الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
غسق أزرق
دلور ميقري
2018 / 11 / 26الادب والفن
" طق، طق، طق.. "، يتواصل الطرق في سمعي مع وقع الخطى على سقفي.
كانت ساعة الغسق، لونه الأزرق القاتم يُغرق رويداً نصاعة طبقة الجليد، المتقمصة شكل الأرض. وإنها ساعة المطبخ، اعتاد فيها على الاستمتاع بتحضير أحدى الوجبات كي أتناولها مع رشفات من النبيذ الأحمر. ولكن علي أن أنسى الوجبة والنبيذ، أن أتغذى في المقابل بالمرارة.. والحقد. أجل، هذا شعور ليس بالجديد علي ولطالما اشتعل في آناء الليل والنهار بفعل حطبٍ مجانيّ. وإنه بالمجان أيضاً، الماء البارد المتدفق دائماً من صنابير ثلاثة، علاوة على الدُش، مسهماً في حفلة الإزعاج والنكد. معذبتي، كانت تتراءى لي خِلَل طبقة السقف شبه الزجاجية، متقافزة ومعولة ـ كأنثى الضبع، وهيَ تُطلق خفخفةً مرعبة في كل مرة تتهيأ فيها للانقضاض على فريسة اصطادتها وحوش أخرى، منافسة.
أتنقل بدوري من حجرة إلى أخرى، حاملاً جهاز التنضيد الإلكتروني، علّني أحظى بفرصة للكتابة. إلا أنّ الضبع، بما تملكه من خبث لا يُضارع، كانت تحبط كل حيلي. فيمضي الغسق بأثر الأصيل، ويحل الليل ثم الفجر. لا طعام، لا كتابة، لا نوم.. لا شيء سوى: " طق، طق، طق! ".
صمتٌ مفاجئ. لا أعرف كم الساعة. أي حركة، قد توقظ الضبع. ولكن لا، إنها لا تنام أبداً. كأنها روح طوطم أسلافها الأفارقة، المنحني على الرعية المنهكة جوعاً وعطشاً. إلا أن الماء مجانٌ في بلد الفايكنغ، وفي الوسع إهداره ليلاً نهاراً لغاية وحيدة، مَوْصوفة آنفاً.. طق، طق، طق!
أصعد إليها، أخيراً. أو بالأصح، أجدني فجأة أمام باب كهف الضبع. كيفَ حلّ الغسق الأزرق، مجدداً؟ بدا أنني كنتُ أهوّم قبلاً، بحيث تهيأ لي تقلّب الليل والنهار. لا بأس، الغسق ساعة مناسبة للضربة القاضية. ضجة الأولاد في الدور الأسفل، فضلاً عن فكرة انشغال ذويهم بشؤون الطبخ بعد العودة من العمل، كلّ ذلك حفزني على التحرك. وها أنذا أمام باب الشقة، أقف متردداً خائفاً. خطوة أخرى، يمكن أن تقرر مستقبلي كله. وبينما كنت أختنق بهذه الفكرة، إذا بي أباغت بكون الباب موارباً. أدفعه بطرف العصا الغليظة، المنتزعة من مكانها في الحمّام، ثم أخطو إلى الداخل وكان مشمولاً بالعتمة وكأنما هو فعلاً كهفٌ من الكهوف. آه، وهذه هيَ الضبع أيضاً! لم أميّزها في الظلمة، بل إنه صوت خفخفتها المرعب، المنذر، مَن أعلمني بوجودها. وما لبثت شمعةٌ، ذات ساق طويل، أن أضيئت في عمق المكان كي تؤكد ظنّي: كانت جالسة بوضعية التأهب للوثوب، مكتسية بثوب على شكل الجلد المرقط، شعرها المجعد منتصب كما يرى المرء في لوحات تصور الساحرات. لوحت العصا بوجهها، دونما أن يفارقني التردد من اقتراف العمل المطلوب. وكان ردها، إمساك جذر شجرة ضخم وقذفي به دونَ تصويبٍ. في اللحظة التالية، وبينما استقر الجذع خلفي بلا أيّ ضرر، اندفعت على غرة بضع هررة صغيرة من خلف الكائن المشوه الشبيه بالضبع. وعبرَ بابٍ ما، بان لعينيّ فجأة، ما عتمَ أن تسلل حيوان أكبر حجماً كان من الصعب التيقن بأنه أم أولئك الهررة. تراجعت رويداً، إلى أن مست يدي جذع الشجرة، فتناولته بلمحة ثم قذفته بكل قوتي فوق رأس راعية القطيع الشيطانيّ: " ستخرج هذه الحيوانات ورائي، وترعب الأطفال المشغولين تحت بألعابهم. فيشتكي أهاليهم على قرين الشيطان! "، كذلك فكرت فيما كنت أولي الأدبار من المكان المنحوس.
صراخ أولئك الأطفال، المتصاعد إلى موقفي وراء باب شقتي، زلزل كياني فجعلني أرتجف بارتياع. فأن فكرة أخرى، سقطت لحظتئذٍ على أم رأسي: " قد يكون فرغلاً، ذلك الحيوان المعتقد أنه أم الهررة؟ ". بقيَ الصراخُ يدوي في رأسي، بينما أزرق الغسق يتحول إلى عتمة شاملة تغرق كل شيء من حولي، وفيما الخطى المرعبة تهز السقف: " طق، طق، طق! ".
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. معالم ولاية واشنطن.. إلهام لكثير من الفنانين
.. هكذا وصف أسامة الرحباني التطور الموسيقي للرحابنة
.. الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا يقدم استقال
.. د.تيسير الآلوسي بمحاضرة بعنوان مسرح المقاومة بين الجمالية وا
.. هل سيبتعد هشام ماجد عن التمثيل الكوميدي؟#كواليس_النجوم