلك الحالة في أدب دوستويفسكي. على سبيل المثال، في روايته (ذكريات من منزل الأموات، 1861). ونستطيع أيضاً الاستعانة بالعرض الشيق الذي قدمه فرويد لحالة المجتمع البدائي (2)، لتفسير هذا التناقض بين الخروج عن القانون، وأشد صور التطرف الديني فجاجة. فربما نفهم تلك القفزة التي نلاحظها كثيراً في تحول المجرمين الجنائيين إلى إرهابيين "جهاديين"، ينفذون عمليات جهادية وانتحارية باسم الدين.
أب عنيف غيور، يحتفظ لنفسه بالإناث جميعاً، ويطرد أبناءه الذكور متى ما شبوا عن الطوق للاحتفاظ بالإناث لنفسه. وذات يوم، يجتمع الإخوة المطرودون ويقتلوا الأب ويأكلوه، ظناً منهم بأنهم بفعل الأكل والامتصاص سيستحوذ كل منهم على جزء من قوة الأب.
إن القتلة هنا، وهم أبشع أنواع القتلة لأنهم قتلة أبيهم، لم يقترفوا جريمتهم لأسباب عقائدية أو أيديولوجية، أو لخلافات فكرية مع الأب، أو مع طريقته في سياسة أمور العشيرة. إنهم يقترفون جريمتهم لأسباب مادية بحتة؛ لإشباع الغرائز والتمتع باللذات المحرومين منها.
بعد فعل القتل والالتهام، تعتمل في العصابة الأخوية التي شقت عصا الطاعة، مشاعر متضاربة متناقضة، هي التي تكوِّن في ما بعد العقدة الأبوية لدى الأطفال ومرض العُصاب: كراهية الأب الذي يعترض سبيلهم إلى إشباع اللذات ومتطلبات القوة، من ناحية. مع الاستمرار في حبه والإعجاب بقوته، من ناحية ثانية.
وبعد أن يقضى الأبناء على الأب، ويرووا غليل حقدهم، ويتحقق لهم الإشباع، تبدأ تصدر عنهم علامات وجدانية عن محبة مسرفة تجاهه، تظهر في صورة ندم وتوبة، وشعور بالذنب. يصبح الميت في موته أقوى مما كان في حياته. وما كان محرماً على الأبناء في وجود الأب، يحرص الأبناء الآن على تحريمه على أنفسهم بأنفسهم. فيفرضون على أنفسهم، وعلى غيرهم في العشيرة، "طاعة مرجأة" للأب- القتيل، ويتزمتون فيها، حتى يكرهوا النساء اللائي قتلوا الأب من أجلهن، ويحرموا إقامة علاقات جنسية معهن. ظناً منهم بأنهم بهذا المسلك يعربون عن ندمهم وتوبتهم، ويخففون من غلواء شعورهم بالذنب، ويصلون إلى تصالح وغفران من الأب، الذي سبق أن أهانوه وقتلوه وأكلوه، عن طريق الطاعة المرجأة؛ أي الطاعة المتزمتة اللاحقة على ارتكاب الجريمة. إن الكتب الدينية وسير الصالحين ُتعَلمنا أن الخاطئات غالباً ما يصبحن أكثر تزمتاً دينياً من باقي النساء.
من اللافت أيضاً، أن فرويد يستشهد بنتيجة لبحث لروبرتسون سميث (ديانة الساميين، 1907)، ليؤكد أن هذا الشعور بالذنب لدى الإخوة سيستمر، حتى مع الغلو والتزمت في التحريمات، ولن يجد سبيلاً إلى تسكينه، إلا في وليمة طوطمية جديدة، يشارك فيها الإخوة جميعاً؛ يذبحون فيها حيوان (أو إنسان)، ويشاركون جميعاً في التهامه نيئاً؛ بلحمه وعظمه ودمائه، على اعتبار أن ذلك يؤدى إلى رضا الإله.
إن كراهية الأب (ويمكن أن نعتبره في حالتنا: القانون، والمجتمع)، التي حفزت الأبناء على قتله (وارتكاب الجرائم)، تتحول ليحل محلها الحب والطاعة العمياء المطلقة (أي الطاعة المرجأة) لما يتصور المجرم أنه تعاليم الأب المقدس المتعالي، ثم يأخذ في تطبيقها على نفسه، ويفرضها على باقي العشيرة من حوله، بل وينزل العقاب القاسي على كل مخالف لها، وعلى نحو متزمت متعسف، حتى أنه يقوم، أخيراً، بصنع صنم للأب-القتيل، كما يتصوره ذهنه، فيعبده، ويجبر الآخرين على عبادته. وسيرفع بعض أفراد العشيرة، ممن يظن أنهم يملكون بعض مزايا الأب القتيل، إلى مقام الآلهة؛ كهنة تجب لهم السمع والطاعة العمياء، في المنشط والمكره.

من مجرم يحترم القانون، إلى إرهابي ينكر القانون
قد نستغرب من حقيقة اجتماعية تبدو في نظرنا شاذة للوهلة الأولى: إن اللص، وهو يقوم باقتراف جريمته، يحمل في أعماقه احتراماً للقانون. إنه ليس ثائراً يرغب في تغيير القانون حتى يصبح العالم أكثر عدلاً. لا. إنه فقط يتطلع إلى أن يكون "استثناءً" من تطبيق القانون القائم فعلاً، ولفترة قصيرة، هي فترة ارتكابه لسرقته. ما يؤكد هذه الحقيقة الاجتماعية الغريبة هو أن اللصوص دائماً ما يتوقعون من القانون أن يحمي ممتلكاتهم التي سبق أن سرقوها من غيرهم. إن بونزي، أو مادوف، أو أشرف السعد، أو الريان (3)، لابد وأنهم شعروا بالظلم حين امتدت يد القانون إلى أموالهم وممتلكاتهم.
فالمجرم يعترف بالصلاحية النظرية للقانون، لأنه يعيش داخل المجتمع، الذي سن هذه القوانين، والذي يجبر الجميع على الخضوع لها إن أرادوا الحياة ضمن الجماعة. فهو يولد في الجماعة التي لها قوانينها المرسومة سلفاً، وعليه القبول بها منذ البداية، لأن ليس ثمة طريقة أخرى للحياة في الجماعة. إن كل ما يطمح إليه هو أن تغفل عنه عينا القانون قليلاً، أن يصبح استثناءً للحظات. فهو لا ينكر القانون انطلاقاً من موقف مبدئي أو أيديولوجي، ولذلك فإن موقفه أمام القانون، عندما يتم إلقاء القبض عليه، هو موقف "العاصي"؛ الذي يجب أن يخضع للتأديب، وليس موقف "الخارج عن المجتمع". على الأقل ليس بعد، حتى يدخل السجن؛ محملاً بالشعور بالذنب والتبكيتات الوسواسية للضمير، فيقابل أحد شيوخ الإرهاب، أو أحد مريديهم، ممن سيقنعونه بنبذ المثل الأعلى الدوني (القانون البشري)، لصالح مثل أعلى أرفع إلهي؛ والانضمام إلى الركب المقدس للخروج عن المجتمع، من أجل إرضاء الرب، والذي سبق للمجرم نفسه (كما في تفسير فرويد لعقدة الذنب) أن نبذه وجحده واعتدى عليه. سيصنعون إذن صنماً يعبدونه، ويسفكون الدماء من أجل فرض عبادته على العالم كله.

من العنف الصغير إلى العنف الكبير
إن أوجه التشابه بين السير الذاتية، لمن راجعنا سيرهم من الإرهابيين، تثير الدهشة. فلديهم تاريخ ممتد من الشقاوة، والعنف، والإجرام، في فترتي الطفولة والمراهقة. الأخوان شريف وسعيد كواشي، مثلاً، منفذي عملية شارلي إبدو. وأميدي كوليبالي؛ منفذ عملية المتجر اليهودي في فرنسا. وأبو مصعب الزرقاوي؛ الذي خرجت من عباءته داعش. وحسن عبد الحافظ ومحمود سعيد زينهم؛ عضوا التنظيم الخاص للإخوان المسلمين، اللذين اغتالا القاضي الخازندار عام 1948 في مصر. ومنفذو العمليات الإرهابية الأخيرة في مانشستر، ولندن، ونيس، وباريس، وبرلين، ورفح، والعريش، وكنائس الاسكندرية وطنطا ..إلخ.
جميعهم من ذوي السوابق. ولهم سجل إجرامي حافل لدى الشرطة: اعتداءات بدنية، سرقة، قوادة، تجارة سلاح، تجارة مخدرات، اعتداءات جنسية على الأطفال والقصَّر ..إلخ. ويصادف أن يدخل أحدهم السجن، لقضاء فترة عقوبته، فيقابل في الداخل الإرهابي "الجهادي" الذي سيهديه إلى "الصواب"، والذي سيجنده لصالح المشروع الإجرامي الكبير بدلاً من المشروع الإجرامي الصغير.
من باب ضرب الأمثلة، أبو مصعب الزرقاوي (أحمد فاضل الخلايلة)؛ زعيم تنظيم (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين)، والذي خرج منه تنظيم (داعش) في ما بعد، وأثناء تمضيته لفترة عقوبة في أحد السجون الأردنية (في الفترة: 1996-1999)، لأعمال إجرامية اقترفها، التقى بأبي محمد المقدسي، الذي جنده لصالح "الجهاد الإسلامي ضد الكفار"، قبل أن يُطلق سراح الجميع، في عفو ملكي، بمناسبة تولي الملك عبد الله الثاني الحكم في الأردن.
وشريف كواشي، الذي كان يحلم بأن يصبح مغني راب، وكان يلاحق الفتيات في ضواحي باريس، وصاحب السجل الإجرامي، الذي يشمل بيع المخدرات، والسرقة. دخل السجن، هو أيضاً، لتمضية فترة عقوبة، عن إحدى جرائمه، فقابل بالداخل الإرهابي فريد بنيتو، عام 2008، الذي جنده، ثم اشتركا سوياً، عقب عفو السلطات الفرنسية عنهما قبل استكمال عقوبتهما، في عملية تهريب الإرهابي إسماعيل علي بلقاسم من السجن؛ مهندس عملية الهجوم على مترو باريس في 1995.
وأخوه، سعيد كواشي، الذي كان يحلم بأن يصبح نجماً في عالم كرة القدم. يفشل في الحصول على عقد احترافي مع أحد أندية فرنسا الكبرى، فيتورط في بعض جرائم السرقة والمخدرات، ثم يهرب من الشرطة إلى الأردن، ومنها إلى اليمن، حيث يلتقي بالإرهابي أنور العولقي، الذي يجنده لصالح (قاعدة العراق).
وأميد كوليبالي، صاحب سجل السطو المسلح، والإتجار بالمخدرات، يدخل السجن، فيلتقي بشريف كواشي؛ الذي أصبح متطرفاً الآن بالفعل (عام 2009)، فيجنده شريف للمشاركة في مخطط تهريب الإرهابي إسماعيل بلقاسم.
ومحمود سعيد زينهم، الطالب في التعليم الصناعي، والذي ترك المدرسة لتكرار رسوبه، ولاعب المصارعة العنيف، المشاكس صاحب المشاكل، يلتقي بعبد الرحمن السندي؛ زعيم التنظيم الخاص للإخوان المسلمين في مصر، في الأربعينيات من القرن الماضي، فيجنده لصالح "الجهاد والدعوة"، وما يلبث أن يطلق الرصاص في 22 مارس 1948 على القاضي أحمد الخازندار، بالاشتراك مع حسن عبد الحافظ، السكرتير الخاص لحسن البنا شخصياً.

تحريف النص
في فيلم المخرج الأمريكي كوينتن تارانتينو (حكايات مثيرة، 1994) Pulp Fiction، يتباهى المجرم جولز (صامويل جاكسون) مرتين في الفيلم، لا مرة واحدة، بأنه يحفظ عن ظهر قلب آية بعينها من الكتاب المقدس، العهد القديم تحديداً، ويقول بأنها الآية رقم 17، من أصحاح 25، من سفر حزقيال. ثم ينطق بها بكل قوة وفخر وحماس أمام خصومه، مردداً: "إنها مناسبة لهذا الموقف!"
إن نص الآية كما ينطقه جولز هو التالي:
"طريق الإنسان المستقيم محفوف من جميع الجهات بجور الأنانية واستبداد الرجال الأشرار. مبارك هو، الذي باسم الإحسان، والنية الطيبة، يرعى الضعيف السائر في وادي الظلمات. لأنه هو الحامي لأخيه بصدق، والمعين للأطفال الضائعين. وسأنزل عليكم انتقامي الساحق، وغضبي العارم، يا من تسعون لإفساد وتدمير إخوتي، وستعلمون أن اسمي هو الله، عندما أصب عليكم نقمتي."
إن هذه الآية لا وجود لها في سفر حزقيال، ولا في أي مكان، لا بالعهد القديم، ولا الجديد (4). إن الآية رقم 17، أصحاح 25، من سفر حزقيال، ُتقرأ نصاً كالتالي:
"وُأجري عليهم نقماتٍ عظيمة بتأديبِ سخطٍ فيعلمون أني أنا الرب إذ أجعل نقمتي عليهم."
إن تحريف المجرم جولز للنص الديني هنا، يثير لدينا مجموعة من التأملات.
فإذا كان جوهر رسالة الأديان بشكل عام يتناقض مع الدعوة إلى القتل أو الاعتداء على الإنسان، فضلاً عن أنه يمنع انتشارها، فيستحيل، إن هي دعت إلى قتل الإنسان للإنسان، أن تجد معتنقين لها أو أتباعاً، فإن التوظيف السياسي والاقتصادي للدين هو الذي يخلق دعاوى القتل والإرهاب والترويع.
المسيحية التي هي عند أبنائها دين التسامح والغفران والمحبة وإدارة الخد الأيسر للمُسيء، حين استغلها الملوك والكنيسة الأوروبية سياسياً واقتصادياً أنتجت محاكم التفتيش في الغرب، والحروب الصليبية في الشرق، وكله باسم الصليب والمسيح، الذي ارتكبت باسمه المذابح وسُفكت الدماء. والبيوريتانيون من المهاجرين المسيحيين الأوائل لأمريكا استعملوا الدين كمبرر للعنصرية والاستعباد، وتبرير إبادة السكان الأصليين من الهنود الحمر. وأنتج نفس الاستغلال السياسي لقادة اليهود؛ الصهيونية من الديانة اليهودية، لتبرير العنصرية، واحتلال فلسطين، وقتل العرب. حتى أن الديانات الهندية المشهورة بالسلام وتحريم الاعتداء على الإنسان والحيوان والحشرات، أنتج الاستغلال السياسي لها الحروب الدموية بين الهندوس والسيخ. وقد رأينا أيضاً كيف يستغل المحافظون الجدد في أمريكا الدين من أجل بسط النفوذ السياسي والاقتصادي الأمريكي على العالم أجمع. ومن قبلهم كيف استعمل الإخوان المسلمون الدين من أجل الوصول إلى السلطة في مصر والبلدان العربية. لا يتعدى الأمر إذن انتهازية دنيوية بالادعاء بتمثيل حكم الله في الأرض، للتسلط على الناس، ونهب ثرواتهم، وتأثيم المخالفين، وتكفير المعارضين، وخداع البسطاء.
ولذلك فإن من يستغل الدين في تحقيق مصالحه الدنيوية لابد له من الاستناد إما إلى تأويل فاسد للنصوص الدينية؛ بإبعادها عن مراميها الحقيقية، أو حتى اللجوء إلى تحريف النصوص ذاتها، أو على الأقل تحريف تفسيرات السلف لها.
يذكر محمد حافظ دياب (5)، نقلاً عن المؤرخ البريطاني إريك هوبز؛ أن الناظر إلى النصوص المعاصرة التي تحض على التطرف، سيجدها أقرب إلى توليد نسخة منتحلة مصطنعة بطريقة تركيبية، تظهر، مثلاً، في البعض من الطبعات الجديدة لكتب التراث الإسلامي؛ مثل (تفسير الجلالين)، و(تفسير الألوسي)، وكتب أخرى في علم التوحيد تحديداً، جرى الاعتداء على بعض من متونها، واستبدال ما فيها من آراء وتفسيرات ومفاهيم وسطية معتدلة، بأخرى متطرفة متشددة، على نحو يشوه تجلياتها الحقيقية، بما يوحي للقارئ العادي أن هذه الآراء المتطرفة قد قال بها السلف من كبار المشتغلين بالتراث، خاصة أن الطبعات الأولى من هذه الكتب كانت قد صدرت محققة عن الأزهر.
إن خطاب التطرف يسعى بكل ما في وسعه إلى تثبيت مرجعيته، بحيث تبدو أي محاولة للخروج عن هذه الدائرة، هي خروج عن السنة وتراث السلف الصالح. وهنا يؤكد محمد حافظ دياب على ضرورة التمييز بين الطبعات الأولى لكتب التراث في ترسيمتها الأولى، وبين ما آلت إليه هذه الكتب في الوقت الحاضر، التي ُتدس في متونها آراء وتفسيرات متطرفة.
إن النبي محمد حين واجه أهل مكة، أو الأمصار التي وجه بفتحها في ما بعد، كان إما في موقف الدفاع عن النفس، لا الهجوم، أو في موقف الدفاع عن "حرية اختيار" الفرد لما يعتنقه؛ حيث كان الحكام والملوك يجبرون رعاياهم على الإيمان بما يؤمنون به. لم يكن إذن الإسلام في ترسيمته الأولى في موقف فرض الإيمان على الغير بالقوة أو بالسيف. وإذا كنا اليوم في عالم تنفتح فيه كل سبل الدعوة لكافة الأديان، بلا أي قدرة لأي نظام أو حاكم على فرض اختيار معين على اتباعه أو رعاياه، يصبح، والحال كذلك، الجهاد المسلح لنشر الدعوة غير ذي صفة، لأنه كان يهدف إلى إزالة العوائق الهيكلية، أي تلك التي يفرضها الحكام، وتحول ضد حرية الاختيار. لكن الغلو والتطرف وفساد التأويل وانتهازيته، تدفع بالمتطرف "الجهادي" إلى انتقاء التأويل الذي يُحلل له القتل شرعاً، وسفك الدماء باسم "الجهاد".
إن الإسلام، على العكس، يُعلم أبناءه بأن الجهاد الأكبر هو الاجتهاد في الحياة، والسعي لطلب الرزق الحلال، وإصلاح النفس، والاجتهاد في طلب العلم. إن النبي محمد كان يقول بعد العودة من الحرب مع الكفار الذين كانوا يبادرونه بالقتال: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر". وهو القائل: "إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها صوم ولا صلاة، ولكن يكفرها السعي في طلب الرزق".
وإذا كان هناك جهاداً أكبر هو السعي بشرف في الحياة لكسب الرزق والعلم، وجهاداً أصغر هو الدفاع عن النفس والجماعة حين يهددها عدو خارجي يعتدي عليها، فإن هناك نوعاً ثالثاً يمكن أن نطلق عليه "الجهاد الزائف"؛ وهو ما لا يعرف الإرهابي المتطرف إلا غيره "جهاداً": تفجير المعارضين في الرأي، وذبح المخالفين في المذهب والعقيدة، وقتل الحائلين بينه وبين الوصول إلى السلطة. إنه يتلاعب بالمعنى الأعمق والأشمل والأرقى للجهاد، حتى يناسب نفسه الحقودة.
ولذلك، وكمظهر من مظاهر فساد التأويل وانتهازيته، نشهد في كثير من ممارسات جماعات الإرهاب الديني تأويل نفس الفعل مرتين على نحو متناقض، باستخدام أسانيد وآيات تبرر الفعل مرة بوصفه خيراً، وتجرمه مرة أخرى بوصفه شراً. ومن ذلك أيضاً تقديم الآيات والأسانيد على وجوب قتل المسلم للمسلم؛ كحال تنظيم (أجناد مصر) في سيناء، الذي خرج علينا بوجوب قتل أهل سيناء ممن لا يتعاونون معه، أو لا يوافقون على أفعاله الإرهابية، تحت دعوى "وجوب قتال الفئة الممتنعة". ومن قبل، خرج علينا محمد سرور (الإخواني السوري المقيم في السعودية) بمفهوم "الولاء والبراء"؛ الذي يقدم الذريعة لوجوب قتال أنظمة الحكم العربية، حتى تلك التي تطبق الشريعة، كالسعودية، بدعوى أنها تتعاون مع الغرب الكافر (6).

الجهاد الزائف
منذ (معالم في الطريق) لسيد قطب (7)، وتأويلاته لآيات "الحاكمية". ثم تأويلات محمد عبد السلام فرج لآيات القتال والسيف في كتيبه (الجهاد الفريضة الغائبة، الصادر عام 1980)؛ والذي أضحى مانيفستو كل الجماعات "الجهادية" في ما بعد، ونحن نشهد مغالطات فكرية، ولغوية، وفقهية، وفساد في تأويل النصوص الدينية.
فهدف سيد قطب، وعبد السلام فرج، في "إقامة الدولة الإسلامية"، قد حُدد له، فقط، وسيلة "السيف". يقول الأخير في (الفريضة الغائبة) (8): "إقامة الدولة الإسلامية بالقوة والحكم بما أنزل الله، وفرض شريعته بالسيف، ولا شيء سواه، لأن حكام المسلمين اليوم مرتدون، يحرم التعامل معهم، أو معاونتهم، لأن الدولة كافرة، ولا سبيل للخلاص منها إلا بالجهاد، والقتال كما أمر الله في القرآن. فالخروج على الحاكم وقتاله فرض على كل مسلم".
هناك مغالطات شنيعة في هذه التأويلات، وضحالة في الفهم، وفساد في الأهواء، وجهل باللغة واستعمالاتها والألفاظ ومعانيها. ولبيان مدى الانحرافات في تلك المفاهيم "الجهادية"، نشير سريعاً إلى الملاحظات التالية:

1- القاعدة في الإسلام هي السلام، والحرب هي الاستثناء. والحرب في الإسلام هي حرب دفاعية، وليست هجومية (9). ولا مسوغ للحرب في الإسلام إلا في حالتين:

أولاً- حالة الدفاع عن النفس. "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير" (الحج-2). "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم. ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (البقرة-190). وحتى في حالة الحرب الدفاعية، نهى النبي محمد عن قتل النساء والأطفال ورجال الدين (10).

وثانياً- حالة الدفاع عن حرية الاختيار الفردي، إذا ما وقف حاكم في وجه الدخول للإسلام، أو عذب من آمن به. "ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً" (النساء-75) (11).

2- أن الإسلام لم يجعل الإكراه وسيلة للدخول في الدين، بل الدعوة بالحسنى، والعقل وإعمال الفكر، والنظر في ملكوت السموات والأرض. "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونو مؤمنين. وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله" (يونس-99،100).

3- الحاكم، وحده، هو الذي من حقه أن يعلن الجهاد، وفقاً لتقديراته للأخطار، وليس لأي فرد آخر أن يعلن الجهاد، أو أن يقيم الحدود بنفسه (12).

4- عدم تطبيق الحاكم للشريعة لا يجعله مرتداً، ولا يخرجه من الإسلام إلى الكفر (الذي هو إنكار الله). هذا بفرض أن هناك حاكم عربي يمنع إقامة الشعائر والصلاة، ويرفض تطبيق أحكام المواريث..إلخ.
إن الحكم بما أنزل الله يشمل: العقيدة، والعبادات، والمعاملات. ولا توجد دولة عربية لا تحكم بما أنزل الله. وإن كان هناك بعض الجوانب، من وجهة النظر الشرعية، بها بعض الإهمال أو التقصير في تطبيقها، فإن ذلك لا يُعد كفراً (لأنه ليس إنكاراً لله، ولا لأوامره)، فالتقصير، أو الإهمال، أو الإرجاء، لا يخرج المسلم، حاكماً أو محكوماً، من الإسلام (13).

5- الكفر في اللغة معناه: الستر والتغطية. وتستخدم في الشرع بثلاث معان أخرى، بالإضافة إلى معنى إنكار وجود الله: الجحود، والعناد، والنفاق. وربما كان استخدامها بالمعنى الأول (أي إنكار الله؛ وهو ما يُخرج المسلم عن الإسلام) هو أقلها شيوعاً في تراث السلف. ومن المهم هنا التنبيه إلى أن ترك الفروض أو ارتكاب المعاصي، بما فيها الكبائر، لا يُخرج المسلم عن الإسلام، مادام لم يشرك بالله، أو ينكر وجوده.

6- تقسيم الإمام أبي حنيفة للعالم إلى" "دار إسلام"، و"دار كفر"؛ والذي أوَّله "الجهاديون" على أنه رخصة بالقتل وسفك الدماء باسم "الجهاد"، كان أبو حنيفة يقصد به نطاق "الأمان"، لا نطاق "الحرب" (14)، ولا "الجهاد"، ولا قتال الآخرين المختلفين في العقيدة أو المذهب. بمعنى أنه إذا شعر المسلم بأنه آمن، بوصفه مسلماً، فهي "دار إسلام". وإن لم يأمن على نفسه، فهي "دار كفر". وبهذا المعنى؛ فإن كل دول أوروبا، وأستراليا، وكندا، بل وأمريكا نفسها، لا يمكن اعتبارها "دار كفر"، مادام المسلم يأمن فيها على نفسه، بوصفه مسلماً. وللقارئ أن يقارن هذا المعنى، بتوصيف "الجهاديين" لمصر، وسوريا، واليمن، والعراق، وتونس، والجزائر، بأنها "دار كفر"، و"دار حرب". إن السعودية نفسها لم يستثنوها من "دار الحرب".

ذهنية الإرهابي
جماعات الإرهاب الدينية تتأسس في هيكليتها على بنى تطرف، واستعلاء، وعنف، وإيمان بامتلاك الحقيقة المطلقة، وهوس بالنقاء والاصطفاء، ولذلك فمن السهل إقناع أعضائها بتدمير أنفسهم والعالم، معتقدين أنهم بذلك يحققون خلاصهم الأبدي.
وذهنية الإرهابي هي ذهنية ماضوية، تعادي الحاضر، والعلم، وتنجذب للأسطورة والخرافة. وهي أحادية البعد ودوجمائية، لا تكتفي بالقناعة بامتلاك الحقيقة المطلقة، بل تصر على فرضها على كل العالم.
إن الدين في ذاته هو ضد استخدام العنف في مواجهة الآخرين المخالفين في العقيدة أو الرأي. ولكنه يتحول في ذهن المتطرف "الجهادي" إلى عقيدة استعلائية تؤمن بامتلاك الحقيقة المطلقة، ليس فقط في التأويل الديني، بل وتؤمن أيضاً بامتلاك الحقائق الأبدية في السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية..إلخ.
ولا يكتفي المتطرف الإرهابي بامتلاك هذه الذهنية المتعالية المهووسة بالإقصاء، بل ويتنطع مصراً على أن يؤمن الآخرين بما يؤمن هو به، متسلحاً بالعنف، الذي يصبح هو وسيلته الوحيدة لفرض تنطعه ذاك، ومصادرة الآخرين جميعاً؛ أبداناً، وأفكاراً، ومذاهباً، وأدياناً، وأنماط حياة.


***

هوامش
(1)- حصل الفيلم على السعفة الذهبية عام 2009، وأفضل فيلم أجنبي في أوسكار لنفس العام. والكثير من الجوائز الأخرى؛ منها جوائز سيزار، وبافتا، ومهرجان لندن. ومن المهم أن نذكر أن أحد أهم المشاركين في كتابة السيناريو هو عبد الرؤوف دافري، عن تجربة حقيقية معاشة داخل السجون الفرنسية في تلك الفترة.

(2)- سيجموند فرويد، الطوطم والحرام، ترجمة/ جورج طرابيشي، بيروت: دار الطليعة، 1997، ص184.

(3)- تشارلز بونزي (1882-1949) هو أكبر النصابين في التاريخ الأمريكي. وفي أدبيات الاقتصاد، يُطلق على أشهر استراتيجيات النصب في الاقتصادات الرأسمالية "خطة بونزي"؛ وتعني أن يغطي النصاب عمليات نصبه بأعمال خيرية واسعة النطاق. وهو ما كرره في ما بعد المحتال الأمريكي برنارد مادوف (1938، نيويورك) الذي سرق المليارات من الشعب الأمريكي، وهو يلعب لعبة الواهب الخيِّر، متبرعاً بالملايين لصالح أعمال الخير. وهو نفسه ما ستذوقه مصر في عقد الثمانينيات من القرن الماضي على يد "شركات توظيف الأموال الإسلامية"، التي كانت تتلقى أموال المودعين -ومعظمهم من الطبقة الوسطى المصرية-، الذين وثقوا في الشكل الديني والخيِّر الذي حرصت على الظهور به، مدعومة بدعاية مكثفة من شيوخ الدين الذين كان العامة يجلهم. ثم أخذت تلك الشركات في صرف أرباح وهمية من أموال المودعين أنفسهم. أدت تلك العملية إلى ضياع مدخرات الطبقة الوسطى المصرية، وإفقار الكثيرين منهم. من أشهر أصحاب تلك الشركات؛ أشرف السعد (1954، القاهرة)، وأحمد توفيق الريان (1956-2013)، وكان كلاهما من كبار تجار العملة في السوق السوداء في السبعينيات من القرن الماضي.

(4)- لا شيء مقدس لدى تارانتينو، لا النصوص الدينية، ولا التاريخ نفسه. إنه يتعمد، كمؤلف سينمائي، تحريف النص، كما يتعمد إحياء أوما ثيرمان، في الفيلم، إلى الحياة بعد أن تموت، وكما سيتعمد في ما بعد، في فيلم (أوغاد مغمورون، 2009) تزييف تاريخ الحرب العالمية الثانية؛ بقتل هتلر، وإنهاء الحرب بهذه الطريقة. ويبدو تارانتينو كما لو كان يطبق تعريف جون ترافولتا للمعجزة في فيلم (حكايات مثيرة)، حين يقول: "المعجزة هي أن يجعل الرب ما هو مستحيل ممكناً". إن تارانتينو يحاول أن يجعل المستحيل ممكناً في أفلامه. وقد وجدنا أن هذا التحريف للنص، الذي ورد على لسان جولز، مناسب في توضيح الملابسات التي تشوب التشوش الذهني لدى المجرمين، والانتهازية في اقتطاع نصوص أو تحريفها، بما يلائم ويدعم هذا التشوش الذهني، والذي يصاحب القفزات الإيمانية لذوي السجلات الإجرامية.

(5)- محمد حافظ دياب، الوهابية: تقاطعات العقيدة والأيديولوجيا، القاهرة: مجلة الثقافة الجديدة، العدد 289، أكتوبر 2014، ص21.

(6)- انتهازية الفكر الجهادي، ومغالاته، تتضح من محاولات تهجين أسانيد التطرف بأسانيد تطرف أخرى، لإنتاج مفاهيم "هجين" متطرفة أكثر مغالة وتشدداً. لقد استفحلت هذه المحاولات منذ السبعينيات من القرن الماضي، وبالتحديد، منذ محاولات التلفيق بين فكرة "الحاكمية" بتأويل سيد قطب، وأفكار السلفية الجهادية. فحاكمية قطب التي وجدت لها مبرراً انتهازياً في مجتمعات مثل مصر وسوريا والجزائر واليمن، واجهت مشكلة كبرى في السعودية التي تطبق فعلاً الشريعة الإسلامية. ولذلك سعى كوادر الإخوان المسلمين المقيمين في السعودية منذ السبعينيات أن يجدوا مبرراً "شرعيا" للخروج عن النظام، بدمج الحاكمية القطبية الإخوانية مع السلفية الجهادية، لإنتاج مفهوم "الولاء والبراء" (أو السلفية السرورية، نسبة لمحمد سرور) في مواجهة الحكم في السعودية: الولاء للجماعة فقط، والبراء من النظام الذي يساند ويدعم الغرب.

(7)- سيد قطب، معالم في الطريق، القاهرة: دار الشروق، 1980.

(8)- محمد عبد السلام فرج، الجهاد الفريضة الغائبة، القاهرة، د. ت، ص11.

(9)- السيد سابق، فقه السنة، المجلد الثاني، بيروت: دار الكتاب العربي، ط3، 1977، ص615.
وينبغي هنا التفرقة بين مفهوم الحرب في الإسلام؛ كتلك الحروب التي خاضها النبي محمد، وبين الحروب التي دخلها الحكام المسلمون بعد نشوء الدولة الإسلامية؛ والتي كانت حروباً سياسية توسعية، وليست حروباً دينية، حتى وإن رفعت شعار الدين أو نادت باسمه. إن وسيلة الحرب والغزو العسكري لاكتساب الأراضي كانت عبر التاريخ، وإلى عهد قريب، وسيلة شرعية من وسائل توسع الدول وزيادة مواردها، بل أهم تلك الوسائل على الإطلاق.

(10)- المرجع السابق، ص613.

(11)- المرجع السابق، ص614.

(12)- المرجع السابق، ص621. ويوضح السيد سابق أن الجهاد هو فرض كفاية، مثل إقامة الحدود، والذي هو من حق الحاكم وحده.

(13)- جاد الحق علي جاد الحق وعطية صقر، نقض الفريضة الغائبة، القاهرة: هدية مجلة الأزهر، عدد محرم 1414، يوليو 1993، ص83.
أحب أن أشير إلى أن هذا كتيب جامع مانع في الرد على كل دعاوى الجهاديين والتكفيريين. ُكتب وطبع في أوج الموجة الإرهابية التي ضربت مصر في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. ولم أقرأ حتى الآن أقوى منه في تجفيف هذا المنبع. ومما يؤكد عدم جدية القائمين على الأمور أنه لم يطبع ويوزع ويُدرَّس على نطاق واسع في مصر والوطن العربي، مما كان سيساهم في إنقاذ آلاف الأرواح التي أزهقت، والمليارات التي أنفقت على بيزنس مكافحة الإرهاب.

(14)- المرجع السابق، ص82.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح