الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران: جدل “الأموال القذرة” ينشر “الغسيل” في الخارج !

نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر

(Najah Mohammed Ali)

2018 / 11 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ربما هي العقوبات الأمريكية التي يرى الإيرانيون أنها لم تترجم عملياً حتى الآن، ما أخرجت الصراع الداخلي في إيران حول ما أصبح يعرف بـ”الأموال القذرة” إلى العلن، ما سمح لوزير الخارجية المبتسم على الدوام، بتجاوز كل اللياقات الدبلوماسية التي كان عليها في الداخل، بعبوره هذه المرة “الخطوط الحمر” التي وضعتها قوى تسمي نفسها بـ”الدولة العميقة”، في إشارات ظريف التي وصفت بأنها لم تكن “ظريفة” قدمت لأعداء الجمهورية الإسلامية في الخارج مادة خصبة لمهاجمة النظام واتهامه بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال، في وقت يفترض أن تعزز هذه العقوبات والإجماع الدولي على رفضها، من جبهة الداخل أكثر من أي وقت مضى لمواجهة تحديات الخارج.

فليس غريباً مثلاً أن يرفض مجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه اليمين الديني المتشدد في يوم إعلان الرئيس الأمريكي ترامب إعادة فرض العقوبات الأمريكية، بالتزامن مع إحياء ذكرى اقتحام السفارة الأمريكية في طهران، مشروع قانون انضمام إيران إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب “CFT” الذي قال إنه يتعارض مع أحكام الشرع والدستور ووصفه بأنه غير واضح، ولم يؤيده، بينما كان محمد جواد ظريف يدافع عن هذا القانون أمام البرلمان الذي صادق عليه بصعوبة رغم سيطرة حلفائه الأصوليين المعتدلين والإصلاحيين على الأغلبية فيه، وينقل لهم تحذيرات ليس فقط من الأوروبيين بل من الصين وروسيا عندما قال ظريف الشهر الماضي إن بلاده تواجه ضغوطاً حتى من أقرب حلفائها (الصين وروسيا) للانضمام إلى اتفاقية “فاتف”.

ودخل القضاء الإيراني الخاضع لسيطرة المتشددين على خط الجدل حول تصريحات ظريف عن دور “قوى نافذة” في تفشي “غسل الأموال” بالبلاد. ودعا المتحدث باسمه غلام حسين محسني أجئي، وزير الخارجية إلى تقديم مستندات وتوضيح بشأن تفشي غسل الأموال في البلاد.

وبدا واضحاً أن الجناح المتشدد الرافض للاتفاق النووي مع المجموعة السداسية 5+1 حتى قبل انسحاب الولايات المتحدة منه، يستثمر هذه التصريحات لشن حملة تسقيط دعائية قوية لا تستهدف ظريف وحده بل حكومة الرئيس حسن روحاني وهي حملة قادها هذا الجناح منذ ست سنوات، برعاية المتشدد آية الله محمد تقي مصباح يزدي، وكان لافتاً قبل ساعات من حضور وزير الخارجية إلى مقر البرلمان لبحث الانتقادات والخلافات حول قانون “مكافحة تمويل الإرهاب” الذي تطالب الحكومة بتمريره بعد رفضه من قبل مجلس صيانة الدستور، هو لقاء نائب رئيس القضاء المتحدث باسم السلطة القضائية غلام حسين محسني أجئي أعضاءَ كتلة “الولاية” التي تعد المظلة الأساسية للمحافظين المتشددين في البرلمان.

القوى الخفية النافذة

ولم يوضح ظريف ماذا يقصد تحديداً بـ”القوى النافذة” لكن هوية خصومه الغاضبين هم من كشفوا من دون أن يقصدوا، أن المقصود هم أقطاب نافذون في “الأجهزة الأمنية الموازية” للحكومة كالحرس الثوري الذي أخذ دوره في التجارة والاقتصاد يبرز أكثر منذ نحو عقدين من الزمن تحت يافطة مواجهة العقوبات، والذي سبب الكثير من المشاكل لمختلف القطاعات الاقتصادية في الحكومة الإيرانية بتدخلاته التي أوجدت نوعاً من عدم الانضباط بسبب الالتفاف على القوانين تارة والضغط على السلطة التشريعية في سن قوانين تسهل عليه التهرب من المساءلة القانونية أو يستثنيه ويعفيه من بعض تلك القوانين بدافع أمني تارة أخرى. وهذا كان السبب وراء نشوب خلافات عدة مع الحكومات المنتخبة السابقة كحكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وطبعاً حكومة الرئيس حسن روحاني الحالية. والمثير جداً هو أن أحمدي نجاد الذي كان يحظى بدعم كبير من تلك الأجهزة كان يشكو من “القطاع الاقتصادي” في الحرس الثوري وقد وصفهم بأسلوب ساخر بـ “الإخوة المهربون” ما يعكس تأثير تلك القوى على الاقتصاد الإيراني.

وتنسب بعض التجاوزات كغسيل الأموال والإتجار بالمخدرات وتسهيل استيراد المشروبات الكحولية للبلاد بالإضافة إلى احتكار صناعة التبغ واستيراد السجائر بشكلها القانوني، إلى هذه “القوى النافذة” داخل الحرس الثوري والشرطة والذي يدر عليها أموالاً طائلة، الأمر الذي يتيح لهذه الأجهزة بما لديها من نفوذ، التهرب من المساءلة القانونية، ويوقع الحكومة في إرباكات عندما يتداخل ذلك مع عمل مختلف القطاعات الاقتصادية.

وتتحدث التقارير والتكهنات التي يتم تسريبها بين الحين والآخر في وسائل الإعلام المقربة من الحكومة أن حجم الأموال التي تدرها البضائع المهربة تحت غطاء تلك “القوى النافذة” داخل الأجهزة الأمنية يتراوح ما بين 15 إلى 25 مليار دولار سنوياً، وهذا الرقم يفوق بكثير الميزانية السنوية المخصصة للإعمار في البلاد.

وبغض النظر عن توجه الحكومات المتعاقبة خلال العقدين الماضيين سواء كانت إصلاحية أو أصولية، فإن تلك الحكومات سعت مراراً للتصدي لهذه الظاهرة غير القانونية والضغط على الأجهزة القضائية والتشريعية لمساءلة الأجهزة الأمنية كالحرس الثوري، إلا أن تلك الحكومات لم تجد آذاناً صاغية بحجة أن البلاد تواجه عقوبات دولية وأمريكية، وأن التطرق لهذه القضية قد يضعف الجبهة الداخلية.

فعلى سبيل المثال تحدث وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي عن دخول ما وصفها بـ”الأموال القذرة” في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي كان منشؤها الإتجار بالمخدرات والبضائع المهربة التي تدمر الاقتصاد الإيراني، “ولا تخضع لأي رقابة قانونية” حسب قوله.

وفي هذا الواقع يمكن تفسير صعوبة تمرير قانون مكافحة غسيل الأموال في البرلمان الذي واجه مقاومة شديدة من أنصار التيار الأصولي المتشدد ومؤيدي تلك “القوى النافذة” في الحرس الثوري بحيث حاولا منع التصويت على هذا القانون سواء في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، مجلس صيانة الدستور، ونجحوا في ذلك بعدم تمريره حتى الآن. وقد أشار وزير الخارجية محمد جواد ظريف بوضوح إلى ذلك بقوله إن جهات نافذة تدخلت في منع تمرير هذا القانون كونها المتضرر الأكبر إذا تم إقراره.

ويتزامن النقاش الداخلي مع سعي الحكومة للحصول على خطوات أوروبية عملية تضمن التجارة مع إيران بعدما أعلنت “شبكة المال الدولية (سويفت)” قطع علاقاتها مع البنوك الإيرانية بالتزامن مع بدء العقوبات الأمريكية على البنك المركزي الإيراني في 5 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، بعد يوم فقط من رفض مجلس صيانة الدستور تمرير قانون مكافحة غسيل الأموال!
"القدس العربي"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة